تحقيق: نانسي عمر
أصبحت ظاهرة الخادمات في المنازل أمراً ملحوظاً في مختلف المناطق اللبنانية، وخاصة في المدن، حيث اعتدنا رؤية الخادمة ترافق العائلة في السيارة وإلى المطعم والرحلات.. حتى أنها صارت هي من يستقبل ضيوف المنزل ويقوم بواجب الضيافة. تتنوع أسباب استقدام الخادمة إلى المنزل بين عائلة وأخرى، ولكن ما يجمعها هو الإقرار بعدم إمكانية الاستغناء عنها حتى بعد انتهاء عقد عملها، ولو اضطروا إلى استقدام غيرها.
في هذا التحقيق، سنتعرض للأسباب الرئيسة والمتنوعة التي تدفع العائلة نحو خيار استقدام خادمة إلى المنزل، تشاركهم حياتهم اليومية، وتصبح فرداً من أفراد العائلة.
* زوجة عاملة
تجيب السيدة مريم (40 عاماً) عند سؤالنا عن سبب وجود الخادمة في منزلها بالقول: "بعد أن كبر أولادي وانشغلوا عني بالدراسة والأصدقاء، وجدت أن الوقت قد حان للعودة إلى العمل”. وتضيف: "أحياناً، أضطر للبقاء في العمل حتى المساء، لذا وجدت أن الخادمة هي الحل الأنسب لوضعي، فهي تقوم عني بالأعمال المنزلية كلها، فلا يتبقى لي سوى تحضير الطعام”.
* جسدٌ ضعيف
مشكلة أم هادي (أم لثلاثة أبناء) تتعلق بالتّعب الجسدي الذي حلّ بها فجأة، ومنعها من مزاولة واجباتها المنزلية بالشكل المطلوب، وتعلّق: "لم أكن أريد أن يدخل شخص غريب ليعيش معنا، ولكن الطبيب منعني من القيام بأي عمل متعب، أو حمل أوزان ثقيلة، لأنني أعاني من "ديسك" في رقبتي وظهري، لذا أصرَّ زوجي على إحضار خادمة تساعدني في الأعمال المنزلية. ولكنني اليوم أشعر بالراحة لوجودها، لأنني لم أعد قادرة على القيام بواجباتي بشكل طبيعي”.
* ضيوفٌ كثر
تصف السيدة رانيا (35 عاماً) سبب وجود الخادمة في بيتها بكلمتين: "بيتي مفتوح”. ثم تضيف:
"بيتي لا يخلو من الضيوف، فزوجي صاحب علاقات واسعة، ويحب أن يستضيف الأصدقاء والأقارب إلى موائد الطعام. لقد تعبت من القيام بواجبات الضيافة، فلطالما اضطررت إلى تأجيل خروجي من المنزل للتسوق أو لزيارة الأهل أو الأقارب بسبب ضيوف زوجي. أما الآن فالخادمة تحل مكاني، وأنا أمارس حياتي الطبيعية”.
* ضيفٌ دائم
تختلف حكاية السيدة نجوى مع الخادمة عن غيرها، فهي تعيد سبب وجودها إلى حفيدها ابن السنة ونصف، الذي يحلّ ضيفاً مياوماً في منزلها، حيث إن ابنتها تعمل في إحدى المدارس. تقول السيدة نجوى: "لم أرد لحفيدي الأول أن يتربى، تحت إشراف الخادمة أو المربية، فأنا قادرة على الاهتمام به بشكل أفضل. الخادمة تقوم بالأعمال المنزلية، وأنا أجلس مع حفيدي وأهتم بكافة أموره لحين عودة والدته من العمل. أنا لا أثق بالحضانات ولا أحبها”.
* بريستيج
يعتبر وجود الخادمة مهماً عند بعض الناس لكونه فقط جزءاً من "بريستيج" أو مظهر اجتماعي، حتى لو لم يكن بحاجة ماسة إليها، فمثلها كمثل السيارة الفخمة أو اللباس وفق الموضة أو الحذاء الثمين. وهؤلاء لا يعودون قادرين على استقبال ضيوفهم بأنفسهم، أو الخروج في السيارة دون خادمة تجلس في المقعد الخلفي، أو جرّ العربة في السوبر ماركت أو اصطحاب الولد إلى المدرسة أو النزهة، بل بات كل هذا من واجبات الخادمة، حتى ولو لم يكن الوالدان مشغولين بأعمال أهمّ من ذلك.
* دورٌ إيجابيٌّ
تقدم الخادمة للمنزل والأسرة مساعدة كبيرة تتجلّى بشكل رئيس في التخفيف من أعباء الأعمال المنزليّة، عن كاهل الزوجة. ومن جهة أخرى، يساعد وجود الخادمة على توفير وقت لسيدة المنزل للعناية بنفسها وزوجها وأولادها، في الوقت الذي كانت ستمضيه في الواجبات المنزليّة. ويعتبر بعض الباحثين أنّ من إيجابيّات استقدام الخدم نشر الثقافة الإسلاميّة والعادات والقيم التي يتربّى عليها مجتمعنا، ونقلها إلى البلدان والثّقافات الأخرى. وهذا يساهم في تغيير الأفكار الخاطئة التي يزرعها الغرب في أذهان شعوب العالم، حول الشرقيّين عموماً، والمسلمين بشكل خاصّ. وفي هذا الصدد يروى عن فضّة خادمة السيدة الزهراء عليها السلام أنها كانت لا تتكلّم إلا بالقرآن لما تعلمته من الزهراء عليها السلام في الفترة التي قضتها في منزل أمير المؤمنين علي عليه السلام.
* بديلة الأم والزوجة
يبقى سؤال يحيّر بعض الناس: "هل تحلّ الخادمة محلّ الأم أو الزوجة في المنزل كونها تقوم بمعظم واجباتهما؟”. تجيب السّيدة أم محمد (أم لأربعة أطفال): "رغم وجود الخادمة منذ وقت طويل في منزلي، إلّا أنني لا زلت أقوم بواجباتي كأم وكزوجة. أنا استيقظ كل يوم مع أطفالي وأحضر لهم طعام الفطور و"الزوادة" التي يأخذونها معهم. كما أنني أسعد كثيراً بتحضير القهوة أو العصير لزوجي، ولا أسمح للخادمة بالقيام بذلك حتى لا يشعر زوجي أو أولادي بأنني أقصّر بواجباتي تجاههم، أو أنَّ الخادمة أخذت دوري في الاهتمام بهم”.
وتعلق السيدة ماري (أم لابنتين) بالقول: "أنا ضد ترك الطفل الصغير مع الخادمة، فأنا مسؤولة عن تربيته حتى يكبر، ويستغني عني ـ على الأقل ـ في حاجاته الأساسية. وأنا لم أحضر الخادمة إلا بعد أن دخلت ابنتي الكبرى الجامعة، والأخرى الثانوية، لأن الولد في هذه المرحلة يصبح واعياً وليس في حاجة إلى متابعة مستمرة من قبل والدته”.
* وجود الأم ضرورة للنمو السليم
للدكتورة "دولة خضر خنافر" (أستاذة جامعية وباحثة اجتماعية) رأي حول هذا الموضوع، مفاده أن أسباب انتشار ظاهرة عاملات المنازل قد تكون مقبولة على اختلافها، ولكن ما لا يعد مقبولاً هو حلول الخادمة محل الأم في تربية الأطفال. وتعلّل الدكتورة رأيها بأنّ الخادمة لا يمكن أن تعوّض الطفل عن حاجته لأمه، خاصة وأنها تتبدّل كل سنتين أو أكثر؛ ما يزعزع أمن الطّفل واستقراره وتوازنه.
* غريبة عند غرباء
وتضيف "د. خنافر": "تقوم الخادمة اليوم بدور الأم وهي غير مؤهلة لذلك، فما تحمله من عادات وتقاليد وثقافة يتناقض ومجتمعنا. والطفولة كما نعلم مرحلة حاسمة في بناء الشخصية المستقبليّة للطفل، ولا يمكننا أن نتجاهل أن معظم الخادمات إما أميّات أو ذوات ثقافة محدودة، والخادمة لا تتحدث بلغة الطفل، وإن تحدثت فبشكل مشوّه ومكسّر، وهذا لا يساعد الطفل على النموّ والتحدث بشكل سليم”.
وتتابع "د. خنافر": "إن ابتعاد الخادمة عن بلادها وأهلها، أو زوجها وأولادها فيما لو كانت متزوجة، يؤثر سلباً على حالتها النفسية والسلوكية، فهي تفتقد الأمن النّفسي والسّعادة الأسرية، كما أن تكيّفها وتأقلمها مع المجتمع الجديد لا يكون سهلاً ابداً، فهي غريبة عند غرباء. لذلك تُقدم الكثير من الخادمات على الانتحار أو ارتكاب الجرائم، خاصة عند العائلات التي تُسيء معاملتها وتهينها وتتجاهل حقوقها كإنسانة”.
* الخادمة مساعدة ليس أكثر
وتعتبر الدكتورة "دولة خنافر" أن الاستغلال وسوء المعاملة وحجب الراتب وسوء ظروف العمل وانتهاك الكرامة الإنسانية، كلها تعدّ انتهاكاً لحقوق عاملات المنازل وتودي إلى نتائج لا تحمد عقباها. ومع ذلك لا توجد قوانين تحمي الخادمات، وكأننا في زمن الرق والاستعباد، وهذا ما يسيء إلى سمعة بلدنا ومجتمعنا في الخارج.
وتمنت الدكتورة "خنافر" على السلطات اللبنانية أن تحدد حقوقاً واضحة لعاملات المنازل، وأن توفر لهن القدرة على الدفاع عن تلك الحقوق، من السكن اللائق وتحديد ساعات العمل، إلى احترامها ومنع إهانتها أو ضربها.
ومن الدكتورة نصيحة أخيرة لكل ربة منزل لديها خادمة أو ترغب في استقدام خادمة: "لا يمكن ولا يجوز للخادمة أن تحل محلك وتأخذ مكانك، فهي مساعدة لك في أعمال المنزل ليس أكثر. ولا يجب أن تصبح أماً بديلة لأطفالك، فأنت المسؤولة عن تربيتهم وتشكيل شــخصياتهم وتـنشـئـتهم التنشئة الاجتماعيّة السويّة والسليمة، ولا يمكن لأيّ كان أن يكون مؤهلاً للقيام بهذا الدور كما أنت مؤهلة له”.