مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

في رحاب بقية الله: القائم بالقسط


الشيخ علي رضا بناهيان


إن كُنت تنتظر الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف وأنت تظنّ أنّك تُمهّد له، فيما تتحكّم بحركتك نظرةٌ سطحيةٌ لظهوره عجل الله تعالى فرجه الشريف، فستكون حركتك في خطر؛ لأنّها ليست واقعية. لذلك، نحتاج إلى إزالة الشبهات الناتجة عن تلك النظرة السطحية. وقد عالجنا في العدد السابق شبهة "الظنّ بأنّ قيامه خارج السنن الطبيعية"، فيما يعالج هذا المقال شبهة "الظنّ بأنّ حكومته قائمة على السيف" وشبهة "فيض النعمة بلا دليل".


* شبهة: حكومةٌ على أساس السيف
يحمل بعض الناس هذه النظرة السطحيّة بأنَّ الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف حين ظهوره، سيَحُلّ المسائل كلّها بسيفه! وبالطبع، فإنّ السيف (السلاح) سيستخدم خلال نهضة الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف لا محالة، بيد أنَّه يتطلّب الكثير من المقدّمات، ويقترن بالكثير من المستلزمات. ففي بعض أزمنة أئمّتنا عليهم السلام كان السيف موجوداً ولكنّه لم يُستعمل لفقدان تلك المقدّمات والمستلزمات. والسيف هذا هو ذلك السيف نفسه الّذي سيتوفّر له مجال الخروج من الغمد ليس إلّا.

ولذا، فإنّ هذا التصور أنّ الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف لا يقوم بإنقاذ العالم إلّا بالسيــف تصـوّر سطحيّ.

نعم، للسيف دورٌ كما كان من البداية، ولكنّ الشرائط لم تكن متوافرة في ذلك الزمن، وستتوافر في زمن الظهور. ومن هذه الشرائط "إتمام الحجّة" و"تنوير" أفكار الناس التي ستتوفّر في ذلك الزمن، وسيرفع الإمام "موانع السعادة" عن طريقهم بالسيف دون تريّث. فلو أدركنا معنى استخدام السيف بشرائطه ومستلزماته الخاصّة، ستزول النظرة السطحيّة عن موضوع الانتظار، وسيحلّ محلّها السعي والجهد لتهيئة تلك الشرائط.

لو بينّا استخدام السيف من دون النظر إلى قواعده، سنصادق على الصورة الّتي يرسمها الأعداء عن الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف من أجل إخافة الناس منه؛ حيث يقدّمونه بصورة سلطان جائر غير حكيم، فإذا ظهر سيقوم بحلّ جميع المشاكل بالاتّكاء على السيف لا غير.

1- آثار سلبية:
قبل هذا الإقبال الحاليّ في المجتمع على موضوع الانتظار والإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف وازدهار مجالس "دعاء الندبة"، كانت الصورة المرسومة في ذهن بعض الناس عن الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف صورة مقرونة بالسيف. وحتّى إنّ كثيراً منهم كانوا يشعرون بقلق إزاء ظهور الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف؛ لأنّه –بحسب تصوّرهم- سوف يضع حدّ السيف على رقابنا نحن المذنبين! وكان هذا التصوّر شائعاً نسبياً.

وشيئاً فشيئاً، بدأت الصورة تتّضح للناس بأنّ "الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف لن يأتي لقتل المؤمنين، والعوامّ من غير المؤمنين، بل لن يأتي لقتل المذنبين، فكثيرٌ من المذنبين بظهوره سيصبحون من الصالحين؛ فإنّ للقتل قاعدة، ولا يُقتل كلُّ من أذنب، بل ليس من المقرّر أن يُقتل بعض المذنبين الّذين لم يَصلُحوا بظهور الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، ولم يرتدعوا عن اقتراف ذنوبهم". فلمّا ذُكرت هذه الأمور للناس وبُيّنت قواعدها، عند ذلك سوف يتوجّه الكثير إلى رأفة الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف وعطفه، وتدفّق محبّته في قلوبهم.

