"اللهم قوِّ على خدمتك جوارحي"
رددتها تكراراً، وأنا أيمّم وجهي شطر قبلة المعشوق، أتطلّع إلى ذلك اليوم الذي أفرغ فيه لعبادته، وأسرح في ميادين السائحين لخدمته، ألاحق دقائق الساعات ولحظات الهنات لتكون طاعة، وأبسط فراش الحياة لتكون فناءً، أواجه سياط الموبّخين ونصائح الجاهلين وعتاب الأقربين يعاضدهم شيطان الهوى وسلطان الراحة.
وقفت أمام الأمواج العاتية لرياح الجفاء، وتكسّرت على أجنحتي أغصان الشجرة الخبيثة، وتابعت المسير مستمعاً إلى تلك النغمة القدسية التي تهب مع نسائم الرحمة ببريد الوصال، فرأيت نومي وفكري وطعامي وشرابي ينصبغ بصبغة حسنى، فتخرج من أعماقي أنوار الأفكار لتضيء على فضاء الآخرين.
لم أكن أعلم، وأنل الجاهل المغتر، بأن ما كنت أفعله جذبة أخرى، ووجدت نفسي أهوي في وديان الحجب السبعة. لقد كان ظنّي بأنّ تلك الأنوار وليدة السياحة وأن تلك الأفكار صادرة من منزل العقل الضعيف، وكانت آمالي معقودة على النجاة بلوح سفينتي ظنّاً منّي بأنّني قد وضعت دسرها ونفخت رياح هبوبها وجريت بها في هواء القوّة..
كنت أحسب سنوات العمل وأجمع الحسنات أطرح منها السيّئات فأرجو فوزاً ونجاةً، ولم أكن أدري.
رأيت في عالم الرؤيا يوماً أنني صرت سفينة فانقلبت موجة ورحت أذوب في بحار الآفاق وضاع مني المشهد. استيقظت لأعثر على نفسي فأضعتها وكلما بحثت عنها لم أجدها.
وفي غمرة التيه تناثرت أشعة منارةٍ أرشدتني لأعود سفينة، وعلمت أن إبحاري في مياه الغربة وخوضي في لجة الأعمال وحساباتي في ميزان الحسنات كل هذه قد ضاعت سدى ولم تنفع.
أدركت بلطفه الهادي أنني ضائع ما لم أسترشد بمنارات الهدى وبعلائم الإيمان وأركان شاطئ الأمان.
وهناك حططت رحالي على أعتابهم،
وأنزلت بضاعة مزجاة،
وعدوت إلى جانب الطور لأرى شهاباً
فإني قد مللت الغربة وتعبت من الضياع.