متأخّراً التحقتُ بقطار من عرفها واستطاع الاقتراب قليلاً،
في مختلف اللقاءات، أجدني محدّقاً في تقاسيم الوجه العميق أكثر منّي مفتشاً عن حديث
أتبادله معها؛ لأنها كانت بحقّ سيّدة مجلسها.
أمّ عماد، ووهجها يسبقها، العباءة صنوٌ للوقار، والأخلاق زينة ما يجيده فاهها. إنْ
تكلمت فخير من نطق عن الشهادة، وإنْ سكتت فكأنّه سكوت قادة، وكأنّ في الأثير عماداً
وجهاداً وفؤاداً...
في الصوت الحنون دفء أمومة لم تحصره يوماً برابطة الدم. الحاجّة الكبيرة عارفةٌ
بأمور زمانها ومكانها، تحسبها لوهلةٍ قارئةً من الطراز الرفيع، إنّها حقّاً كذلك،
مع إضافةٍ تسمى "بصيرة"، لا أفقه منها شيئاً، أنا أسمع أنّها هبة الله لمن كان من
أهل الله، وأمّ عماد كانت كذلك...
كان أبو عماد لها مفتاح وداع الدنيا وقنطرة لم تلبث بعدها سنةً حتى عبرت إليه منها.
أذكرهما معاً، علّماني كيف يبقى الحب فتياً رغم تجاعيد الزمن وأهوال الفقد، "الفقد
جللٌ يا عزيزتي" قال لها: "فهلمّي إليّ، وأولادك جنبي، فلا تطيلي علَيّ"...
حقّاً لم تطل. كان نداء أهل السماء هذه المرّة أكثر حضوراً في روح التقيّة، استجابت،
وأقفلت خلفها آخر درسٍ في نساء حقّاً تزوّجن القضية.
أسدلت جارتي الستارة، ولم أعد أستطيع الزيارة، كنت ألوذ بها وفاطمة ابنتي على يديّ،
كم كنتِ عزيزةً يا جارة...
علي نسر