وتستمرُّ حكاية "لقاء الحبيب" بعوائل الشهداء المدافعين عن الحرم. لقاءٌ تُظلِّله
المحبّة الأبويّة وتشعُّ فيه أنوار المودّة، وتعبق في المكان رائحة الولاية. وفي
هذا الجزء من الحكاية، بعضٌ من لقاء سماحة الإمام القائد الخامنئيّ دام ظله بتلك
العوائل.
* عائلة الشهيدَين مجيد ومحمود مختاربند
اللقاء الأوّل كان مع عائلة الشهيدَين مجيد ومحمود مختاربند. استشهد "مجيد" في
الحرب المفروضة(1) واستشهد "محمود" في سوريا.
جُهِّزت للقائد دام ظله ورقة لكلّ عائلة شهيد، تتضمّن اسم الشهيد وصورته ومعلومات
عن والدَيه وزوجته وأولاده، وقد ذُكر فيها أيضاً أقارب الشهيد الحاضرون.
* فداكَ يا سيّدي
يبدأ السيّد دام ظله حديثه سائلاً والد الشهيدين:
- السيّد "كاظم مختاربند"! هل أنتم في خوزستان أم في قم؟
فيجيب: نُقيم حاليّاً في شوشتر.
يلاطف السيّد والد الشهيدين ويسأله عن أحواله وأوضاعه، ثم يقرأ عن الورقة:
- السيّدة "زهراء معظمي"، والدة الشهيدين الغالية، أحوالك جيّدة إن شاء الله؟
تبدأ السيّدة بالحديث فتقول إنّها قدّمت شهيداً في الحرب المفروضة وشهيداً آخر في
الحرب الحالية، وإنّ أحد أبنائها بقي أسيراً في العراق مدّة ثماني سنوات.
يدعو السيّد لها قائلاً:
- جعلكم الله من أعوان إمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف وأنصاره الخُلَّص
بحقّ محمّد وآل محمّد.
تتابع الوالدة كلامها:
- لديَّ ولدان آخران وهما فداكَ يا سيّدي!
- لا؛ بل حفظهما الله لكِ.
* لقاؤك توفيقٌ لنا
يصل الدور إلى زوجة الشهيد. يقرأ السيّد عن الورقة:
- السيّدة "منيرة أفخمي" زوجة الشهيد "مجيد مختاربند" المحترمة. حالتك جيدة إن شاء
الله؟
- كان توفيقاً لنا، يا سيّدي، أن نأتي ونكون في خدمتكم.
- بل هو توفيق لنا أن نتشرّف بخدمتكم.
-هذا من عظمتكم.
* أوصِني لأكون نافعةً للبلاد
- السيّدة "طيّبة مختاربند"، ابنة "مجيد مختاربند"؛ سلام عليك يا سيدتي، حالتك
جيّدة إن شاء الله؟
كانت أسماء أبناء الشهداء مكتوبة بترتيب أعمارهم. يقول الابن الأكبر للشهيد "مجيد
مختاربند" إنّ لديه أربعة أبناء:
- ابنتي ذات الأعوام الخمسة عشر كانت تودُّ لقاءك كثيراً. طلبت منّي أنْ أسألك عمّا
ينبغي لها القيام به لتكون نافعة لبلدها.
وهنا ينظر الجميع إلى السيّد بعناية وانتباه:
- فلتدرس جيداً، ولتقوِّ روحيّة شهادة جدِّها في نفسها. إنّهن غداً لبُؤات
مستقبل البلاد الباسلات، البلاد تحتاج إليهنّ، فلتبنِ نفسها.
بعد أن تفقّد السيّد أحوال باقي أبناء الشهيد "مجيد مختاربند"، سأل إن كان للشهيد
"محمود" أبناء. فيجيب الأهل: "إنّه لم يكن قد تزوّج بعد". وكعادته، يقدِّم السيّد
مصحفاً هديةً للوالدين ومصحفاً لزوجة الشهيد.
تقترب بنات عائلة "مختاربند" لأخذ الهدايا التذكارية، ويقبّلن عباءة السيّد.
* أيّتها الزوجات الشابّات
وسط هذا الازدحام، تنهض كِنّة الشهيد "مختاربند" وتسأل السيّد: "أنا ماذا أفعل؟ ما
هو واجبي؟ أنا أتابع دراستي وليس لديّ أولاد حتّى الآن".
