مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

نور روح الله: التفهيم.. ذكر القلب(*)


في سياق بحث الإمام الخميني قدس سره في الآداب المعنوية للصلاة، يُبيّن أهمية تفهيم القلب ما يذكر اللسان وأثره أثناء العبادة والصلاة.

إنّ الإنسان يعدّ قلبه في أوّل الأمر كطفل ما انفتح لسانه وهو يريد أن يعلّمه كلّاً من الأذكار والأوراد والحقائق وأسرار العبادات، بكمال الدقّة والسعي، ويُفهّم القلب الحقيقة التي أدركها في أيّ مرتبة هو فيها. فإذا لم يكن من أهل فهم معاني القرآن والأذكار، وليس له نصيب من أسرار العبادات، فيُفهّم القلب المعنى الإجمالي وهو أنّ القرآن كلامٌ إلهي، والأذكار مذكِّرات بالحقّ تعالى، والعبادات والطاعة إطاعة لأمر الربّ، ويُفهّم القلب هذه المعاني الإجماليّة. وإنْ كان أهلاً لفهم المعاني الصوريّة للقرآن والأذكار فيُفهّم القلب المعاني الصوريّة من: الوعد والوعيد، والأمر والنهي، ومن علم المبدأ والمعاد، بالمقدار الذي أدركه.

* القلب الذاكر
وإنْ كُشفت له حقيقة من حقائق المعارف أو كُشف له سرّ من أسرار العبادات، فيعلّم القلب ذاك المكشوف بجدّ واجتهاد(1). ونتيجة هذا التفهيم هو أنّه بعد المواظبة مدّة [من الزمن] ينفتح لسان القلب ويكون القلب ذاكراً. ففي أوّل الأمر كان القلب متعلّماً واللسان كان معلّماً، والقلب كان ذاكراً بذكر اللسان وتابعاً له في الذكر، وأمّا بعدما انفتح لسان القلب فيصبح الأمر معكوساً فيكون القلب ذاكراً أوّلاً ويتبعه اللسان في الذكر والحركة.
بل ربّما يتّفق أنّ الإنسان في حالة النوم يكون لسانه ذاكراً تبعاً للذكر القلبي؛ لأنّ الذكر القلبي لا يختصّ بحال اليقظة؛ فإذا كان القلب ذاكراً يكون اللسان التابع له ذاكراً أيضاً، ويسري الذكر من ملكوت القلب إلى الظاهر؛ ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ﴾ (الإسراء: 84).

وبالجملة ففي أوّل الأمر لا بدّ من أن يلاحظ الإنسان هذا الأدب؛ أي التفهيم، حتى ينفتح لسان القلب الذي هو المطلوب الحقيقي. وعلامة انفتاح لسان القلب أن يرتفع تعب الذكر ومشقّته، ويحصل النشاط والفرح، ويرتفع الملل والألـم، كشأن الإنسان إذا أراد أن يعلّم الطفل الذي لم يشرع في التكلّم، فما دام الطفل لم يتعلّم التكلّم، فإنّ المعلّم يكون في تعب وملل، فإذا انفتح لسان الطفل وأدّى الكلمة التي علّمه إيّاها، ارتفع ملل المعلّم. ويؤدّي المعلّم الكلمة تبعاً لأداء الطفل من دون ملل وتعب. فالقلب أيضاً، في أول الأمر، كطفلٍ ما انفتح لسانه بالكلام، ولا بدّ له من التعليم وأنْ يُلقَّن الأذكار والأوراد، فإذا انفتح لسان القلب يكون تابعاً له وترتفع مشقّة الذكر وتعب التعليم وملل الذكر. وهذا الأدب بالنسبة إلى المبتدئين ضروري.

