هلا ضاهر
فتح الباب بعنف، وصاح بمن معه: هيّا فتّشوا في كلّ مكان...
أعطى أوامره ثمّ وقف أمام البوّابة يراقب كلّ حركة، ويتفحّص بعينيه. إنّه منزل صغير
يعود تاريخ إنشائه إلى الزمن القديم، أمامه باحة صغيرة يتوسّطها حوض ماء حجريّ،
حوله أحواض كثيرة من النعناع والحبق والورود المتنوّعة، وله حديقة خلفيّة حجبتها عن
نظره الأشجار العتيقة.
دقائق معدودة وامتثل الجنود أمامه:
- سيدي... فتّشنا في كلّ مكان لم نجد "هادي"، ولم نعثر على أيّ قطعة سلاح!
- قف هنا، وراقب جيّداً ريثما أتحقّق بنفسي.
سار إلى الداخل بقلق لعلّ "هادي" يختبئ في مكان ما، وهم كعادتهم أغبياء. اعتقدوا
أنّه غير موجود، مشى على أطراف قدميه حذراً من أن يصدر منه أيّ صوت. وجد نفسه في
الصالة وفتح جميع الأبواب في الداخل واحداً بعد الآخر. كان الباب الأول الحمام
والثاني خزانة خاصة للأسرَّة والوسادات والبسط، والثالث باب غرفة النوم، أمّا
الرابع فباب المطبخ...
بدأ يفتّش عن أيّ أثر، فوجد في وسط المطبخ طاولة مستديرة، ولكنّه لم يجد شيئاً
فوقها. نظر خلف الباب وفتح كلّ الأدراج وأفرغ محتوياتها على الأرض، وكرّر الأمر، لا
يوجد شيء غير تقليدي. شدَّ انتباهه باب زجاجيّ يوصل إلى الحديقة الخلفيّة للمنزل.
نظر من خلاله فرأى امرأة مسنّة ناهزت الستين عاماً، تعمل في حوض الزراعة. راقبها
جيّداً وهي تزرع شتلات صغيرة من البندورة، وفي الحال هبط السلّم المؤدّي إليها،
بهدوء وخفّة ووقف قربها، عند ذلك انتصبت واستدارت إليه ووقفت تنظر إليه، وجدت رجلاً
غليظ الصفات، قصير القامة، باهت الملامح. بدت في حيرة منتظرة منه أن يتكلّم، وأخيراً
سألته: ماذا تفعل في هذا المنزل؟ وكيف دخلت إلى هنا؟! كيف تجرؤ؟!
قاطعها بغضب: "هادي" أين "هادي"؟
عند ذلك بدت علامات الفَهم على وجهها، ثمّ أجالت نظرات خالية من الحماس، وردّت
ببرودة مفتعلة: أوه حفيدي مجدّداً! إنّه ليس معي هنا، لم أرَه منذ مدّة.
وأشارت بيدها إلى الداخل وقالت: البيت أمامك، ابحث عنه.
أدار ظهره مغادراً، ثمّ أغلق الباب خلفه بعنف شديد.
عاد "هادي" فجر اليوم الثاني إلى منزل جدّته. وجدها تؤدّي صلاة الصبح. وما هي إلّا
دقائق حتّى كانت تخبره بما حصل عصر الأمس. هرول مسرعاً إلى خارج الغرفة، وفتح خزانة
الأسرّة ورمى البسط والوسادات على الأرض، وراح يبحث بينها بقلق، لكنه لم يجد شيئاً
على الإطلاق. بدت الخيبة واضحة على وجهه، واستدار ناحية جدّته وقال: يبدو أنّهم
أخذوا السلاح الذي خبّأته هنا! في أيّ ساعة وقع الحادث؟
- في الساعة الخامسة عصراً.. ولكن.. اهدأ قليلاً لم يعثروا على شيء.
ثمّ أمسكت بيده وطلبت منه أن يتبعها نحو الحديقة، وانتزعت شتلة من البندورة
وقدّمتها له.
أصغى هادي بعد ذلك إلى بعض الجمل المتتابعة التي قالتها جدّته، ثمّ قال:
- كلّا، غير معقول!
ابتسمت وقالت: هذا ما حصل عندما سمعتُ من أهالي القرية أنّ قوات لحد تُداهم البيوت.
دفنتُ السلاح في هذا الحوض الكبير الممتدّ أمامك وزرعت فوق كلّ قطعة شتلة بندورة
ليسهل عليك استعادتها.
إنّها الآن هنا، وسوف تبقى هنا حتّى يحين موعد استخدامها، لعلّه يكون موسم قطاف
البندورة عندما تنضج الخطّة التي تعدّها للقضاء عليهم.