بمجرَّد طرحها للسؤال يجيب السيّد بأسلوب بالغ الجدية وبسرعة:
أولاً: أنجبوا أولاداً، أولئك الذين يؤخّرون الإنجاب في بداية زواجهم
ويكرّرون دوماً: "لا زال الوقت باكراً"، هم جاحدون بنعمة الله وقليلو الشكر، وليوشك
أن يعطي الله لهم درساً قاسياً!
تقول الكنّة: أنا لا أزال أتابع درسي حاليّاً!
- فليكن، لا مشكلة. إنّني أعرف أشخاصاً كان لديهم أربعة أولاد وقد درسوا وتابعوا
كلّ مراحل الإجازة والماجستير والدكتوراه.
ثانياً: تابعوا دراستكم.
ثالثاً: اجعلوا حياتكم أجمل وأحلى. يحفظكم الله.
* أفضل دعاء: زوجٌ صالح!
أصبحت أجواء اللقاء أكثر حميميةً. تسأل أخت الشهيدَين السيّد:
لديّ ابنتان توأمان، كانتا ترغبان كثيراً في رؤيتكم، لديهما امتحانات رسميّة هذه
السنة، وطلبتا منّي أن تدعو لهما.
- إن شاء الله يرزقهما زوجَين صالحَين، ويكون زفافهما في عرس واحد، هذا أفضل دعاء!
بعد تقديم الهدايا لعائلة الشهيدين مختاربند، يصل دور العائلة التالية.
* عائلة الشهيدَين "فرشاد وفرامرز حصوني زاده"
عائلة الشهيدَين "فرشاد وفرامرز حصوني زاده" من الأهواز. الشهيد "فرامرز" استُشهد
في الحرب المفروضة. والد الشهيدَين العزيز قد فارق الدنيا، ووالدتهما مريضة في
المشفى ولم تتمكن من المجيء.
في البداية يسأل السيّد السيّدة "زينت الموالي" زوجة الشهيد "فرشاد": حضرتك، كيف
حالكِ؟ بخير؟ كم كان عمر الشهيد حينما استُشهد؟
بعد السلام والكلام، تقول إنّه كان في التاسعة والأربعين، وقد شارك في الحرب
المفروضة أيضاً.
- السيدة "زهرا حصوني زاده"، ابنة الشهيد الغالية، ماذا تفعلين حاليّاً؟
- أنا ربّة منزل وأقوم بتربية الأولاد، يا سيّدي.
- ما شاء الله أحسنتِ! هذا جيّد جدّاً.
- وأتابع دراستي كذلك، يا سيّدي.
- لاحظوا إذاً! يمكن للإنسان أن يدرس ويربّي أولاده أيضاً. وهذه شاهدة وشهادة
حيّة على كلامنا!
قال السيّد هذا وهو يحدّق في الأرض، ويشير بيده إلى النساء الحاضرات في اللِّقاء.
* تولَّوا مقام الأُبُوّة لنا
- السيد "نادر حصوني زاده"، ابن الشهيد، حالتك جيدة يا سيّدي العزيز؟ يسأل السيّد.
ومن ثم يسأل الابن الآخر:
- وماذا تفعل حاليّاً؟
- حاليّاً عاطل عن العمل.
- عاطل عن العمل! لماذا؟ لا يمكن القعود هكذا دون عمل!
- إن شاء الله بمساعدتكم ومساعدة الباقين أجد عملاً، تولَّوا أنتم مقام الأُبُوّة
لنا.
- إن شاء الله يشملكم بظلال لطفه وفضله. من نحن؟ نحن لسنا بأحد يُذكر.
أراد القائد، بكلامه، أن يعلِّم ابن الشهيد أن يطلب حاجاته من الله فقط وليس من
غيره، وأنّه ينبغي له ألّا يبقى في انتظار ما سيقوم به الآخرون.
تمضي دقائق، فيقوم السيّد بإهداء مصحفٍ للأمّ الغائبة قائلاً: "بلِّغوها سلامي"،
ومصحف آخر لزوجة الشهيد، وهدايا تذكارية للأبناء. يتقدّم الأولاد من القائد لتقرَّ
أعينهم به. طلب أقارب الشهداء الآخرون بدورهم خاتم السيِّد أو كوفيّته كتذكارٍ لهم
منه، فيقدِّمها السيّد لهم جميعاً بكل لطف.
(*) من لقائه دام ظله جمعاً من عوائل الشهداء المدافعين عن الحرم
(5-12-2016م).
1.الحرب المفروضة: تعبير عن الحرب التي فرضها نظام صدّام حسين على العراقيين وعلى
الجمهورية الإسلامية في إيران، وقد امتدّت لسنوات.