* من أسرار التكرار
وليُعلم أنّ من أسرار تَكرار الأذكار والأدعية ودوام الذكر والعبادة، انفتاح لسان القلب، فيكون ذاكراً وداعياً وعابداً. وما دام لم يلاحظ الأدب المذكور لا ينفتح لسان القلب. وقد أشير إلى هذا المعنى في الأحاديث الشريفة، كما في الكافي الشريف عن الإمام الصادق عليه السلام أنّ عليّاً عليه السلام قال في ضمن بيان بعض آداب قراءة القرآن: "ولكن اقرعوا به قلوبكم القاسية، ولا يكن همّ أحدكم آخر السورة"(2). وفيه أيضاً أنّ الإمام أبا عبد الله الصادق عليه السلام قال لأبي أسامة: "يا أبا أسامة، ارعَوا قلوبكم بذكر الله، واحذروا النَكْت"(3).

* ما زلت أردّدها حتى سمعتها مِن المتكلّم بها
لقد كان أولياء الله يلاحظون هذا الأدب، حتّى الكمّل منهم، كما في الحديث أنّ مولانا جعفر بن محمد الصادق عليه السلام كان في صلاته فغشيَ عليه، فلمّا أفاق سئل عن سببه فقال: ما زلت أردّد هذه الآية على قلبي حتّى سمعتها من المتكلّم بها فلم يثبت جسمي لمعاينة قدرته.
وفي كتابه (فلاح السائل) يذكر السيّد ابن طاووس أنّه روي "أنّ مولانا جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام كان يتلو القرآن في صلاة فغشي عليه فلما أفاق سئل ما الذي أوجب ما انتهت حالك إليه؟ فقال عليه السلام (ما معناه): ما زلت أكرّر آيات القرآن حتّى بلغت إلى حال كأنني سمعتها مشافهة ممّن أنزلها على المكاشفة والعيان، فلم تقم القوّة البشريّة بمكاشفة الجلالة الإلهية". ثم يقول العارف المذكور: وإيّاك يا مَن لا تعرف حقيقة ذلك أنْ تستبعده أو يجعل لك الشيطان في تجويز الذي رويناه عندك شكّاً، بل كن مصدّقاً، أما سمعت الله يقول: ﴿فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا﴾ (الأعراف: 143).

* اجعل قلبك قِبلةً للسانك
وبالجملة، فحقيقة الذكر والتذكّر هي الذكر القلبي. أمّا الذكر اللسانيّ فهو بدونه ذكر بلا لبّ وساقط عن درجة الاعتبار بالمرّة، كما أشير إلى ذلك في الأحاديث الشريفة غير مرّة، فعن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال لأبي ذرّ: "يا أبا ذرّ ركعتان مقتصدتان في تفكّر، خير من قيام ليلة والقلب لاهٍ (ساه)"(4). وكلّما كان القلب غافلاً فبمقدار الغفلة كانت الصلاة غير مقبولة، وما لم يلاحظ الأدب المذكور لا يحصل الذكر القلبي ولا يخرج القلب من السهو والغفلة، وفي الحديث أنّ الصادق عليه السلام قال: "فاجعل قلبك قبلة للسانك لا تحرّكه إلّا بإشارة القلب"(5). ولا يتحقّق كون القلب قبلة ولا تتحقّق تبعيّة اللسان وسائر الأعضاء له إلّا بملاحظة هذا الأدب، وإنْ اتّفق في مورد حصول الأمور المذكورة بدون هذا الأدب فهو من النوادر ولا يجوز للإنسان أن يغترّ به.


(*) من كتاب الآداب المعنوية للصلاة، الفصل السابع، "في بيان التفهيم".
1- المراد من الكشف، هو الكشف العلميّ، وإلّا فالكشف الحقيقيّ لا يكون إلّا للقلب، ولا يبقى بعده مجال للتفهيم، فتدبّر.
2- وسائــــل الشيعــة، الحر العامـلي، ج6، ص207.
3- الكافي، الكليني، ج8، ص167.
4- الوافي، الكاشاني، ج26، ص192.
5-بحار الأنوار، المجلسي، ج90، ص158.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع