اسم الأم: سمية الفيتروني
مكان الولادة: بعلبك 24/2/1978
رقم القيد: 378/15
مكان وتاريخ الاستشهاد : بعلبك 21/7/2006
هو الذي سمّته أمه "حيدر"، بعد تشرفها برؤية أمير
المؤمنين علي عليه السلام في منامها وهي تحمل به. وهو الذي ارتسمت على ظهره علامةٌ
فارقة تتشابه في شكلها وسيف "ذي الفقار"، فأبى في شبابه إلا أن يكون " أبو تراب" في
الشجاعة والفداء . لم يتشبّع حيدر في طفولته حنان الأم التي عانت من مرضٍ أقعدها،
فعايش ألمها لأربع سنوات أكل عذابها من قلبه، وكان يخدمها ويؤمن طلباتها حتى إذا ما
بلغ الثانية عشرة من عمره وجد نفسه وأخواته الثلاث أيتاماً يصفعهم رحيل من كانت
ملاذاً لهم في الحياة، فعرف حيدرُ الصغير، وهو يرى التراب ينهال على جثمانها، أنه
فَقَدَ وأخواته القلبَ الذي كان يغمره بالحنان والحب، وعليه أن يعوّض لهن ما ضاع
منهن بفقدان الأم.
* ربّ الأسرة الصغير:
بعد نيله الشهادة المتوسطة، ترك حيدر الدراسة ليبدأ العمل مع والده في محل للزجاج،
وذلك ليخفف من حالة الضيق المادي التي عصفت بهم كغالبية أهل البقاع، فجدّ بالعمل،
وكان ما يناله من أجرٍ على عمله يعطيه لأخواته البنات، ولم يركن في يوم من الأيام
إلى الدعة أو رغب في أن يعيش عمر المراهقة كغيره من الفتية، حتى عندما وقع عليه لوح
من الزجاج وجرح يده جرحاً بالغاً، لم يثنه ذلك عن إكمال عمله بجدٍّ، ولم يفكر للحظة
أن من في مثل سنّه يرتاد الثانوية عوض العمل. ولما كبرت أخواته قليلاً سكنَ
معهن في منزلٍ قريبٍ من منزل والده، فصار بذلك ربَّ الأسرة والمسؤول عن أخواته،
فتنقل في مهنٍ عديدة، وكان كل ما يجنيه يعطيه لهن، فهمه الوحيد كان في هذه الدنيا
راحتهن. كان حيدر شاباً شغوفاً جداً بالمطالعة، فما إن يعود من عمله حتى يسكن إلى
الكتاب الذي يقرأه، وتأثر كثيراً بشخصية الإمام السيد علي الخامنئي(دام ظله)، فجمع
صوره وأخباره، ولم يترك أقصوصة صغيرة تتحدث عنه إلا واحتفظ بها، وعندما يُعرض
للقائد خطاب على التلفاز يجلس مشنفاً أذنيه لكلماته، والبهجة تنبسطُ إشراقتها على
ملامحه. ولشدة تعلقه بهذه الشخصية أحبّ كثيراً أن يتعلم اللغة الفارسية، وسعى لذلك
في الفترة الأخيرة من حياته، ولكن الفرصة لم تسنح له.
* ملاك في مودته:
تميّز حيدر في البيئة التي عاش فيها بأخلاقه العالية، وشدة إيثاره وخصوصاً تجاه
أخواته، وكأنه محا نفسه من الوجود لأجلهن، فكان يتابع شؤونهن، ويتحادث معهن ويخاف
عليهن، لدرجة أنه لم يترك أي واحدة منهن تمشي لوحدها في الطريق، وكان همه أن يؤمن
لهن الراحة وكل ما يحتجن إليه حتى وإن كان تأمين بعض الطلبات شاقاً عليه. ولم تقتصرْ
هذه المعاملة على أخواته، بل كذا كان دأبه مع والده وزوجة أبيه، إذ تميزت العلاقة
فيما بينهم بالمودة والطيبة، فكان أشبه بالملاك الذي يتنقلُ من دار إلى دار يحملُ
الخير والمحبة والحنان، فيتفقد الجيران، يسألهم عن أحوالهم، ويؤازرهم في أعمالهم،
يساعد العجائز في تأمين أغراضهم وأدويتهم، ولا يرفضُ طلباً لأي كان وإن أوقعه ذلك
في إحراجٍ شديد، ولم يعرفْ أحد ماذا حمل قلبه الصغير من جراحاتٍ أثخنته، ولشدة ما
أحبّ خدمة الناس تطوع لمدة ثلاث سنوات في الصليب الأحمر اللبناني، فكان مثال
المتطوع المنضبط الملتزم بواجباته على أكمل وجه.
