... آهٍ لفراقك أبي الشهيد،
وُلدت يتيمة عند عروج روحكَ. ما لكَ رحلتَ سريعاً دون أنْ أراك، وغبتَ عن ناظريّ
قبل أن تتفتّح عيناي؟
يا أنّة فؤادي، ووجع القلب.
ما لي، أنظر فوق سريري، فلا أرى وجهك يحنو على طفولتي، وأنا من خلال القماط أتأمّل
صورتك البهيّة؟
أرجوك، يا حامل نعش والدي، قفْ لي هُنيهة، لأشُمّ ورود كفنه، وألثم نحره. غريبة أنا
في دنياي، ويتيمة في هذا العالم.
أبي الشهيد، أراكَ في عيون الصباح، وبين كواكب الليل، أراك في هدأة مناجاة الليل.
ليتك انتظرت قليلاً، لأرى لون عينك، ليتك زرعتَ على شفتيّ بسمةً، وضمَمتني حُبّاً
وحناناً.
أتساءل، لماذا يسقط الثلج أحياناً قبل قدوم الشتاء؟!
ما الذي يجعلك ترحل بلا وداع، وبلا استئذان؟! وما الذي يجعل من حياتك عرساً ومن
موتك أعراساً؟
أبي، لقد أسكنتكَ حَدْقَة عينيّ، يا نشيدَ القلب ما لي سواك ريشة تلوّن أيّامي.
لقد أُسقطت من قاموس لُغتي كلمة أبي، كيف لي أن أقلِّب صفحات عمري وأنت غائب عنّي؟
ومن لغير اسمك أكتب الشعر والقصائد؟
رحلتَ عن طفولتي مع قطار أيلول، فتغيّرت الأرض أمام ناظريّ، عندها عرفت أنني أنثى
الألم، وأنثى العذاب.
قُمْ يا شهيد طفولتي واستقبلني، وهزّ سريري بأناملك ودغدغ وجنتيّ، فأنا ما زلت
أحتاج إليك مثل الماء، والهواء، والضوء، والغذاء.
أبي، أنا من دونك مسافرةٌ بلا عنوان، ولا طريق، وبلا أحلام، وقلبي المجبول بالأسى
يرفرف من سماء إلى سماء مع اسمك وثمّة نداء يقول:
صغيرتي، زرعتُ في عينيكِ
أجمل حلمٍ للشهادة.
منيرة حجازي
(لسان حال الطفلة سجى التي وُلدت بعد سويعات قليلة من نبأ استشهاد والدها البطل
الشهيد إبراهيم معن سبيتي الذي استشهد دفاعاً عن المقدّسات بتاريخ 2/10/2017م).