لقد أفسدت هذه التصوّرات السطحيّة نظرة المؤمنين إلى الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، فما بالك بالّذين يريدون متابعة البحوث المهدويّة من خارج إطار المجتمع الدينيّ؟ ما هي الصورة الّتي سترتسم في أذهانهم عن الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف؟

وبالطبع، لا ينبغي ترك إخافة خواصّ الباطل من سيف الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف؛ إذ سيكون للسيف دور هامّ جداً في إحقاق الحقّ وإقامة الدين؛ لأنّ "المستكبرين" لا يفهمون سوى لغة القوّة، ولا يطأطئون رؤوسهم أمام أوامر الله إلّا بالإخضاع والإركاع.

هذا، وتُعدّ إخافة المستكبرين من سيف العدالة أصلاً أساسيّاً، في سبيل تحقيق الأمن في المجتمع.

2- لماذا يستلّ الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف السيف؟
إنّ الأمر المهمّ هو فهم سبب استخدام السيف في قيام الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف وحكومته. ففي الوقت الّذي تتمّ فيه الحجّة على جميع الناس، ويُصرّ الظالم على ظلمه وخصامه، هل يبقى مجال للصبر والمداراة؟ فمن لم يبغِ الخضوع أمام الحقّ، ويريد استغلال الفرص وتأمين مآربه مهما استطاع، ويقوم بسلب الآخرين ونهبهم، لماذا يُمهل ليحاكم؟ وعندما نسمع أنَّ الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف يصدر حكماً على الظالمين وينفذه دون تريّث، ومن دون تمهّل لطيّ المراحل التقليدية في المحاكم(1)، نشعر بالراحة، حيث لا يبقى مفرّ للظالمين سوى الاستسلام.

* شبهة: فيض النعمة بلا دليل
ثمّة نظرة سطحيّة أخرى حول مفاهيم المهدويّة ترتبط بهذه الحقيقة، وهي ازدياد النعم في فترة ما بعد الظهور، وكذلك نزول البركات، وشفاء المرضى، وتحقيق الأمن بالكامل، واستتباب الأمور بأسرها.
وإنّ اعتقادنا بعظمة الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف وأنّه سيحلّ بإذن الله مشاكل حياة البشر بسهولة، فهو من المسائل الصحيحة ومتطابق مع الروايات المختصّة بعصر الظهور(2)، إلّا أنّ نفس هذه العقيدة أيضاً قد تطالها النظرة السطحيّة وتؤدّي إلى تصوّرات خاطئة.

فإذا كان انتظارنا لظهور الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف ومجيئه، لحلّ مشاكلنا الشخصيّة، فإنّ هذا النوع من الانتظار سطحيّ للغاية. إنّ الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، يقضي حوائج المؤمنين ويغمرهم بلطفه وعنايته(3)، وإنْ كان حتّى في فترة غيبته، غير أنّ طلب الفرج لحلّ مثل هذه المشاكل فقط هو وليد نظرة سطحيّة لقيام المخلّص.

إنّ حلّ المشاكل الصغيرة والكبيرة في المجتمع ليس الهدف الرئيس من ظهور الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف وحضوره. وحلّ هذه المشاكل ليس سوى مقدّمة للوصول إلى الأهداف الإنسانيّة والمعنويّة الأسمى.

* علاج الشبهة
إنّ لمعالجة مشاكل الحياة مقدّمات، أهمّها استئصال شأفة الكفر (الذي يسبّب الظلم دوماً بصورة مباشرة أو غير مباشرة)، فإنَّ حلّ المشاكل بنفسه مقدّمة للوصول إلى أهداف أهمّ؛ كتفرّغ عباد الله لعبوديّة ربّهم واكتساب الكمالات المعنويّة.
ولا بدّ من أن نعلم أيضاً أنّ بعض المشاكل يبقى بعد الظهور، بل وتبقى مظلوميّة الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف أيضاً. وللإمام الخمينيّ قدس سره كلام واضح في هذا الشأن:
"لا ينبغي لنا التوقّع أنْ نُصبح وقد وُضع كلّ شيء في موضعه، وعصر الإمام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف الّذي يتصدّى لتطبيق العدالة بكلّ قوة أيضاً، لا يكون حاله بحيث لا يقترف أيّ أحد ذنباً حتّى بالخفية"(4).

وعلى الرغم من أنَّ بين فترة الظهور الذهبية والرائعة وبين الحالة الّتي تمرّ على الناس في الوقت الحاضر بوناً شاسعاً، لكنّ تصوّر أنّ "الدنيا في تلك الفترة ستحلّ محلّ الجنّة" هو تصوّر سطحيّ. فما دامت الدنيا باقية، فإنّ مشاكلها وصعابها باقية كذلك. يقول تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ في‏ كَبَدٍ﴾ (البلد: 4)، ويقول أمير المؤمنين عليه السلام: "الدُّنْيَا دَارُ الْمِحَنِ"(5).


1.عن الإمام الصادق عليه السلام: "إِذَا قَامَ قَائِمُ آلِ مُحَمَّدٍ عليه السلام حَكَمَ بَيْنَ النَّاسِ بِحُكْمِ دَاوُدَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى بَيِّنَةٍ، يُلْهِمُهُ اللَّهُ تَعَالَى فَيَحْكُمُ بِعِلْمِهِ". الغيبة للنعماني، ج2، ص386، وعن الإمام الحسن العسکري عليه السلام: "إِذَا قَامَ (القائم) قَضَى بَيْنَ النَّاسِ بِعِلْمِهِ كَقَضَاءِ دَاوُدَ عليه السلام لَا يَسْأَلُ الْبَيِّنَةَ". الکافي، ج1، ص509.
2.عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "... فَيَمْلَأَ الْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً وَتُمْطِرُالسَّمَاءُ مَطَراً تُخْرِجُ الْأَرْضُ نَبَاتَهَا وَتُنْعِمُ أُمَّتِيفِي وِلَايَتِهِ نِعْمَةً لَمْ تُنْعِمْ بِمِثْلِهَا قَطُّ". الملاحم، السيد ابن طاووس، ص139. وفي رواية أخرى: "وَتَعِيشُ أُمَّتِي فِي زَمَانِهِ عَيْشاً لَمْ تَعِشْهُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي زَمَانٍ قَطُّ". الملاحم للسيد ابن طاووس، ص165.
3.جاء في کتاب الاحتجاج للطبرسي، وفي ضمن توقيع صادر من الناحية المقدّسة إلى الشيخ المفيد:"... فَإِنَّا نُحِيطُ عِلْماً بِأَنْبَائِکُمْ وَلَا يعْزُبُ عَنَّا شَيْ‏ءٌ مِنْ أَخْبَارِکُمْ وَمَعْرِفَتُنَا بِالذُّلِّ الّذي أَصَابَکُمْ مُذْ جَنَحَ کَثِيرٌ مِنْکُمْ إِلَی مَا کَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ عَنْهُ شَاسِعاً وَنَبَذُوا الْعَهْدَ الْمَأْخُوذَ وَراءَ ظُهُورِهِمْ کَأَنَّهُمْ لا يعْلَمُونَ‏ إِنَّا غَيرُ مُهْمِلِينَ‏ لِمُرَاعَاتِکُمْ وَلَا نَاسِينَ لِذِکْرِکُمْ وَلَوْلا ذَلِكَ لَنَزَلَ بِکُمُ اللأْوَاءُ وَاصْطَلَمَکُمُ الْأَعْدَاءُ". الاحتجاج للطبرسي، ج‏2، ص497.
4. صحيفة الإمام، ج19، ص303.
5. غرر الحكم، ح2239. وقال أيضاً في وصف الدنيا: "دَارٌ بِالْبَلَاءِ مَحْفُوفَة".نهجالبلاغة، الخطبة 266.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع