نسرين إدريس قازان
اسم الأم: هند قانصوه.
محل الولادة وتاريخها: كواخ - الهرمل 10/2/1982م.
رقم القيد: 221.
الوضع الاجتماعي: متأهّل وله ولدان.
تاريخ الاستشهاد: الغوطة 10/7/2013م.
وأصبح "الصبيّ" أمنيةً بين أربع بنات في نفوس العائلة. ونذرت الجدّة أمّ الأب نذراً وأضحيةً للسيدة زينب عليها السلام إذا ما استجاب الله لدعواتها، فسرعان ما استُجيبت.
*الطفل الشقيّ
انتظر الجميع المولود الذي سُمّي "رضا" قبل أن يولد على اسم جدّه. وقد حانت ولادته في ليلة عاصفة ثلجيّة انقطعت فيها الطرقات إلى القرية، فتحيَّرت النساء بما يصنَعن، وصرن يبحثنَ سيراً على الأقدام عن قابلة تأتي لتساعد الأم على وضع الصبيّ الذي قلبَ حياة الأسرة... كان رضا شقياً لا يهدأ، وكأنّ الحياة لا تطيب له إلّا إذا كان الجبص في قدمٍ أو يد؛ فملأ وقت جدّه الطبيب العربيّ بالتجبير ومداواة الجروح..
ولم تكن الشقاوة وحدها ما شغلت الوالدين بولدهما؛ إذ تعرّض رضا للكثير من الحوادث التي استلزمت نقله إلى المستشفى على وجه السرعة، ولهذا كانوا دائماً يقدّمون النذور للسيدة زينب عليها السلام لإبعاد الخطر عن ولدهم..
*مسؤوليّة الاهتمام بالعائلة
سريعاً انقضت أيّام الطفولة والشقاوة في حياة رضا، فمَرَضُ والده المفاجئ الذي أقعده، وضعه أمام مسؤوليّات كبيرة، ماديّة ومعنويّة، فهو الأخ الوحيد لخمس فتيات تصغَره منهن واحدة. فكان عليه السعي لتأمين قوتِهنّ، ناهيك عن سدّ الفراغ الذي خلّفه عجز الأب.. أفرغ رضا أيامه لأسرته بين اهتمام بالأب ورعاية الأمّ والأخوات، وساعدته شخصيّته المفعمة بروح التحدّي والعزيمة والإصرار على تجاوز الكثير من الصعاب. فكان لا بدّ له من قرارَين هما كانسلاخه عن روحه: الأول: ترك المدرسة، والثاني: ترك القرية، فنزل إلى بيروت وسكن في منزل أخته الكبرى ليبدأ العمل مع زوجها في مهنة صناعيّة.
وكم عزّ على العائلة أن يُعجن رغيف الحياة بتلك اليدين الطريّتين المدلّلتين، غير أنّ رضا -والاسم على المسمّى- لم يهتمّ لأيّ شيء في الحياة ما خلا راحتهم.
*عِشق الطاعة لله
لم يكن برّه بوالديه معاملة حسنة بقدر ما كان عِشقاً، فالنور المتوقّد بداخله كان يقوده إلى الله عزّ وجلّ بكلّ سكناته. فكانت صلاته طريقه للنهي عن المنكر والأمر بالمعروف، فتراهُ يُسكِت من يغتاب ويعاتبه بلين، لأنّ الغيبة بالنسبة إليه نافذة لمعاصٍ أخرى، فمن هانت عليه كرامة الناس هان عليه كلّ شيء!
ولشدّة ما كان يحترم خصوصيّة الآخرين، لا يُذكر إن جلس رضا على الشرفة إلّا مُدبراً كي لا يحدّ من حريّة جيرانه.
*دقّة في الالتزام بالقوانين
في العشرين من عمره تزوّج ورُزق رضا بولد... لم تكن الأبوّة مهمّة جديدة في حياته، فالأخ أب ثانٍ لأخواته اللواتي كنّ يلجأن إليه في جميع الأمور، وكان ذا نصيحة راجحة لا يدلي برأي ما لم يعرضه قبلاً على ميزان الشريعة..
لم يكن رضا ليطلب طلباً صغيراً من أيّ أحد، بل كان يخدم نفسه ويبادر إلى خدمة الآخرين. وقد أجاد الكثير من المهن، لأنّه أحبّ أن يقوم بكلّ شيء بنفسه، كما تميّز بالتزامه الدقيق بالأنظمة والقوانين، وكانت تلك الدقّة تلفت كل مَن حوله، إذ كان يعتبر أن لو التزم كل فرد منّا بحدود النظام لما بقي للفوضى باقية..
*من الجهاد الأكبر إلى الجهاد الأصغر
في عمله الشخصيّ جنى رضا المال، ولكن رويداً رويداً تفلّت من عمله، لأنّ هدفه من الحياة كان كفاف يومه، فهذا الشابّ العاشقُ للبذل، والمجاهد مع نفسه لا بدّ وأن تُفضي طريقه إلى ساحة الجهاد الأصغر، فلم يكن منه إلّا أن ترك كلّ شيء والتحق بركب المجاهدين..
لم يكن قرارُ رضا سهلاً على قلب أمه، فهو الابن الوحيد والصديق الصدوق والأبُ والرفيق، ولكن من اختار طريق الله عليه أن يرخِص له كلّ شيء، ولأنّ كل ما لدينا هو من كربلاء الإمام الحسين عليه السلام، يَسكتُ القلبُ عن مواجعه، فأوكلته للذي رزقها به، وسلّمت أمرها إليه..
خادمٌ للمجاهدين؛ يغسلُ ثيابهم، ويُحضّر لهم الطعام، ويساعد محتاجهم بما تيسّر. وقد اختصر رضا الكثير من الوقت باذلاً جهده في تطوير مهاراته العسكريّة، وقد أَنِسَت روحه أيُّما استئناسٍ برفيقه (الشهيد) "علاء سجد"، وكلٌّ منهما يبغي الشهادة، حتى إذا ما سبق علاء رفيقه في حرب الدفاع عن المقدسات، ضمّت الغربة رضا، وصار وحيداً على الرغم من كَثرة الأصدقاء والمعارف..
*بأسٌ من عشق حيدر
حيثما تكنِ المواجهات الحامية والحاسمة يكنْ رضا، فقد عقد العزم منذ اندلاع حرب الدفاع عن المقدسات، أن يكون من المضحّين، دفاعاً عن الحرم الشريف للسيدة زينب عليها السلام. كان سبّاقاً إلى المواجهات على الرغم من صعوبة نيل الإذن بذلك، فهو وحيد والدته ويتيم الأب، ولكن هيهات أن يقبل رضا إلّا بما تريده نفسه التوّاقة إلى الجهاد، فتعدّدت المعارك التي شارك فيها، ومع ارتقاء العديد من رفاقه شهداء، كان يلوذ بالمحاور ليخفّف من حسرات البقاء بمشاركات جهادية جديدة..
هو بأسٌ من عشْق حيدر عليه السلام، وبذْل من تضحية الحسين عليه السلام، وصبر من قبسات زينب عليها السلام، هكذا قضى أيامه في الجبهة، بعزم لا يلين وقلب لا يخاف إلّا من العودة إلى الدنيا. كان رضا شديد التعلّق بولده عليّ وينتظرُ ولادة طفله الثاني الذي لم يعرف جنسه، فكان كلّما حان وقت الرحيل ينسلخُ عن أحبّته، ولا شيء يخفّف من وجعه سوى دموعٍ يذرفها بالقرب من ضريح سيّدته زينب عليها السلام. وكانت الصورة التي أرسلها رضا إلى زوجته من المقام قد أردفها برسالة يخبرها فيها أنه توسّل إليها عليها السلام أنْ تشفع له بقبول دعاء الشهادة..
هي السيدة زينب عليها السلام، التي باسمها قبل الله دعاء العائلة فبشّرهم بـ"رضا"، وهي السيّدة زينب عليها السلام التي قُدّمت لها النذور والأضاحي ليحفظ الله لها رضا.. وهي السيدة زينب عليها السلام التي قدّم رضا نفسه قرباناً لها؛ فطوبى لمن ﴿رضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ (المائدة: 119).