مركز الحرب الناعمة للدراسات
تُعتبر المسلسلات الأجنبيّة من أهمّ أدوات ووسائل انتقال القيم الثقافيّة بين
البلدان. وتختلف المسلسلات ورسائلها باختلاف مناطق إنتاجها وإخراجها، وبالتالي
القيم التي تحملها بيئة المُنتج، فمنّها: الأميركيّ والتركيّ والهنديّ والمكسيكيّ
وغير ذلك. وتبُثّ المسلسلات على اختلافها أنوعاً متعددة من الثقافة التي تتنوّع
وتتباين بينها وبين الثقافات المحليّة، فتؤثر على المجتمع الآخر؛ لتُرسّخ بعض القيم
والمفاهيم الجديدة أو تعمل على تعديل بعضها، وأحياناً تعمل على إلغاء بعضها الآخر.
* المسلسل الأجنبي حرب خفيّة
والقيم الأسريّة هي منظومة من تلك القيم التي تتأثّر تأثّراً جليّاً بتلك المسلسلات.
وتتمثّل منظومة القيم الأسريّة بالهويّة الوطنيّة والثقافة العامّة وتكريس القيم
والتربية الحميدة في الأسرة وغيرها من القيم التي تكاد تكون من الثوابت. هنا يتدخّل
المسلسل الأجنبيّ ليزعزع هذه الثوابت بخفّة ودهاء، وهذا ما يعتبر أداة من أدوات
الحرب الناعمة التي يشنّها الغرب لضرب المنظومة القيميّة للفرد كأحد أهدافها
المُعلنة.
عندما تتغيّر تلك القيم وتتقولَب بقالب جديد مغاير للقيم القديمة، تصبح القيم
الوافدة صورة جديدة من صور العولمة التي ترغب في صناعة قيم موحّدة للعالم كلّه،
وبمعنى آخر إيجاد نظرة كونيّة خالية من القيم، بل تحكمها المصالح الثابتة والرغبات
والدوافع فقط، ودون مراعاة لأيّ اعتبارات أسريّة أو مجتمعيّة أو دينيّة. هذه هي
العولمة! فما هي تلك المسلسلات الأجنبية؟ وما هو تأثيرها على منظومة القيم؟
* سمٌّ في عسل
تتنوّع المسلسلات الأجنبيّة مع اختلاف المنشأ، منها الأميركية مثل "friends"، مسلسل
من النوع الكوميدي، الذي استمرّ مدة 10 مواسم عام 1994م وانتهى عام 2004م؛ ومنّها
أيضاً المسلسلات التركيّة كمثال آخر، مثل "حبّ للإيجار"، الذي يتألف من موسمين،
يتخطّى كلّ موسم منها المئة حلقة، وهو من النوع الاجتماعي الرومانسي. أضف إلى ذلك
المسلسلات المكسيكيّة مثل "أسرار إينجل"، الذي عرض في خمسين حلقة، وهو من نوع
المسلسلات الاجتماعية الرومانسية.
وغيرها الكثير من المسلسلات الأجنبيّة التي تتميّز بخصائصها المختلفة عن المسلسلات
العربيّة، منها: الإنتاج المتميّز، والميزانيّة الماليّة الكبيرة المرصودة لها،
وقوّة الممثلين وكفاءتهم، مضافاً إلى النصّ المتين والسيناريو المترابط مع وجود
مواقع تصوير مفتوحة وديكورات فخمة. كل هذه المميزات التي تُضاف إليها الواقعية
الاجتماعية والدبلجة باللهجات المحبّبة تقرّب المشاهد منها، فيما تلعب لياقة
الممثلين والممثلات دوراً بارزاً كعنصر جاذب لمتابعتها.
فيما نجد أنّ المسلسلات العربيّة، كالسوريّة والمصريّة تعاني من الرتابة والتشابه
في موضوعاتها، يضاف إلى ذلك، الوجوه المكرّرة في التمثيل. كما لعبت الانقسامات
السياسيّة دوراً بارزاً في الانجذاب أو الابتعاد عن المسلسل العربي، الذي بات منبراً
للتعبير عن الآراء السياسيّة مثل "الولادة من الخاصرة" السوري و"ظلّ الرئيس" المصري.
* قيم وافدة غازية
يبثّ بعض المسلسلات الأجنبيّة قيماً مغايرة لتلك التي تبثّها العربية منها، فهي
بشكل أو بآخر تعبّر عن نمط الحياة في بلد المنشأ، وتحكي عن القيم والعادات
والسلوكيات الموجودة فيه. أضف إلى ذلك أنّ بعض القيم التي تُبث تُعارض المفاهيم
الدينيّة والقيم الأخلاقيّة والمباني الأسريّة، حتى باتت تشكّل خطراً يؤدي إلى
الابتعاد عن تلك القيم الأصيلة واستبدالها بالوافدة. تلك القيم قد ولّدت سلوكيّات
غير مقبولة أو مباحة في مجتمعنا، مثل الاختلاط والكذب وشرب الخمر وإضاعة الوقت
وتفكّك الروابط الأسرية، كما مهّدت لبروز مفاهيم من أمثال: حب المال والإسراف،
مضافاً إلى التشجيع على ظهور المثليين (الشاذين) بشكل طبيعيّ في بعض المسلسلات
والعلاقات الجنسيّة المحرّمة.
إنّ القيم الأصيلة والقيم الوافدة في حالة صراع دائم، وعند استقبال القيم الوافدة
بشكل متكرِّر لا بدَّ من طبع سلوكيّات وقيم مكتسبة جديدة تشكّل الإطار العام
للثقافة الجديدة الوافدة، هذه هي العولمة الثقافية ضمن سلسلة مؤلفة من ثقافة
الإستهلاك وغياب الدين عن الحياة الواقعيّة والسعي خلف المال والغرائز الجنسيّة مع
غياب الرادع الأخلاقي وغياب الرقابة الأسريّة.
* تفكيك المجتمع وتشويه القيم
وفي خلاصة تحليليّة لأبرز ما يترتّب على مشاهدة المسلسلات الأجنبيّة نجدها كالآتي:
1- تفكُّك الأسرة: تستهدف المسلسلات المذكورة بالدرجة الأولى الأسرة ككيان
اجتماعي، وتستهدف محور هذا الكيان ألا وهو المرأة، وتحاول تفكيكها وإبعادها عن
قيمها وعفّتها وحيائها، وتعمل على تسطيحها فكريّاً، خاصةً أن أغلب المشاهدين لهذه
المسلسلات هنّ من النساء. ولأنّ الأسرة المتماسكة تعني المجتمع المتماسك الذي ينبغي
أن يسود فيه حسّ الانتماء وروح التعاون، فلا بدّ من دقّ ناقوس الخطر ونشر الوعي
وتبيان خطورة هذه المضامين؛ التي تؤدّي إلى مشكلات كثيرة مثل: الطلاق، وكثرة
الخلافات الزوجية، وإهمال الأسرة، وعدم تحمّل مسؤوليّة البيت.
2- نشر نمط الحياة الغربيّة: تشكّل المسلسلات الأجنبية ناقلاً ممتازاً لأسلوب
الحياة الغربيّة والأمريكيّة، وإبرازها بأنّها الأجمل، وترويج قيم وعادات وقوانين،
كالسفور الفاحش، والاختلاط في أماكن العمل والتعليم، والحريّة المطلقة للمرأة،
ومنها حقها في أن "تصاحب" من تشاء وتعاشر مَن تحبّ، دون مراعاة لطبيعتها وعفّتها،
والقيم الإسلامية والعربية المتعلّقة بالمرأة.
3- التأثير على الأطفال: عندما يشاهد الأطفال ما يشاهده الأهل، فإنّ مجموعة
مفاهيم تتسلّل إلى عقل الطفل لتسلب منه براءته.
4- تسطيح الفكر: بعد الانغماس في مشاهدة ذاك النوع من المسلسلات يصبح جلّ ما
يشغل بال المشاهد هو ماذا سيحدث في الحلقة التالية، ويصبح حديث الأقارب والأصدقاء،
أو ما اكتشفه المشاهد من حياة الممثل الحقيقيّة عبر الإنترنت أو غيره من الوسائل،
فنلاحظ على سبيل المثال ذاك الممثل يناصر المثليّين وغيرها كثير من القصص المفتوحة
مع شاشة عرض دائمة، وإنترنت يسع أخبار العالم كله.
5- إضعاف التدين: رغم تعدّد الأحداث والمواقف فلا أثر للدين في هذه المسلسلات
فهو غائب حتّى بمظاهره، بل يروّج لمعتقدات علمانيّة، ولربّما تداخل الدين مع
اللادين. فعندما يشاهد المشاهد الصورة النموذجيّة الخاطئة لأبطال المسلسل الذين
يحيون حياة كاملة بعيداً عن الدين والله، فبالتالي ستترك هذه الصور النمطيّة
المتكرّرة أثراً سلبيّاً عليه. مضافاً إلى ما يُحدثه الانجذاب إلى تلك المسلسلات من
تهاون في أداء الواجبات الدينيّة.
* كيف نحمي أولادنا؟
بناءً على ما ذُكر، لا بُدّ من السعي نحو حماية أولادنا وتحصينهم من هذه المخاطر
الجسيمة؛ حتّى لا تؤثّر على المنظومة القيّمة الأصيلة لديهم. وذلك يتمّ من خلال:
أولاً: المجتمع بما يمثّله من مؤسّسات اجتماعيّة تقوم بدور التوعية من مخاطر
هذه المسلسلات، والتوجيه نحو البدائل التي تحمل قيماً أسمى وأهمّ لبناء الفرد.
ثانياً: المدرسة التي يتوجّب عليها اتباع مناهج تربويّة متقدّمة تمنح الوعي
اللّازم للطلاب حول مخاطر نظريّة العولمة، ومدى تأثيراتها على الجيل القادم.
ثالثاً: دور وسائل الإعلام من إذاعة وتلفزيون ووسائل تواصل اجتماعي؛ وسائل
الإعلام التي تتحمّل مسؤوليّة توجيه أكبر شريحة ممكنة نحو اكتساب قيم فاضلة عوضاً
عن تلك المنحطّة. ولا ننسى دور الأهل الحتميّ في حماية ومراقبة أولادهم بالتزامن مع
المؤثّرات الخارجيّة.
أولادنا أمانة بين أيدينا، والمحافظة على سلامة قيمهم ودينهم وأخلاقهم من الهجمة
الشاملة التي يشنّها الغرب على مجتمعنا بهدف عَولمته، هي محافظة على ديْمومة القيم
الإلهيّة الطاهرة؛ التي تنبع من فطرة الإنسان السليمة وعدم تشويهها لتحقيق أهداف
الشيطان.