مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

كم حاولوا قتل الحســيـن عليه السلام!




من كلام السيدة زينب عليها السلام للإمام زين العابدين عليه السلام: "وينصبون لهذا الطفّ علماً لقبر أبيك سيّد الشهداء عليه السلام لا يُدرَس أثره، ولا يعفو رسمه على كرور الليالي والأيام، وليجتهدنّ أئمّة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه، فلا يزداد أثره إلّا ظهوراً وأمره إلّا علّواً"(1).

عند زيارتك مشهد الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء، تتملّكك هيبة المكان، وتألّقه وجماله، خافضاً رأسك أمام جلاله. وقد يسافر خيالك إلى البعيد لتتداعى إليك صور عام 61هـ، حيث بقي الجسد الطاهر غريباً دون غسل أو كفن ثلاثة أيام، ولكنّه الآن محطّ قلوب ملايين العشّاق في أربعينه.

بين الأمس البعيد واليوم، بين غربته وتجمّع القلوب عند عتبته حديث ذو شجون، فهل تصدّق أنّ ذاك الضريح المقدّس كان هدفاً للظالمين لطالما تمّ تدميره على أيديهم، لتقوم بإعادة تشييده ولاية المحبين؟ يهمس التاريخ بأنّ إحدى عشرة جريمة نهب وتدمير شهدتها تلك الحضرة المقدسة، سيتحدث هذا المقال عن بعضها.

* كربلاء مدينة استراتيجيّة
هناك عنصران يجعلان كربلاء في غاية الأهميّة:
الأول: وضعها الجغرافيّ، فقد قامت كربلاء بالدور نفسه الذي لعبته بغداد التي كانت تعدّ معبراً للرحلات الواقعة بين الدولة العثمانية والممالك الغربية، كما تمرّ بها الطرق التجارية التي تربط بين البصرة وبغداد، مضافاً إلى أهميّتها بالنسبة إلى النقل النهريّ الذي زادت أهميّته في القرن التاسع عشر(2).

الثاني: العنصر الدينيّ، فكربلاء أحد أماكن الزيارة المقدّسة والمسمّاة (العتبات المقدّسة) عند الشيعة. فقد استشهد الإمام الحسين بن علي عليهما السلام في كربلاء في 10 محرّم عام 61هـ ‍ (680م) ودُفن في الحائر، وعُرف المكان الذي دفن فيه باسم ضريح الحسين عليه السلام. وبعدها بفترة قصيرة أصبح هذا المكان مزاراً مشهوراً ومقاماً مقدّساً عند الشيعة. وأحد أسباب كثرة زيارة الشيعة لهذا المكان وفرة الروايات التي وردت عن الإمام زين العابدين والإمام محمد الباقر، والإمام جعفر الصادق عليهم السلام، التي لفتت إلى مشروعيّة وفضائل زيارة ضريح الإمام الحسين عليه السلام.

* من جرائم التدمير للضريح المقدّس

لم تصبح كربلاء مدينة إسلامية كبرى بالرغم من الامتداد الشيعيّ الموجود فيها، إلّا أن معظم من حكم تلك المنطقة كان يُعطي أهميّة كبرى للسيطرة عليها بسبب أهميّتها الدينيّة والجغرافيّة، ووصل الأمر ببعضهم إلى التنكيل بها، وقد اختلفت الأساليب والسبب واحد. وفي ما يلي عرض لحوادث التدمير:

1- المتوكّل العبّاسي:

أمر المتوكّل العباسيّ بهدم ضريح الإمام الحسين عليه السلام سنة 236هـ، وهدم الأبنية الموجودة حوله، وحوّل كل تلك الأراضي إلى حقول، معلناً أنّه سيعاقب كلّ من يأتي لزيارة المكان، ولكنّ هذا التحذير الذي أعلنه المتوكّل لم يكن مؤثّراً على الزوّار الذين استمرّوا بالوفود. ثمّ بُني الضريح والأبنية المجاورة له من جديد وفُتح للزيارة مرة أخرى. ويُفهم مما أورده ابن حوقل (977م) "أنّ المكان في هذا التاريخ كان فيه قبر مقبّب به باب ومدخل من كلّ جوانبه، وكان كثير من الزوّار يأتون لزيارته"(3).

ومما قيل في إجرام المتوكّل بحقّ الضريح الحسيني:

باللهِ إنْ كانت أمية قد أتت

قتل ابن بنتِ نبيها مظلوما

فلقد أتاهُ بنو أبيهِ بمثلهِ

 هذا لعمري قبرهُ مهدوما

أسفوا على أنْ لا يكونوا شاركوا

 في قتلهِ فتتبّعوهُ رميما!!


