نسرين إدريس قازان
شهيد الوعد الصادق علي عباس الموسوي (السيّد عماد الدين)
اسم الأم: فاطمة الموسوي.
رقم القيد: 107
الوضع العائلي:
متأهل وله ابنة.
محل وتاريخ الولادة:
النبي شيث، 1/2/1980م.
مكان وتاريخ الاستشهاد: شمع -صور،19/7/2006م.
تفتحتْ أولى وريقات حياته على فقدان الأب، فتنشَّقَ اليتم
وهو في سنته الأولى. وأبصرت عيناه الصغيرتان "أجمل أمٍّ في الدنيا" -كما كان
يناديها. أمّه التي غمرته باهتمامٍ خاص، ليس لأنَّه مدللها الصغير فحسب، بل لأنَّها
أدركت أنَّه يحمل بين جنبيه سراً ستكشفه الأيام.
"علي" تربَّى في بيت سيد شهداء
المقاومة فكان بمثابة تعويض له من الله عزّ وجلّ، إذ منّ عليه بأن دخل بيت سماحة
السيد عباس الموسوي رحمه الله صغيراً حيث كانت أمُّه تساعد السيدة أم ياسر في خدمة
المجاهدين، فدرج فيه بين أطفال السيِّد الذي كان يعامله بطيبة ومحبَّة كبيرتين،
فنهل من ذلك البيت المحمدي خصالاً إيمانية-جهادية خالصة لله لأنَّ روحه كانت تربة
صالحة لبذور التدين الحقيقي، ذلك أنَّ أمه لعبت دوراً مهمَّاً في حياته تخطَّى
الأمومة والأبوَّة، فهي مدرسةٌ في محبَّة أهل البيت عليهم السلام وتوثيق عرى
الارتباط بهم في أصغر تفاصيل الحياة. بين منزل السيد عباس رحمه الله ومقرّ المقاومة
الإسلامية في قرية النبي شيث، ترعرع هذا الطفل الصغير الذي أحبَّ أن يختزل الطفولة
باكراً ليصير كما المجاهدين الذين كان يقلّدهم ويقتدي بهم. وأبصر كيف سارع بعضهم
للالتحاق بالرفيق الأعلى فافتقدهم، وظلّ بعضهم الآخر قدوةً في مواصلة الطريق. في 16
شباط من العام 1992، عرف علي حقيقة اليتم والغربة في فقد الأحبَّة برحيل السيد عباس
وزوجته وطفله، فصار مقام السيد ملاذه في وحدته، وحين تعبه يلوذ به كما يلوذ الطفل
الصغير بحضن أبيه، ويبكي بصمتٍ يضجُّ في زوايا المكان شوقاً للقاء.
* الوفيّ الأمين
رغم مكانة السيد عباس في قلبه فإنَّ علياً لم ينسَ والده أبداً. فهو عندما بلغ
الثامنة من عمره وبدأ يصلي صار يهدي ثواب صلاته إلى روح أبيه. وواظب بعد كلِّ فريضة
على قراءة الدعوات وإهدائها إلى روحه الطاهرة. وفي الثانية عشرة من عمره، ترك
المدرسة ليعمل ويعين والدته، فامتهن عدَّة مهنٍ وأجادها، فمن صنعة البناء إلى العمل
في الأدوات الصحية وفي الكهرباء، أعمال ساهمت في صقل شخصيته وفي دخوله ليس بيوت
الناس فقط، بل إلى قلوبهم وحياتهم. وقد ظلّ يتابع هذه الأعمال حتى بعد تفرّغه، على
الرغم من ضيق الوقت، إذ إنّ النَّاسَ كانت تأتمنه على بيوتها، ويريها بسلاسة تعاطيه
معها، فهو لا يحدد موعداً لتسليم ورشة إلا ووفى بالوعد.
* الرحلة الجهادية
ما إن شبّ عليّ حتى التحق بالدورات العسكرية وبدأ عمله المقاوم. ولكنه لم ينشغل في
تطوير قدراته العسكرية فقط، بل عمد إلى تعلّم اللغة الانكليزية واللغة الفارسية.
وعُرف في مقرِّ عمله بدقَّته ولين تعاطيه وأمانته وحبّه للتخفيف من تعب المجاهدين،
فهو وإن كان تعِباً لا يُظهر ذلك، ولكن إذا ما لمح الإرهاق على وجه أحد الأخوة بادر
إلى إكمال العمل عنه ليرتاح قليلاً. وكذا كان بين أهل قريته، فما قصده أحد بعملٍ
إلا ولبّاه ولو كان التعبُ أثقل عليه. وكان يتفقَّد الأهل فرداً فرداً، ويلوذ بأمه
وبتعب كفيها اللتين احتار قلبه كيف يريحهما، فكان لا يقبل أبداً بأن تخدمه بشيء،
حتَّى بغسل ثيابه، بل كان يقوم بمساعدتها ويخفِّف عنها، ويفتح قلبه لشكواها وهمومها،
أوليس هو صديقها المقرب منذ طفولته؟! "علينا أن نتخطى أمور الواجب والحرام وأن نعمل
المستحبَّات" هذا ما كان يؤكِّد عليه علي لعائلته ورفاقه، فلم يتراخَ طرفة عين عن
تحصيل كلِّ ما يمكن تحصيله في سبيل تعزيز الروحيَّة الإيمانيَّة عنده وعند من حوله،
فذلك الشاب البشوش الذي ينضحُ وجهه بالأمل على الرغم من الحياة الصعبة التي عاشها،
كان راضياً قانعاً بما قَسَمَه الله له، وله في حياته محطاتٌ ينيخ فيها رحله، كشهر
رمضان المبارك الذي يقضي لياليه في المسجد قائماً منقطعاً في بعض ساعاته إلى الله
العزيز القدير.
* الأهم أن نبذل كل شيء
عندما قرَّر علي الزواج، بادرت والدته وأخوه إلى إعطائه قطعة أرض صغيرة بالقرب من
منزل العائلة، فشيّد علي منزله بنفسه. وقد رُزق بفتاةٍ كانت قد بلغت من العمر سنتها
الأولى حين شهادته. وكأنَّ فقد الأب هو أوَّل ما أورثها إيَّاه مع إرث غنيِّ من
تاريخ شابٍ مجاهدٍ كان يدفعُ المجاهدين إلى بذل كلِّ طاقاتهم في خدمة المسيرة
الحسينية، ويذكِّرهم بأنَّه لا يهم ماذا نقدّم بل الأهمّ أن نبذل كلَّ شيء حتى ولو
كان صغيراً.
* الوداع الأخير
في الثاني عشر من تموز العام 2006، وصل علي إلى منزله في النبي شيت. وبمجرد وصوله
عاد وحزم حقائبه للتوجه جنوباً، فكان سلامُ اللقاء مع أمِّه وإخوته وداعاً من نوعٍ
آخر. وكانت إحدى أخواته غير موجودة في المنزل، فبحث عنها حتى وجدها وودعها، وانطلق
إلى الجنوب ليرابط في وادي "شمع" حيث عمل على دكّ المستعمرات الإسرائيلية بالصواريخ.
وذات فجرٍ قريب استيقظت أمّه بعد رؤيا غريبة لم تعرف هل تفرح لها أو تحزن، فقد
زارها الشهيد سماحة السيد عباس الموسوي ومعه السيد حسن نصر الله وأهدياها مصحفاً
شريفاً، واقترب منها السيد عباس هامساً لها: "هذا القرآن لا أعطيه لأبي!" ليبيّن
لها قيمته العالية عنده. ولم يكد يمر يومان إلا ونالت الهدية التي تبيّض لها وجهها
عند السيدة الزهراء عليها السلام: شهادة مباركة لولدها بعد أن تعرض مربضه لغارة من
الطائرات الإسرائيلية. هنيئاً للشهداء الأبرار الذين زهدوا في الدنيا وأحبّوا لقاء
الله فأحبّ لقاءهم واختاروا لأنفسهم الحياة الخالدة بالشهادة ووهبوا لنا حياة العزِّ
والمجد والحرية وأناروا بدمائهم الطاهرة الطريق لعشّاق الله ومشتاقي اللحاق بقافلة
النور الحسيني المقدّس، رزقنا الله تعالى ما رزقهم وحشرنا معهم إن شاء الله تعالى.
* من وصيّة الشهيد:
إلى الإخوة الذين عرفتهم، إلى من عاشرتهم في بلدتي وعملي:
أوصيكم بحفظ هذا الطريق، طريق المقاومة الإسلامية الذي هو أعظم وأطهر وأعز وأحسن
طريق، ومن خلاله نصل إلى النعيم، إلى جنات الخلد، إلى الله، إلى رؤية الحسين عليه
السلام وأصحاب الحسين عليه السلام ونحشر معهم إن شاء الله. وأوصيكم بأن لا تهجروا
المساجد التي نُصارع من أجلها، فصراعنا مع العدو من أجل أن يبقى هذا الدين وتبقى
المساجد
﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ
آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ
وَلَمْ يَخْشَ إِلاَ اللهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾
(التوبة:18) صدق الله العليّ العظيم.