* مسيرة إيمانية وجهادية:
وإذا كان الشابُ الذي حمل مسؤولية أسرة في بداية حياته، فعمل من الصباح حتى المساء
بغية تأمين العيش الكريم، فإن ذلك لم يبعده عن الحالة الإيمانية الجهادية، فحضر في
الحلقات الدراسية، وتابع دروساً ثقافية أشبعتْ شغفه للمعرفة والاطلاع. تلك الحياة
الصعبة التي عاش حيدر تفاصيلها منذ صغره، أورثته صبراً غبطه عليه من حوله، فكان
صاحب الابتسامة المفعمة بالأمل، لم يتذمر يوماً، أو يتمنَّ صفحات من حياة الآخرين،
بل كان راضياً قانعاً بما قسمه الله عز وجل له. عشق حيدر الجهاد منذ صغره، وما إن
اشتد عوده حتى تطوع في التعبئة العامة، وبعد مرور ثلاث سنوات التحقَ بأولى دوراته
العسكرية التي ألحقها بدورات أخرى، وصار لحيدر بيتٌ آخر وعائلة ثانية، واختزل وقته
بين البيت والعمل والتواجد مع الإخوة في مركز العمل، و قد شارك في الكثير من
المهمات الجهادية، والمرابطات العسكرية، وكان يؤثر رفاقه في الجهاد على نفسه، فيسعى
إلى تأمين راحتهم، وكأنه شخص لم يعرف من هذه الدنيا إلا العطاء، من دون أن ينتظر
لحظة يأخذ فيها أيما شيء من أحد. فقد تشارك ورفاقه في كل شيء، ولم يمنعه الضيق
المادي الذي شد خناقه عليه من مساعدة رفاقه، فهو في إحدى المرات اقتسم المبلغ الذي
يحمله مع رفيقه وهو بأمس الحاجة إليه. وإذا كان حيدر قد اهتم كثيراً بواجباته
الدينية لناحية الصلاة في أول وقتها وخصوصاً صلاة الصبح، إلا أنه التفت كثيراً في
حياته إلى مسألة الاختلاط، وتجنبها بطريقة لافتة، وكان يدعو أخواته ورفاقه إلى
ضرورة عدم التهاون في هذه المسألة، لما تتضمن من إشارات خطرة على الصعيد الروحي من
جهة ومن آثار سلبية في المجتمع تودي إلى الهلاك في الآخرة من جهة أخرى، فكان إذا ما
قصد أحداً من رفاقه طرق الباب ووقف خارجاً بعيداً عن الباب يجلله الحياء، ولو كان
الطقسُ قارصاً جداً، وعندما يزوره أحد من رفاقه يستقبله في غرفة منفصلة عن المنزل.
* إنها الراحة بل إنها الشهادة:
عند بدء العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز 2006، تململ حيدر من بقائه في بعلبك،
ولم يطق صبراً وهو يسمعُ عن بطولات المجاهدين في مارون الراس وبنت جبيل، ولكنه
التزم بالمهام الموكلة إليه في منطقة بعلبك، حيث كان مكلفاً بحماية بعض الأحياء.
كان حيدر في الحرب ضرغاماً ينتقلُ من محور إلى آخر، يتفقد الرفاق، ولم يرَ من شراسة
الحرب إلا ما زاده يقيناً بالنصر الأكيد للذين آمنوا وثبتوا ورابطوا.. وفي اليوم
العاشر للحرب، وأثناء قيامه بتفقد الإخوة الذين وزعهم على نقاط محددة للحراسة،
تعرضت المنطقة لغارات عنيفة من الطائرات الاسرائيلية استشهد حيدر في إحداها.. وكان
رحيله الفاجعة على أهله والرفاق وراحة له، فقد ارتاح قلبه مخزن الهموم، وأناخ رحله
بعد سفرٍ مضنٍ، ليلتقي بأمه في عين الله العزيز القدير.