2- دعبة الأسدي:

في عام 979م أتى إلى المدينة دعبة بن محمد الأسدي زعيم بعض عشائر عين التمرة، وخرّب المكان، ونَهَب الأشياء القيّمة الموجودة فيه، وعاد إلى الصحراء مرة أخرى. حتّى تمّ أمر سلطان الدولة البويهيّة بتعمير المكان مرّة أخرى. وقد ذكر ابن بطوطة الذي زار كربلاء عام 1326م، أنّها موجودة وسط بساتين النخل، وأنّها تُروى من مياه نهر الفرات، وأنّ ضريح الإمام الحسين عليه السلام يتوسّط المدينة، وبجواره مدرسة وزاوية لإقامة الزوار(4).

3- الوهابيّون والحقد على كربلاء:

من أهمّ الأحداث التي وقعت في كربلاء في عهد المماليك هو دخول الوهابيين إلى العتبات وهجومهم بشدّة على كربلاء.

لقد كانت أفكار محمّد بن عبد الوهاب (زعيم الوهابيّين) مخالفة لكثير من أفكار الشيعة والسنّة على السواء، لدرجة أنّهم كانوا يُنفّرون من المذاهب الأخرى بسبب تلك الفروق الموجودة بينهم، فقد كان الوهابيّون يقولون بدعة، ومرتكبها مُلحد! وبطبيعة الحال كانت طقوس وأفكار الشيعة الموجودين في كربلاء والنجف مخالفة تماماً لأفكار الوهابيين، الأمر الذي جعلهم يُصدرون عليهم حكماً بأنّهم مرتدّون، وأنّ أرواحهم وأموالهم حلال، والواضح أنّ السبب الرئيس حينها كان العامل الاقتصاديّ، فقد كان الوهابيّون ينهبون قوافل الحجّ القادمة من بغداد إلى نجد، وكان هذا النهب عبارة عن نشاط له أهداف اقتصادية يتمّ تحت ستار الدين.

أ- قطّاع طرق بذرائع دينيّة:
وقع أوّل هجوم وهابيّ عندما حدث صِدام بين عشيرة "خزاعل" التي تعيش في نواحي هنديّة في العراق وبين الوهابيين من أتباع ابن سعود، الذين كانوا يتّجهون إلى النجف بهدف التجارة، وبعد أن باعوا بضاعتهم في بغداد عرّجوا على النجف، فشاهد الوهابيّون شيخ عشيرة الخزاعل وهو يُقبّل المرقد العلويّ الشريف فهجموا عليه وقتلوه، وإذ ذاك نشبت معركة دامية بين الوهابيين و"الخزاعل"، وقُتل فيها الكثير من الطرفين(5). وقد سعى الوهابيّون بكلّ ما أوتوا من قوّة لاستخدام تلك الحادثة التي تسبّبوا بها حجةً لمكاسب لهم، فطلبوا من الدولة العثمانية أن تمنحهم المنطقة الشامية الممتدّة من مقاطعة "عنّة" حتّى البصرة، وذلك تعويضاً عمّا حدث لهم في النجف. وكان هذا الطلب يعبّر بشكل واضح عن نيّة الوهابيّين في الهجوم. وفي النهاية قاموا بالهجوم على ديار عشائر "المنتفق" الواقعة جنوب العراق عام 1799م، وفي عام 1801م هجموا على "قصبات" "النجف" و"كبيسة" و"عَنَة"(6).

ب- أعنف هجـــوم علـــى كربلاء:
أمّا أعنف هجوم قام به الوهابيون فقد كان على كربلاء في (20 نيسان من العام 1801م)؛ وذلك لأنّهم لم يتمكّنوا من شنّه على النجف بسبب قوّة استحكامها، وفي البداية قام الوهابيون بتخريب مشهد الإمام الحسين عليه السلام الذي كانوا ينظرون إليه على أنّه بدعة، ثم نهبوا كلّ الأشياء القيّمة الموجودة داخله، وانسحبوا بعد ذلك إلى الدرعيّة، بعدما قتلوا في هذا الهجوم ما يقرُب من خمسة آلاف شخص، وأسروا الكثير من الأهالي(7).

* النهب والتخريب
وتصف الكتب فِعلهم يومها، الذي صادف فيه عيد الغدير، بأنّهم دخلوا كربلاء على حين غرّة، وكان معظم سكانها يزورون مدينة النجف الأشرف لإحياء المناسبة، وعند دخول المهاجمين الوهابيين المدينة تعالت أصواتهم: "اقتلوا المشركين"!!

