نور روح الله | علّمتنــا  أن نبصر جمـال البلاء* مع الإمام الخامنئي | رسالة القرآن: حقيقة النصر* تسابيح جراح | نبضي الخافت تمرّد على الموت مناسبة | في جوار المعصومة عليها السلام الافتتاحية | أذلّاء، لن يجدوا إلّا سراباً كان أباً مجاهداً - حوار مع عائلة سماحة السيّد الشهيد هاشم صفيّ الدين (رضوان الله عليه) وصيّة السيّد صفيّ الدين: "ممنوع أن يجوع أحد" قيادة السيّد هاشم: حـزمٌ فـي ليـن نذرٌ أثمر شرحاً - شــــرح نهــــج البلاغـــة للسيّد هاشم صفيّ الدين لستُ شيعيّاً وأحبُّ السيّد

الافتتاحية: الداعية طبيب دوَّار

رئيس التحرير




أمانة الإسلام التي شرّفنا الله بحملها تتطلّب جهداً وصبراً كبيرين حتى نستطيع القيام بالتكليف الإلهي العظيم على مستوى أداء الوظيفة الإلهية المقدسة وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فالجهود الجبارة التي بذلها أنبياء الله في تبليغ الرسالة وعذابات المؤمنين بالرسالات السماوية، كل ذلك ليحكم الدين ولتكون الاستجابة له هي الحياة السعيدة، وهذه الرسالة لا يمكن أن تكون بالإكراه والإجبار لأن الله سبحانه وتعالى لم يُرد لها أن تكون كذلك وهو القائل.
﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ...

 فالرسالة الإلهية منسجمة وجوّ الفطرة الصالحة للإنسان وفيها من عوامل الجذب ما لا يمكن الوقوف معها على حدٍّ، وكما أراد الله للسنن الطبيعية أن تجري مجراها لأنه تعالى أبى أن يُجري الأمور إلا بأسبابها كما في الأحاديث الشريفة. فهو تعالى أراد لدينه أن ينتشر ضمن ظروف مؤاتية وعوامل مساعدة. بعد ذلك كله يأتي دور التسديد الإلهي والمدد الغيبي لرعاية السماء، فالظروف والعوامل يخلقها العاملون الذين يشكّلون (جنود الله) في تحركهم وانتشارهم في البلاد والأصقاع وفي القرى والأرياف، أولئك الذين نذروا أنفسهم لخدمة الدين وإيصاله إلى من يجهله أو من لم تصله حقائقه بعد، وأولئك الذين ينامون وهمّ الرسالة يؤرّق مضجعهم مخافة أن يقصّروا حيالها.

أولئك الذين يبحثون عن واجباتهم ولا يتفلّتون منها مبرّرين ذلك بأعذار واهية وحجج ما أنزل الله بها من سلطان أو برهان، فالرسالي الذي استأنس بسعادة الرضا الإلهي أشد ما يؤنسه هو أن يقدر على إيصال رسالته للناس الذين يريدون الإسلام مهما اشتدت بهم الخطوب ووقفت أمامهم السدود واعترتهم الحجب والعناوين الخدَّاعة.

لذلك تراه مستغلاً لأي فرصة متاحة ومستثمراً لأي لقاءٍ بأحد مهما كان قصيراً، وأن الشيء اللافت في مجتمعاتنا أن القابلية موجودة والاستعدادات هي أكثر من جيدة، اللهم إلا أن يكون المتكلم والداعية ممن يبلّغون. أما الناس فهم على درجة من الجهوزية لتقبل الأحكام الإلهية حتى لو كانت مكْلِفة بعض الشيء، وأني أعتقد اعتقاداً جازماً لو أن كل امرئ قام بواجبه على أكمل وجه لما كنا وصلنا إلى حالاتنا وأوضاعنا وثقافاتنا التي هي مزيج من الثقافات الأجنبية التي تغزونا عبر شاشات التلفزة والسينما والصحف والمجلات.

وإننا هنا نسأل كل إنسان افترض نفسه عالماً أو مثقفاً.. ماذا فعلت أنت أمام الانهيار الأخلاقي الكبير؟ وماذا صنعت لشبابنا وفتياتنا ولهذا الجيل القادم؟ هل أمرت بمعروف ونهيت عن منكر ولو لجيرانك وأقربائك؟
أم أنك عندما ترى منكراً تغمض عينيك متمتماً بعبارات الاستغفار ولا تقوم بأي شيء حيال المنكر الذي شاهدت؟
وهل يكفي عندما تجمعك الصدف والظروف بامرأة غير محجبة أن تنفخ هواء فمك وتعبس مستنكراً ساباً الأهل وشاتماً المجتمع دون أن تتحدث معها بأهمية الحجاب وفضل الستر والعفاف؟

وهل يمكن للاستغفار هذا أن يشفع لك عند الله أم أن الاستغفار المطلوب هو استغفار الاستنفار لتأدية الواجب فلربما ابتليت المخلوقة هذه بوالدٍ مستهتر وبوالدة متساهلة ومحيط لا يرحم..
فلماذا لا تناقشها بأسلوب هادئ مع مراعاة غض البصر بالطبع؟ ولماذا يملك الكثير من مثيلات اللامحجبة معطيات تدين الملتزمين في كثير من الحالات، كأن تقول واحدة: تعقّدت من الدين بسبب أخلاق فلان السيئة حينما كان يهمّ بضربي لحجة أني سافرة و..؟ وعندما تتوغل في البحث والمحاورة تخرج معك بنتيجة، أن لا أحد تحدّث معها بهذا الأسلوب الذي يحترمها ويوقّرها، وإني شخصياً عندما كنت في بداية تكليفي ذهبت إلى أحد المساجد فوجدت مبلّغاً يتحدث باسم الإسلام بأسلوب لا يخلو من القساوة، وأتذكر أني يومها خرجت بقناعة تقول: إني لا أستطيع الالتزام بهذا الدين لأنه صعب ولا يمكن لأمثالي أن يحمله ويتحمّل صعوباته.
ومن حسن الصدف وتوفيق الرعاية الإلهية أني تابعت البحث في أمره فتبين لي أن ذاك الإنسان لم يستطع ولم يوفّق في إعطاء صورة عن الدين كما هو لا كما هو شخصه.
أقول هذا متأسفاً على ضحايا من افترضوا أنفسهم دعاة وما أكثرهم، دون أن أبرّر للضحايا أفعالهم لأنتقل إلى الرجاء والدعوة التي أسأل الله لها أن تكون خالصة.

فالأمانة كبيرة فتعالوا نعمل لها مخلصين، دون أن ندقِّق كثيراً ماذا سيقول الناس عنا بعد أن نضمن رضا الله، مع الحفاظ على عدم الدخول في ما يجعلنا في مورد الشبهة، وتعالوا نأخذ على أنفسنا تعليم الجاهلين وإصلاح الفاسدين، فالأمة بخير وهي جاهزة وحاضرة لأن تكون أفضل وأزكى وأخلص، فلماذا لا نعاهد ربنا أن نبقى دائماً حاملين لراية الدعوة بعيداً عن الضجيج والضوضاء، ندخل قلوب الناس قبل أن ندخل بيوتهم، وننتشر كما هو انتشار الطبيب الدوار بطبه كما يصف الأمير عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "طبيب دوَّار بطبَه قد أحكم مراهمه وأحمى مياسمه" وليكن لنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم الأسوة الحسنة على صعيد تبليغ الرسالة لا على الطريقة التي تشبه إلى حد كبير طريقة التجارة لصاحب المحل أو الحانوت والتي تحرم من الاستفادة من ذاك المكان كل من لم يتشرّف بالذهاب إليه.

فكل ما في دنيانا يصرخ بوجه المقصِّرين المتوانين عن أداء الواجب، وظلمات الجهل تهمس بآذاننا شاكية خطورة الجهل المتلبّس بلبوس الثقافة والتمدن.
والستر الذي فرضه الله يشكو قلة الملتزمين به، والصلاة والصيام والحج والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كلّ يشكو من موقعه، فأين الحماة والجنود والدعاة؟ وأين مواقعهم من كل تلك العناوين؟ وإلى موعد آخر بإذن الله والسلام.


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع