أم كلثوم السبلاني
انشغلت ابنتي بقراءة كتاب "جوهرة هامون"(*)، وهو أوّل كتاب
تقرؤه عن حرب الدفاع المقدّس في إيران.
* مفاجأة غير متوقّعة
لا أخفي أنّني، وفي بادئ الأمر، توقّعت أنّها لن تكمل قراءته لأنّ تحصيلها العلميّ
ومستوى إدراكها لا يتناسبان مع الأحداث الدائرة في الكتاب، ولأنّها ليست على علمٍ
مسبقٍ بأيّ منها، كما أنّ الكثيرَ من أسماءِ المناطق والشخصيّات التي يعجّ بها
الكتاب كانت كافيةً لأن أراهن على عدم مقدرة ابنتي على إنهاء قراءته، فابنة "الصفّ
الثامن" التي لم تتمّ الثالثة عشرة بعد، والتي اعتادت على مطالعة قصص الأطفال
والمقالات القصيرة، ستُعرِض عن القراءة بعد إنهاء أوّل صفحتين منه، بحسب ما ظننت.
ولكن، كم تفاجأت وسُررت عندما وجدتها تقرأ الكتاب بشغفٍ كبير، وتضعه تحت وسادتها،
فتقرأه قبل أنْ تخلد إلى النوم وعند الاستيقاظ.
* "مير حسيني" مُسدَّد
بقيَت ابنتي على هذه الحال مدّة أسبوعٍ تقريباً، إلى أنْ جاءت إليّ ذات مساءٍ
حاملةً الكتاب بين راحتيْها وهي تُهلّل فَرحةً بإنجازها؛ لقد قرأت ابنتي كتاب
"جوهرة هامون" كاملاً!! ولم أكدْ أسألها عن مضامينه حتّى شرعت تُقيّم الكتاب
كالتّالي: إنّه "كتابٌ مذهلٌ وأكثر من رائع؛ لأنّ شخصاً كـ"مير حسيني" يمتلك كلّ
هذه الصفات والطاقات، بالرغم من صغَر سنّه، فهو إذاً، إنسان واعٍ ومسدّد". كما
وصفته بالصابر والمؤمن والذكيّ، وراحت تُجري مقارنة بينه وبين الشهيد محسن حججي،
الذي تأثّرت به كثيراً.
* وجدتُ الجواب
قالت لي إنّها الآن وجدَتْ جواب سؤالٍ كانت تخشى أن تسألَنيه واعترفت لي أنّها
حاولت مراراً أن تسأله لمعلّم التربية الدينيّة في مدرستها، ولكنّها لم تفعل خشية
أن يظنّ المعلّم أنّ إيمانها بالأئمّة عليهم السلام ضعيف، أمّا السؤال فهو: كيف
استطاع أئمّتنا عليهم السلام الذين لم يُكتب لهم العمر المديد، أن يكونوا قادرين
على فعل كلّ تلك الأشياء الحسنة [كما عبّرَتْ]، وكيفَ تركوا هذا الأثر العظيم في
النفوس، بالرّغم من صغر سنّهم؟ ومن ثمّ تحوَّل التقييم إلى محاضرة دينيّة عن
"الرؤية" التي كان يمتلكها الشهيد "حسيني" والمعاملة الطيّبة التي حظي بها كلّ من
عايشه، ولعلّي بذلك قصدتُ "البصيرة؛ لأنّها عبرت عن ذلك بـ"البصر الذي كان يرى به،
ويحلّل الأشياء التي ستحصل في المستقبل"، والتي كانت الدافع وراء تصرفاته.
* جوهرة لا تُقدَّر بثمن
أضافت -أيضاً- أنّها فهمت أكثر كلّ ما يقال عن شهداء الدفاع المقدّس الذين قضوا في
أرض سوريا، ومنهم خالها الشهيد "محمد ياسر السبلاني". وأكثر ما أدهشني، هو قولها
إنّ فرحها بقراءة هذا الكتاب هو بمثابة مَن حصل على جوهرة لا تُقَدّر بثمن وبأنّها
ستخبر رفيقاتها أنّ عطلة نهاية السنة هذه كانت أجمل عطلة تقضيها في حياتها. وبعد أن
علمَت أنّ لديّ سلسلةً من هذه الكتب طلبت إليّ أن تستعير واحداً آخر منها لتبدأ
بقراءته، وبالفعل بدأت بقراءة كتاب "أولئك الثلاثة والعشرون فتى". شكراً لكاتب
القصة "أحمد دهقان"، شكراً للإخوة في دار المعارف على نشر هذه الكتب القيّمة.
ولعلّها دعوة لي ولكم لأن نقرأ عن الأدب المقاوم ونشجّع أولادنا على ذلك. حقاً هذه
هي الشهادة التي تؤتي أُكلها ولو بعد حين.
(*) كتاب "جوهرة هامون" من سلسلة "سادة القافلة"، إصدار دار المعارف الثقافيّة الإسلاميّة.