فقتلوا كلّ من كانوا يلقونه في طريقهم من الشيوخ والنساء والأطفال، ثم شقّوا طريقهم إلى الأضرحة المقدّسة، فخرّبوها وهدّموا القبّة التي تقع فوق ضريح الإمام الحسين عليه السلام، واقتلعوا القضبان المعدنيّة والسياج ثم المرايا الجسيمة وهدّوا أجزاء من القبر الشريف ونهبوا الأغراض الثمينة من هدايا الباشاوات والأمراء وملوك الفرس، وحرقوا الكتب والمصاحف، وقلعوا الذهب من السقوف والأبواب المرصّعة، وقَتلوا قرابة الخمسين شخصاً بالقرب من ضريح الحسين عليه السلام، وخمسمائة أيضاً خارج الضريح في الصحن، وعندما انتهوا، دقّوا القهوة في الرواق الحسينيّ الشريف ابتهاجاً بغنائمهم، أمّا البلدة نفسها فقد عاث الغزاة المستوحشون فيها فساداً وتخريباً. واختلف المؤرّخون بتقدير الضحايا التي فاقت الخمسة آلاف نسمة وقدّرها بعضهم بثمانية آلاف. وقد وصف ياسين العَمري ما حلّ في المدينة من تخريب بقوله: "لم يبقَ من بيوتها إلّا دار واحدة كانت محصّنة بالبناء الشامخ واجتمع فيها نحو خمسين رجلاً وجعلوا يضربون بالبنادق وقتلوا من الوهابيين عدداً كبيراً"(8).

وذكر القنصل الفرنسيّ في بغداد "روسو" في رحلته، معلومات تفصيلية عن الآراء الدينية والحياة الاجتماعية للوهابيين، وقد وصف حدثاً وقع أثناء هجوم الوهابيين على كربلاء في عام 1801م، يقول: "كانوا متعطّشين إلى سفك الدماء والسلب ولم يرحموا أحداً، وذبحوا كلّ من سقط في أيديهم، وكانوا يدخلون المنازل، بعد ذبح الرجال، وسلب ونهب ما [يجدونه]، يأمرون النساء بخلع حليِّهن، وكانوا ينحون وجوههم إلى الناحية الأخرى كي لا يروا النساء، ثم يأخذون الحليِّ ويذهبون". وقد عبّر روسو عن دهشته من هذا الأمر قائلاً: "لا أعرف كيف تآلف هذا العقل مع تلك الطبيعة الوحشيّة؟"(9).

* توالي الهجمات
توالت هجمات الوهابيين على كربلاء، وقاموا بها تخريباً ونهباً، تحت ذرائع ودون ذرائع. ومن الجدير بالذكر أنّ المرقد العلويّ ومراقد باقي الأئمة عليهم السلام قد تعرّضت أيضاً للهجوم في فترات ظهور الوهابيّة، لكن المرقد الحسينيّ كان أكثرها تعرّضاً.

ويتّضح من جرائم النهب تلك، أنّ المراقد التي اعتبرها الوهابيّون بدعة، لم يحكموا على بطلان تحفها وأموال نذورتها وأوقافها، فتصرفوا كقطاع طرق، لكن وضعوا لثام الدّين وغطّوا به وجوههم كذباً. ربّما اليوم بات يعرف الناس أنّ ذاك اللثام كذبة لا أكثر.

وما زال الحسين عليه السلام يُسمع الصمّ نداء الحقّ، ويُبصر الأعمى، إلا أن لروّاد الباطل صَمماً وعمىً من نوع آخر، يدفعهم لملاحقة ذاك الظلّ النوراني للحسين عليه السلام على الأرض، وإن نجحوا في تخريب مشهده، يستحيل أن يدّمروا مكانه في قلوب نبتت على اسمه، كما قال الشاعر:

ـن بشـرق أرضٍ أو بغربِ

لا تطلبوا رأس الحسيـ

نحوي، فمشهده بقلبي

ودعوا الجميع وعرّجوا


1.كامل الزيارات، ابن قولويه، ص266.
2.يراجع: كربلاء في الأرشيف العثماني (دراسة وثائقية)، دِيلك قايا، ص22-23.
3.(م.ن)، ص25.
4.(م.ن)، ص24-25.
5.غرائب الأثر في حوادث ربع القرن الثالث عشر، ياسين العمري، ص13.
6.كربلاء في الأرشيف العثماني، (م.س)، ص35.
7.(م.ن)، ص36.
8.غرائب الأثر، (م.س)، ص42.
9.كربــلاء في الأرشيــف العثمانـــي، (م.س)، (هامــش)، ص36.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع