تحقيق: نقاء شيت
"حسن الظنّ من أفضل السجايا وأجزل العطايا"(1). هذا
الحديث لأمير المؤمنين عليه السلام يُظهر فيه أهميّة حسن الظنّ لدى الفرد المؤمن.
ولحسن الظنّ نوعان، أحدهما يتعلّق بالخالق كما ورد في الحديث القدسيّ: "أنا عند
حُسن ظنّ عبدي بي، فلا يظنّ بي إلّا خيراً"(2)، والآخر يتعلّق بالمخلوق، كما جاء
في كلامٍ مرويّ عن الأمير عليّ عليه السلام: "ولا تظُنّنّ بكلمةٍ خرجت من أخيك
سوءاً وأنت تجد لها في الخير محمَلاً"(3).
* حسن الظنّ بالله أمرٌ واجب..
ربما يورِد الإنسان في أحاديثه كلمات يشير بها إلى رحمة الخالق، فيما تندرج بعض
الكلمات التي قد اعتدنا سماعها ضمن إطار سوء الظنّ بالله تعالى. فمثلاً "أحمد" (23
عاماً)، خرّيجٌ جديدٌ من الجامعة، يجيب فوراً عن سؤالنا عمّا يريد أن يعمل بعد
الجامعة قائلاً: "وبماذا أختلف عن غيري من الخرّيجين؟ مصيري أن أقبع في منزلي
عاطلاً عن العمل". هذا الجواب قد يصنّف ضمن إطار سوء الظن بالله، فليس من المحتّم
أن لا يجد كلّ خرّيج جامعيّ عملاً، حتّى ولو تأخر في الحصول عليه، لكن في نهاية
المطاف وبفضل الله ورحمته سيجد العمل المناسب له. وبذلك على أحمد أن يكون حَسَنَ
الظنّ بالله، فيجيب: "سأبحث عن عمل، والله تعالى سيوفّقني، إن شاء سبحانه، لأحصل
على وظيفة في أقرب وقت، ولن يضيع تعب دراستي لسنوات".
خلال حديث خاصّ لـ"بقيّة الله" مع الشيخ إسماعيل حريري، قال فضيلته: إنّ "حسن ظنّ
العبد بربّه أمرٌ واجبٌ، فالإنسان لا يمكن أن يتعاطى مع الله في رزق أو عملٍ أو
تكسُّبٍ دون حسن الظنّ؛ لأنّ العبد موعود من خالقه بأنّه إنْ أحسن الظنّ به، فسيكون
الله عند حسن ظنّ عبده؛ وبالتالي فإنّ إساءة الظن بالله كما يقول الشيخ حريري أمرٌ
محرّمٌ، كأن يقول الفرد مثلاً: "الله لن يرزقني، لن يرحمني، لن يغفر لي... إلخ"،
وهذا بعيدٌ كلّ البعد عن حسن الظنّ به تعالى ويأتي بمعنىً يظنّ فيه السامع أنّ الله
يريد السوء لعبده، والعياذ بالله.
* حسن الظنّ يجلب الرزق
ويتابع فضيلة الشيخ حديثه بالقول إنّ الله إذا ما امتحن عبده أو ابتلاه بأنواع
البلاء: قلّة في الرزق، في المال، في الولد، في الصحة، وغيرها فإنّ ذلك يهدف إلى
اختبار مدى صبر العبد وقدرته على التحمّل فيرفعنا الله من وراء البلاء عنده درجاتٍ
ويقرّبنا إليه سبحانه.
تؤكّد هذا الكلام رقيّة (21 عاماً) وهي خرّيجة جامعية جديدة، تقول إنّ معظم زملائها
ممّن تخرّجوا لم يجدوا عملاً ضمن اختصاصهم، ومع ذلك لم تقطع الأمل بأنّ الله
سيوفّقها لعمل مناسب فور تخرّجها، ودون "واسطة". وبالفعل تؤكّد "رقية" أنّها وُفّقت
لعملين، قبل تخرّجها بأسبوعين، حتّى قبل أن تبدأ بالبحث الفعليّ عن وظيفة، تقول
رقيّة: "إنّما تحقّق هذا بفضل الله تعالى ورحمته وحسن ظنّي به".
* احمل أخاك
أما في ما يخصّ حسن ظنّ الإنسان بأخيه، فيبادر عليّ (28 عاماً) بالإجابة عن السؤال
بالقول: "صرنا في زمن لا يمكن فيه الوثوق بأحد، ومَن هو طيّب القلب [بتروح عليه]".
يجيب فضيلة الشيخ إسماعيل حريري، أنّه لا يمكن التعميم في ذلك، والإنسان لا يمكنه
التعامل مع الناس على اعتبار أنهم سيّئون، فهذا غير صحيح؛ فالدنيا لا تخلو من
الخيّرين، وعليه يجب على الإنسان التروّي في إصدار أحكامه على الآخرين، ولكن عليه
أيضاً توخّي الحذر. ويؤكد فضيلته أنّه على المؤمن إحسان الظنّ بأخيه المؤمن،
مستشهداً برواية: "احمل أخاك المؤمن على سبعين محملاً من الخير"(4). وهذا
الرقم تدلّ المبالغة فيه على التأكيد على أهميّة التروّي والتدبّر قبل الحكم على
الأشخاص، وكي لا يسيء المؤمن الظنّ بالمؤمن.
فعلى المؤمن كما يوضح فضيلته أن ينفّذ تكليفه المأمور به من الله تعالى وعلى الله
الجزاء، وعليه بالصبر على البلاء من الآخرين وأن تحكم تصرّفاته أخلاقُه الدينية.
أما في ما يتعلق بغير المؤمنين ممّن يتربصون بالإسلام سوءاً، فهؤلاء مطلوبٌ أخذ
الحذر والحيطة في التعامل معهم بحسب فضيلة الشيخ، وأن يَزِن المؤمن كلامهم
وتصرفاتهم جيداً ويدرس أبعادها. وبالتالي لا يغفل عنهم من باب حسن الظنّ.
* "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"
بالطبع، كما لكلّ صفةٍ إيمانيّة وأخلاقيّة أثر على الدين والمجتمع والفرد، فإنّ
لحسن الظنّ أهميّة في هذه الصعد أيضاً؛ فعندما يحسن المؤمنون الظنّ بعضهم ببعض،
يساهمون في بناء صورةٍ جميلة عن الدين والشريعة في وقت تكثر فيه المحاولات لتشويه
هذا الدين والعمل على إظهاره بطريقةٍ خاطئة. ويضيف الشيخ: إنّ الإسلام يتلطّف
بالعباد والمؤمنين ويساهم في خلق جوٍّ من التفاهم والوئام والمحبة بينهم. وكل ذلك
ينعكس على المجتمع المؤمن ليصير مجتمع خير، لا يشجّع على الشر أو البغض بين أبنائه.
ويذكر الشيخ حريري أننا مطالبون كمسلمين بتكوين صورة تعكس حقيقة الإسلام، وتظهر
الأخلاق الإيمانيّة، ولا سيّما حسن الظنّ التي هي واحدة من متمّمات الأخلاق، كما
عبّر الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم "إنّما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق"(5)،
متابعاً أنّ حسن الظنّ من أهم مكارم الأخلاق، أمّا سوء الظن بالآخرين فيترتَّب عليه
ضررٌ على المجتمع والفرد. وهذا ما أدرجه فضيلته ضمن الآثار المترتّبة على سوء الظنّ
بالآخرين؛ فعنما يسيء المؤمن الظنّ بأخيه قد يؤدّي به إلى القيام بتصرّفات تؤذي
الشخص المقابل وقد تسيء إلى سمعته بين الناس وتشهّر به، وكل هذا ليس مبنياً على
وقائع ملموسة، بل هو فقط من باب التكهّن المغلّف بإطار إساءة الظنّ.
* لنكتسب فضيلة حسن الظنّ
عن إمكانيّة اكتساب هذه الصفة في زماننا الذي يكثر فيه الكذب والخداع وغيرهما من
الصفات السيئة، تعبّر فاطمة (26 عاماً) بعفويّة: "عندما يكون الإنسان صادقاً مع
نفسه ومع ربّه، يحقّ له فيما بعد أن يقيّم العباد على صدقهم وكذبهم".
يجيب فضيلة الشيخ، أنّه من يريد اكتساب فضيلة حسن الظن عليه:
أولاً: ترويض نفسه وتعويدها على الثقة بالآخرين. وهذا يتطلّب من الإنسان أن
يكون صادقاً مع ذاته ومع ربّه، وصادقاً في أقواله وتصرفاته، قبل أن يحكم على
الآخرين، والتصرّف معهم دائماً في إطار الصدق والنزاهة.
ثانياً: عليه الامتثال للأمر الإلهيّ بوجوب حسن الظن بالمؤمنين وعدم إساءة
الظنّ. فعندما يفهم الفرد المؤمن طبيعة هذا الأمر ويقتنع به ويسعى لتنفيذه، إضافةً
إلى سعيه لترويض نفسه وحجبها عن الإساءة، سيصل بالتأكيد إلى مرحلة حسن الظنّ
بالآخرين.
ثالثاً: عدم التسرّع في الحكم على كلامهم وتصرّفاتهم حتّى تتبيّن له جميع
الأمور.
وفي الختام، لا بدّ من إدراج نصيحة لعموم المسلمين، أنّه من المفترض الالتزام بكل
ما جاء به الدين الإسلاميّ من تعاليم حتّى لو ظنّ الإنسان أنّ له الأثر السلبيّ
عليه. فالمطلوب، في التعاليم الإسلامية، من حسن الظنّ التزام أوامر الله تعالى
والحصول على رضوانه جلّ وعلا، إضافة إلى إظهار الوجه الجميل والخيّر للشريعة
الإسلاميّة فيما يخصّ التعاطي بين المسلمين أنفسهم ومحتوى المجتمع الإسلاميّ في حدّ
ذاته.
(1) عيون الحكم والمواعظ، الليثي الواسطي، ص228.
(2) إرشاد القلوب، الديلمي، ج1، ص110.
(3) الوافي، الكاشاني، ج5، ص984.
(4) الحدائق الناضرة، البحراني، ج18، ص312.
(5) مكارم الأخلاق، الطبرسي، ص8.