كطودٍ شامخٍ وقف وحيداً على الرمال، كأنّما غُرز شاهداً
في تلك البادية، والشمس تزاوره عن يمينه ويعاكسها ظلُّه عن يساره، ليصبح مِزْوَلَة(*)
الزمن، التي بها يُعرف الحقّ ويُمتحن الرجال.
وقف هناك حيث بدأ الزمن، وبدت الشمس تطوف فوقه في السماء حائرة. لم يحنِ الوقت بعد
لتبكيه حمرةً، فما زال واقفاً، رغم كلّ الجراح التي سكنت جسده وأنهكت بدنه الستّينيّ،
حتى تهامس أعداؤه: "لم نرَ رجلاً مُثكلاً أربط جأشاً منه...".
لكنه ما زال واقفاً. جال ببصره على أصحابٍ نَدُر وفاؤهم، ويصعب تكرارهم. كانوا رجلاً
واحداً بعدّة أسماء. ناداهم بها: يا حرّ، زهير، حبيب، عابس، عبد الله، جون، مسلم،
عليّ الأكبر، قاسم... وعبّاسه..
على إثر ندائه، اجتمعت تلك الأرواح السماوية في عالمٍ عُلويّ، لم يره اللئام.
ناداهم ثانيةً: "قوموا يا كرام"، فقريباً ستستقبله تلك الأرواح والملائك، ما إن
يسجد ويناجي المعشوق وحيداً، وينقطع إليه عن كلّ لهوهم.
سجد معانقاً الأرض، وارتفع أذان الروح، وأقام صلاةً خاصّةً، حيث سكن دمه الخلد.
وبقي نداؤه هذا إلى الآن، يسمعه كلّ من ألقى السمع وهو شهيد.
وما زال واقفاً، إنّما على بوّابة الزمن ليستقبلهم، ويُعِدَّهم لإمامٍ سيظهر آخر
الزمان: "قوموا يا كرام"، فإمامكم ينتظر.