تحقيق: زهراء عودي شكر
على مرأى ومسمع من العالم، صدحت حناجر ثلّة من الشبّان
أهزوجة "عشق الولاية"، مع إطلالة سماحة السيد حسن نصر الله(حفظه الله) في المجلس
العاشورائيّ المركزيّ خلال السنوات الأخيرة، ومعهم تحوّل جانب من المجمع إلى
أوركسترا عفويّة شعبيّة، اخترقت أصداء ترانيمها قلوب الجماهير الموالية للقائد
السيِّد عليّ الخامنئيّ دام ظله، وما لبثت أن تحوّلت إلى قسم تقليديّ سنويّ بات
يطلقه الحضور مجدِّداً تلبية النداء لولاية الفقيه: "إنّها كلّ الحكاية.. نحن
عشّاق الولاية.. وهتفنا بالولاء.. لعلي الخامنئيّ".
في محضر هذه الأجواء، يغمرنا الشوق ويدفعنا إلى الغوص في قلب هذا الجمهور، خاصّةً
فئة الشباب منه، لندرك سرّ حبّهم وتعلُّقهم وشغفهم بالوليّ وإدراكهم لمعنى الولاية
وحدودها وتكليفها.
* جيلٌ يعي الولاية
يعتقد الكثيرون أنّ السيّد عليّ الخامنئيّ دام ظله وليّ أمر المسلمين، ويكنّون له
حبّاً كبيراً في قلوبهم، بل وينادون بولاية الفقيه ويهتفون بها؛ موالين لها
ومدافعين عنها.
هذا الولاء ليس اعتباطيّاً، فالأخ "أحمد" -واحد من كثيرين ممّن لديهم اطّلاع كبير
على موضوع الولاية، نظراً إلى انتمائه إلى كشّافة الإمام المهديعجل الله تعالى فرجه
الشريف، ومتابعته الدورات الثقافيّة- مؤمن بالولاية وملتزم بها عن معرفة وبصيرة،
ويرى أنّ قناعته بولاية الفقيه "لم تكن تبعيّة عشوائيّة، إنّما أتت عن معرفة
واطّلاع؛ إذ يراها تطبيقاً لكلام الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف في التوقيع
الصادر عنه: "أمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنّهم حجّتي
عليكم وأنا حجّة الله"(1).
إذاً، فالولاية من النعم الإلهيّة في زمن الغيبة، وهبها الله لخاصّته، وهي اليوم
تتمثّل بالقائد الخامنئي دام ظله صاحب الشخصية الإيمانيّة الفذّة، ونحن -كأبناء
ولاية- نأمل في رسم صورة مشرقة ونموذجٍ جيّد للأجيال، وأن تحظى أعمالنا بالرضى
الإلهيّ، ونكون من الممهّدين لإمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف.
* اتّباع تتبعه معرفة
التزمت الأخت "رباب" بولاية الفقيه من باب التقليد والسير على خطى العائلة في
البداية، ولكنّها لم تكتفِ بذلك، بل فتحت لقلبها باب المعرفة لتصبح على دراية بمعنى
الولاية ومستلزماتها: "لم أعِ موضوع الولاية إلّا عندما صرت أتابع بعض القنوات
الدينيّة، وأدركت بعض التعدُّد في وجهات النظر. وهنا بحثت عن السبب، فكان الجواب
يتعلّق بموضوع الدعوة إلى الجهاد وعدمها. وعلى الرغم من عدم فهمي للمعنى الدقيق،
إلّا أنّني كنت مقلّدة للسيّد القائد دام ظله وموالية له دون إدراك لمعنى الولاية؛
بسبب خجلي من الاستفسار... إلى أن سنحت لي الفرصة لقراءة كتيّب فهمت منه الموضوع
بشكل أوسع، وأنّ الاعتقاد بالولاية يترتب عليه الكثير من الالتزامات، وأدركت مدى
أهميّة فهم الموضوع".
* الشباب: نثق بهذه القيادة
يظهر حماس "حسن" وتفاعله مع موضوع الولاية -حيال طرحنا له- مدى اتّباعه للوليّ
الفقيه وإعجابه بشخصيّة السيّد الخامنئيّ دام ظله القياديّة. وسرعان ما تدرك من
حديثه سَعة اطلاعه وقناعته والتزامه بفتاوى الولي، قائلاً: "تنبع أهمّيّة ولاية
الفقيه من الدور الكبير الذي تلعبه في تنظيم حياة الأمّة الإسلاميّة في إطار وحدة
الكلمة والفتوى ووحدة المؤمنين وجمعهم. وهذا التنظيم يشمل كل نواحي الحياة
السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والثقافيّة. ولعلّنا نلمس أهمّيّة وأثر
الولاية لمس اليد في كثير من جوانب حياتنا العمليّة والمعنويّة والنفسيّة، فمثلاً
رأي القائد في الجهاد ضدّ داعش في سوريا هو أمر رشيد خلّصنا من قوّة يزيديّة طاغية؛
فلولا حضور المقاومة في الميدان لكانت داعش قد وصلت إلى عقر دارنا، وهتكت أعراضنا
وسفكت دماءنا، وكذلك أمر الولي الفقيه بإحياء يوم القدس فإنّه قد جمع كلمة المسلمين
ووحّدهم، وحدّد البوصلة تجاه العدوّ. فكثيرة هي الأحكام التي لا يمكننا رؤية
صوابيّتها وإيجابيّاتها إلّا مع مرور الزمن، في حين يكون الولي الفقيه واعياً لها
منذ البداية، وبذلك يكون هذا الوليّ سبيل خلاصنا ونجاتنا".
وأمّا صديقه "جابر" فيرى أنّ ولاية الفقيه هي القوّة الأساسيّة التي تجمع كلمة
الموالين في الأمور المصيريّة؛ "لأنّ التفرقة هي أساس الضعف، ولأنّ وجود قيادة
رشيدة موثوقة ومؤتمنة وتتمتّع بالأخلاق، العلم، السياسة، حتى الاقتصاد -حيث طرح
السيد القائد نظرية الاقتصاد المقاوم- حتى العالم الافتراضي والحرب الناعمة، سيعكس
هذه الثقة في كلّ مواقفك الحياتيّة. فللسيد القائد توجيهات عميقة توجّهنا نحن
الشباب وترشدنا إلى فهم الواقع، وكيفيّة موازنة حياتنا بين بناء الأسرة والواجب
الاجتماعي، وكيف نقدّم لمجتمعنا ما يحتاج إليه ونساهم في تطويره، وتكمن أهميّة هذا
الخطاب في أنّه خطابٌ على مستوى الأمّة وليس على مستوى بيئتنا وبلدنا فقط. نعم، أنا
أثق به ومستعد للالتزام بكلّ توجيهاته؛ لأنّني أثق بأنّه يرى فيها مصلحة مهمّة
جدّاً، وغيري كثيرون لديهم هذا الشعور وهذه القناعة".
* جامعيّون ولائيّون
"بين الولاية والشباب حكاية إيمان وأمانة، وعشق وشهادة، وعزم واقتداء، بدايتها كانت
مع الإمام الخميني قدس سره مفجّر الثورة الإسلاميّة وحافظها، بمنهاج ولاية الفقيه،
والذي أحبّ الشباب وراهن عليهم وكلّفهم؛ ليكونوا طليعة الجنود الحافظين للولاية
والمدافعين عنها. واستمرّت مع الإمام الخامنئيّ دام ظله بشخصيّته القياديّة الفذّة،
وبإيمانه وإخلاصه واهتمامه الكبير بشريحة الشباب، وبحبّه وفهمه لهم، فأحبّوه
وتعلّقوا به وعشقوا الولاية، واتّخذوه قائداً وقدوة".
هكذا بدأ مسؤول الملف الشبابيّ والجامعيّ في التعبئة التربويّة "علي الحاج حسن"،
حديثه عن الولاية، معتبراً طلاب التعبئة التربويّة الجامعيّين وطالباتها نموذجاً
ساطعاً متلألئاً لأبناء الولاية، يعكس فكر المقاومة ونهجها. فهم بحقّ يمثّلون أرقى
مظهر لثقافة أداء التكليف وفق القاعدة: "كلُّنا مأمورون بأداء التكليف، ولسنا
مأمورين بتحقيق النتائج". ولعلّ هذا يظهر في أدائهم وتفاعلهم ونشاطهم وحيويّتهم.
