مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

الصلاة خيرُ ميراث


الشيخ خضر نور الدين(*)


"الصلاة عمود الدين". بات المسلم يُؤمن أنّ صلاته تتعدَّى الشكل الخارجي لها، فهي ستشمل حياته كونها سبباً لقبول باقي عباداته..
من خلفيّة أنّ أوامر الله تعالى تحمل مصالح حقيقيّة لنا، باتت مشكلة إهمال الصلاة أو تركها جديّة تؤثّر على إدراك الإنسان وسلوكه... وبركة حياته.
وحرصاً على قراءة واقع الشباب وأجيالنا القادمة وعلاقتهم بالصلاة (عمود دينهم)، نعرض خلاصة دراسة أوّليّة عن واقع المشكلة، أسبابها، وكيف نعالجها؟

* الناشئة وعلاقتهم بالصلاة
قامت "جمعية أمان للإرشاد السلوكي والاجتماعي"، بدراسة لرصد ظاهرة مشكلة إهمال الصلاة، وقد استهدفت 1680 تلميذاً ضمن المرحلة الثانوية خلال العام 2014م-2015م في مدارسنا في مختلف المناطق. وخلاصة نتائجها هي:

1- 79% من المرشدين التربويين في المدارس يلحظون وجود تراجع في سلَّم القيم الدينيّة عند الطلاب، سواء بشكل جازم أو إلى حدٍّ ما. وقد تمظهر هذا التراجع بحسب المرشدين، في موضوع التهاون بأداء الصلاة وخاصّة في أول وقتها، وتراجُع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتراجُع العلاقة مع القرآن الكريم.

2- عند سؤال التلامذة عن الأمور التي يعتبرون أهلهم متشدّدين فيها (أي يرفضون التهاون بها) كان موضوع الصلاة والالتزام الدينيّ من بين هذه الأمور ولكن بنسبة قليلة (6%).

3- تبيّن لنا وجود علاقة ذات دلالة إحصائيّة بين مستوى تديّن الأهل وتديّن الأبناء، فمعظم التلامذة غير المتديّنين أو تديّنهم مقبول، أهلهم غير متديّنين، وعلى العكس نحو 57% من التلامذة الذين اعتبروا مستوى تديّن أهلهم جيداً جدّاً ظهر أنّ مستوى تديّنهم جيّد.

4- للمدرسة دورٌ كبير ومؤثّر في الاتجاهات السلوكيّة والقيميّة للتلامذة...

- لقياس سلوكيّات التلامذة تمّ طرح مجموعة من العبارات ومن بينها عبارات متعلّقة بأداء الصلاة وارتياد المسجد، فكانت الإجابات على الشكل الآتي:

السلوكيات

الإجابة

دائماً

أحياناً

نادراً

أبداً

1.أؤدّي صلاتي في وقتها

41.7%

47.8%

5.3%

3.3%

2.أحرص على سماع محاضرات رجال الدين

13.7%

41.2%

31.2%

11.7%

3. أتردّد إلى المسجد

14.2%

37%

27.9%

18%

4. أحرص على قراءة القرآن

26%

50.2%

16.4%

4.2%


بالخلاصة، يمكن القول: إنّ الوضع العام في مسألة التديّن عند الشباب جيّد. والعودة إلى الإسلام نسبة للماضي القريب يعوّل عليها. لكن يمكن القول إنّ الوضع قابل للتحسّن نحو جيل يهتمّ بالواجبات الإسلاميّة، خاصّة إذا ما عُمل على حلّ الإشكاليّات المعوّقة، خصوصاً لدى الشباب الذين يعيشون في أسر متديّنة.

* أسباب المشكلة رغم توفّر البيئة الملتزمة
أسباب ترك الصلاة أو إهمالها كثيرة، لكن يمكن الإشارة إلى أهمّها:

أ- بالعودة إلى أصل التديّن، نراه بالعموم قائماً على أساس الاكتفاء بالتبعيّة. وفي عمر الشباب يبدأ تشكيل قناعة خاصّة عند الولد من خلال البحث أو نتيجة متابعة علميّة منطقيّة، بل يبدأ بالالتزام بعقائد أهله ويستمرّ إلّا ما ندر.

