مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مشاركات القراء: عن ابني الشهيد عبّاس أحدّثكم(*)

والدة الشهيد


في الشهر السابع من حملي بـ"عبّاس"، رأيت في الحلم جارتنا الكبيرة في السنّ واقفة عند الباب تقول لي: "سمّي مولودك (عبّاس)"، فابتسمتُ لها دون اهتمام، ثمّ انحنت قائلةً: (دخيل إجرك سمّي عبّاس)، والتفتُّ جانباً لأرى طفلاً ملفوفاً بغطاءٍ زهريّ اللون. وعند ولادته أحضرت لي الممرضة الغطاء نفسه الذي رأيته في المنام، حينها أيقنت أكثر أنّه لا بدّ من أن أسمّيه (عبّاس).

وحتّى قبل أن أعرف بحملي أصلاً، سمعت في الرؤيا نداءً من زوايا غرفتي الثلاث يقول: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾، وفي الزاوية الرابعة رأيت وجهاً يمثّل السيدة زينب عليها السلام وهي ترتدي لباساً أسود.

* مقاوم صغير في معركة مفترضة
كان عبّاس رحمه الله مميَّزاً منذ ولادته، في عينيه بريق يجذب الناظرين إليه. كان مغامراً في لعبه، وكنت أخاف عليه كثيراً وأراقبه، فلا يغيب عن عينَيّ. كان مميَّزاً بحركته كثيراً، ويملك ثقةً كبيرةً بنفسه، وأكثر الألعاب التي كان يحبها هي حمل السلاح وألعاب الحرب. كان يهتمّ بتفاصيلها المهمّة، مثل (الأدوات الطبيّة، الدعم اللوجستيّ للأفراد)، وكان يطلب من أحد أصدقائه حمل القرآن وتقبيله قبل ذهابهم إلى معركتهم المفترضة، حتّى إنّه طلب منّي قبل ذهابه إلى عمله (الشبّة)(1)، لتبقى معه في عمله لتطهير الجروح.

* براءة الذمّة
كان مساعداً لكبار السنّ، فقد كان لجارنا عربة ترمس، كان "عبّاس" يساعده على جرّها وهو عائد إلى منزله مساءً. وكذلك أثناء قيادته السيارة، كان يحب أن يوصل كلّ من رآه في طريقه، وخاصّةً كبار السنّ.
عندما بدأ يتقاضى راتبه الشهريّ، سدّد كلّ ديونه ومستحقاته حتّى تلك المشاغبات التي قام بها في صغره. يروي مدير مدرسته أنّ "عبّاس" قد زاره قبل استشهاده بشهرين، طالباً منه السماح على قطعة كهربائيّة كان قد أحدث عطلاً فيها في صغره دون علم أحد، وأعطاه ثمنها.

* الوجه النيّر
في السنوات التي سبقت شهادته كان وجهه بشوشاً، ونيّراً من شدّة العبادة، وكان يوجّه النصائح والإرشادات شفهيّاً، أو على مواقع التواصل الاجتماعي، فيؤكّد أهميّة صلاة الليل، وصلاة الغفيلة، ويشرح طريقتهما، ويبيّن أهمية المواظبة عليهما. لقد كانت ملامح الشهادة باديةً على وجهه.
وفي موضوع الزواج، كان يبحث عن فتاة ترتدي العباءة الزينبيّة، وكان يريدها ابنة شهيد.
كان شديد الاهتمام بالأمور الدينيّة، وكثير التردّد إلى المسجد وعنده حبّ المعرفة والاطّلاع، وكان كثير التردّد إلى المسجد، وعلى تواصل دائم مع روّاد العلم وأهل المعرفة.

* "أنا بيتي ليس هنا"
قبل أن ينتهي من بناء بيته، طلب من أخته إكمال البيت والسكن فيه، قائلاً: "أنا بيتي ليس هنا". كان متعلّقاً بأولاد إخوته، وحريصاً على تربيتهم على النهج الحسينيّ الأصيل، وعلى تعليمهم الصلاة، فكان يصلّي أمامهم بصوت مرتفع.

* "إذا نجحت بصير أمير"
كان يدعو الله دائماً أن يمنّ عليه بالشهادة، وأن يُقطع رأسه مثل الإمام الحسين عليه السلام، وكان يطلب منّي الدعاء للمجاهدين، حتّى إنّه قبل شهادته بأيّام قد ترك لي رسالةً على الهاتف يقول فيها: "إمّي، ادعيلي، عندي امتحان، إذا نجحت بصير أمير"، فظننت أنّ لديه امتحاناً في دورةٍ معيّنةٍ، فتوجّهت نحو القبلة وبدأت بالدعاء.

* المبادر دائماً
كان خدوماً لجميع الإخوة ويحبّ عمله ومتعلّقاً به، وكان صاحب قرار، لا يتأثّر بآراء الآخرين، مطيعاً للتكليف، ويعطي نصائح للإخوة، محبوباً من قِبَل كلّ من عرفه من مدرّبين ورفاق درب.
يروي أحد أصدقائه في العمل أنّهم بعد الانتهاء من عملٍ عسكريٍّ (هجوم تلال غربي الزبداني)، وفي طريقهم إلى لبنان وقد كانوا منهكين، طلب أحد الإخوة المعنيين في المنطقة بقاء أحدهم بسبب النقص في البديل، بسرعة وافق "عبّاس" وتبرّع بالبقاء.

* مواساة لأئمّة البقيع عليهم السلام
لقد كان عباس مهيّأً لاستشهاده، خاصّةً في أيّامه الأخيرة، فقبل الالتحاق بالخدمة الأخيرة، سأله أحد أصدقائه في الضيعة عن وقت عودته فأجابه: (أنا نازل الاثنين إلى الروضة)، وفعلاً استشهد "عبّاس" يوم الاثنين، وقد ترك رسالةً مع أحد أصدقائه في العمل وطلب منه تسليمها لأهله عند استشهاده، وهي تتضمّن وصيّته إليهم بعدم وضع بلاطة على قبره، وإبقائه من تراب، مواساة لأئمّة البقيع.

* الرائحة الزكيّة
يروي صديق الشهيد في المهمّة الأخيرة أنّ "عبّاس" صلّى آخر صلاةٍ وهي صلاة الفجر قبل بدء الاشتباك بساعة، حتى قضى نحبه، وبقي جثمانه الطاهر بعيداً عن رفاقه مدّة 10 ساعات، وعند وصولهم إلى الجثمان تفاجأ الجميع بأنّه بلا رأس، تفوح منه رائحةٌ زكيّة، ما زالت عابقةً بأغراضه التي تلطّخت بدمه إلى اليوم، بل حتّى الأحجار الممزوجة بدمه الطاهر فاحت منها الرائحة نفسها، وقد بقي جثمانه يوماً ونصف اليوم على التلّة تحت الشمس، لكنّه بقي سالماً طريّاً.
حياة "عبّاس" كانت مليئةً بالأمور اللافتة، كأنّه كان محلّاً للاختيار الإلهيّ.


(*) الشهيد عباس حسن ياسين (آدم الحسن) استشهد بتاريخ 12-آذار- 2015م.
1- مسحوق للتطهير والتعقيم ويساعد في التئام الجروح، يستخرج من النبات.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع

لبنان

سماح

2018-12-03 10:19:08

استشهد بتاريخ ١١-٥-٢٠١٥