كما يؤكد "علي الحاج حسن" على أنّ المسألة ليست مجرّد حركة شبابيّة حماسيّة بدافع
انتماء حزبيّ، "إنّ لنشاط طلاب التعبئة الجامعيّين دافعاً يرتكز على إيمان وفكر
ومنطق، يكفينا تأمّل المزج بين قدرات الشاب المؤمن وروحيّة التعبئة المتمثّلة
بتحمّل المسؤولية الشاملة وأداء التكليف؛ لندرك كيف أحدث الفارق النوعي. وعندما
نتحدّث عن مستوى وعي طلاب التعبئة لولاية الفقيه، فهو مستوى يقارب الوعي الراسخ،
حتّى إنّها صارت فكراً وثقافةً وبصيرة، انسابت إلى أرواحهم إيماناً وطهراً ونقاءً
وحيويّة وعشقاً وتألُّقاً، تلك الأرواح التي تحدّث عنها الشهيد القائد الحاج رضوان
قائلاً: "الروح هي التي تقاتل فينا"، فهذا هو سرّ الروح التي بها نصرنا الله".
* حملات لتشويه الولاية
تمثّل ولاية الفقيه لدى الحاج حسن "الالتزام بأحكام الإسلام المحمديّ الأصيل"، وهو
ينظر إليها "بعين القداسة"، ويرى أنّ التشويش الحاصل بشأنها لدى بعض الشباب، هو
"نتيجة لما تتعرّض له ولاية الفقيه منذ انتصار الثورة الإسلاميّة وإلى اليوم من
حملات تشويه عنيفة ومركّزة، فيها الكثير من الأباطيل والافتراءات؛ لأنّ الأعداء
يدركون أنّ الولاية إحدى نقاط القوّة الأساسيّة التي تحافظ على الإسلام المحمّدي
الأصيل.
وعليه؛ لا شكّ في أنّ الكثير من الصور المضلّلة والعالقة في أذهان بعضهم ناتج عن
الحرب الناعمة المعادية، التي تُمرَّر اليوم بشكل أوسع عبر أدوات الإعلام الجديد
ووسائل التواصل الاجتماعيّ".
* معنيُّون بتوضيح الصورة
في حين يؤكّد الحاج حسن أنّ: "إظهار منهجنا العمليّ، وممارساتنا التي نؤدّيها،
تشكّل التطبيق العمليّ لولاية الفقيه على المستويَين الشخصيّ والوطنيّ، وهي خير
معين لنا على توضيح الصورة عن ولاية الفقيه. فالدفاع عن الوطن وخدمته يعكسان فينا
نور الولاية؛ لأنّ ذلك واجب إنسانيّ وأخلاقيّ وعقائديّ ووطنيّ، أساسه الأمانة ونصرة
المظلوم والسعي لخدمة المستضعفين ومساعدتهم، وكذلك الأمر بالنسبة إلى العمل
الإنسانيّ والسياسيّ والاجتماعيّ والتربويّ والاقتصاديّ، فمنهجنا دائماً يتحلّى
بالصدق والشفافيّة والوضوح والشراكة والتوافق والصبر والحلم".
* نحو ترسيخ الولاية
وعن النشاطات والنقاشات التعبويّة التي تدور حول الولاية، يقول الحاج حسن: "تعمل
التعبئة التربويّة، من خلال خططها وبرامجها وأنشطتها، على نشر مبادئ الإسلام،
وإظهار القيمة الإنسانيّة والأخلاقيّة المتمثّلة بالحوار والتسامح والبذل والعطاء،
فضلاً عن ولاية الفقيه.. ويتجلّى عمل التعبئة من خلال عدد كبير من الفعاليّات التي
تُقام على مساحة الوطن، كالندوات والدورات الثقافية وورش العمل والحلقات الشبابية
الحوارية، مضافاً إلى المواد الإعلاميّة والفنّيّة التي تطلق على موقع التعبئة
الرسميّ: (tarbaweya.org)، وصفحات التواصل الاجتماعي التابعة... والتي تتناول بعض
جوانبها موضوع الإمام والتكليف والولاية، وتزهر نتائج هذه النشاطات باقات من نخبة
النخبة وصفوة الصفوة القادرة على التدخل وحسم الأمور أينما حلّت، ولا يقتصر هذا على
الميدان العسكريّ والجهاديّ، بل يشمل كل ميدان يتطلّب فيه حضورهم".
1.عن إسحاق بن يعقوب قال: سألت محمد بن عثمان العمري أن يوصل لي كتاباً قد
سألت فيه عن مسائل أُشكلت عليّ، فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان عجل الله
تعالى فرجه الشريف: "أمّا ما سألت عنه أرشدك الله وثبتك... إلى أن قال: وأما
الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنّهم حجّتي عليكم، وأنا حجة
الله". وسائل الشيعة، الحرّ العامليّ، ج27، ص140.