ب- الطرق التي يعتمدها عموماً الدعاة والمربّون في التبليغ الديني، لا تتناسب مع متطلّبات العصر. وحالها حال المناهج التربويّة المعتمدة في بلادنا، التي لا تنتج مفكّرين بمقدار ما تنتج حفظة للمعلومات.

ج- الطروحات التكفيرية أثّرت سلباً على كثير من الشباب، فكان للتطرّف آثارٌ سلبيّة على فَهم الدين، بحيث ذهب بعض الناس إلى التعصّب دون تفكر وتأمّل، مكتفين بالانتماء عاطفيّاً، وذهب آخرون إلى ترك الدين، خصوصاً عند من لا ينتمون إلى بيئة متديّنة.

د- تحوُّل الدين عند كثير من المتديّنين إلى طقوس شكلية، بعيداً عن الالتفات إلى الهدف الأساس من الدين، وهو صياغة الفرد المسلم ليكون عنصراً فاعلاً ومنتجاً في المجتمع، لتشكيل المجتمع الذي أراده الله عز وجل من خلقه للإنسان ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً (البقرة: 30). فالصلاة التي قال تعالى فيها: ﴿تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ (العنكبوت: 45)، يأتي بها معظم الناس كفرْض بمعزل عن مستلزماتها والمطلوب منها.

هـ- التعاطي مع العبادات عموماً والصلاة خصوصاً على أنّها فرض على المكلّف. وهنا يجب العمل على تفهيم الشاب معنى العبادة وحلاوة الوقوف بين يدي الخالق عزّ وجلّ.

ز- تعقيدات الحياة أدّت إلى اشتغال الإنسان بشكل دائم، بمعزل عن الأمور التي تشغل باله. وباعتبار أن الصلاة للخالق عزّ وجلّ يتهاون الإنسان طمعاً في الرحمة. وهنا أشير إلى أنّ الأمن منْ مكرِ الله عزّ وجلّ من الكبائر. وهذا ما ليس واضحاً عند الكثير من الناس؛ حيث إنّه في الوقت الذي يمكن للإنسان أن يطمع في رحمة الله عزّ وجلّ، عليه أنْ يأمن مكرَه.

* العوامل المؤثرة
إنّ العوامل المؤثّرة في تنامي مشكلة التهاون بالصلاة هي بسبب:
أ- البيئة العامّة اليوم على مستوى العالم فيها الكثير من الفوضى الفكريّة، وعدم الالتفات إلى الأصول والجذور الفكريّة للدين.
ب- تشويش أذهان الشباب من خلال الوسائل الإعلاميّة ووسائل التواصل الاجتماعي عند الدخول في حوارات فكرية.
ج- العيش في بيئة غير ملتزمة، بحيث يتأثر الإنسان عموماً بمن يعاشر من الناس. ومن هنا كانت الحكمة المعروفة "قل لي من تعاشر أقل لك من أنت".

* العوامل التي تحدّ من المشكلة
من العوامل التي يمكن تحديدها والعمل عليها للحدّ من المشكلة الاهتمام بهذه الأمور:
أ- البيئة العلميّة الإيجابيّة التي تساعد الشاب على التفكير بشكل سليم أو الوصول في العمليّة الذهنيّة إلى نتائج علميّة بعيداً عن الجدل والطروحات المشكّكة.
ب- الابتعاد عن كلّ ما يشوّش الذهن في وسائل الإعلام المختلفة؛ لأنّ مَن لم يملك بُنية فكرية متينة، يمكن أن يضيع نتيجة بثّ بعض الأفكار المسمومة.
ج- العيش في بيئة اجتماعيّة ملائمة (في السكن، المدرسة...)؛ لأنّ ذلك يساعد بشكل غير مباشر على التماشي مع الآخرين، وبالتالي التحوّل الإيجابي يحصل عند الشاب بشكل تلقائي (طبعاً مع وجود المواد البحثيّة والفكريّة المساعدة).

* الحلول المقترحة
الحلّ الأهم يبرز في أمرين أساسيّين:
الأول: التعريف بالله عزّ وجلّ، وذلك يكون من خلال التركيز على التعرف على الله عزّ وجلّ بمعنى عدم الاكتفاء بالاستدلال المتعارف على وجوده، بل يجب الغوص في التأمّل للتعرّف عليه، وإلا كيف يمكن للإنسان أن يحبّ أحداً لا يعرفه؟
والتعرّف عليه يبدأ بالسؤال عنه وطلبه، كما جاء في الحديث القدسي "مَن طلبني وجدني"، ثم تأتي المرحلة الثانية "ومَن وجدني عرفني"، لتليها المرحلة الثالثة والمطلوبة "ومَن عرفني أحبني".

الثاني: بعد إيجاد علاقة الحبّ بين الإنسان والخالق، من الطبيعي أن يعمل على تسبيحه وتعظيمه بعد شكره وحمده. وهذا يتجلّى في الصلاة، فتكون الصلاة بذلك وقفة المحبّ بين يديّ المحبوب وتصبح أمراً محبَّباً للإنسان، لا مجرد إتيان بفرض واجب، بل يحصل فيها ما يجري بين العاشق والمعشوق من مناجاة وحديث وبثّ للهموم وطلب المساعدة، وهذا له انعكاس إيجابي على روحيّة الإنسان المصلّي. فتكون الصلاة هنا بمثابة الحوض الذي ينزل فيه ليغسل عنه الأدران والأوساخ، وتكون الصلاة مغسلاً للروح؛ فتصبح الصلاة مدعاةً للراحة والأنس، يهرع إليها الإنسان في أوقاتها خصوصاً عندما يشعر بالضعف أو التعب أو عندما يواجه مشكلة، بل يرغب في الإتيان بها في بيت الله، ويحرص على الإتيان بها جماعة مع إخوانه المؤمنين الذين يحبّهم الله أن يكونوا صفّاً واحداً متماسكاً متراصّاً. وتكون الصلاة بذلك معراجاً للمؤمنين للصعود والتكامل الروحي.

وأخيراً، ننصح الأهل بضرورة الالتفات إلى أبنائهم منذ الصغر والتركيز على الأمور الآتية:
1- إيجاد الجوّ الملائم للطفل، وعدم التعاطي معه بشكل يشعر أنّ الصلاة إلزام وفرض، واعتماد وسائل محبّبة كاصطحاب الأب ولده إلى المسجد وحضور الندوات الملائمة له.

2- الالتفات إلى جوّ المدرسة التي يدخلها الطفل، وعدم الاندفاع للمدارس العلمانيّة خاصّة التي لا تولي موضوع التربية الدينية أيّ اهتمام، إنْ لم يكن فيها ما يضيّع الولد ويحرفه منذ الصغر؛ لأنّ من الواضح أنّ هناك فرقاً كبيراً بين مدرسة يعيش فيها الطفل صغيراً في الأجواء الإسلاميّة والإيمانيّة، ويتعرّف على ما يجب التعرّف عليه، وبين المدارس الأخرى.

3- إنّ جو البيت مؤثرٌ جدّاً في الأبناء وتشجيعه على قراءة القرآن وتحديد الوقت له لمشاهدة التلفاز وتشجيعه على قراءة ما يفيده دينيّاً ومعرفيّاً، بشكل عام.

ختاماً، الصلاة علاقة روحيّة بالله تعالى، علينا معرفة كيف ننقلها إلى أبنائنا، ليكونوا دائماً مع الله.


(*) مشرف جمعيّة أمان للإرشاد السلوكي والاجتماعي.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع