مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

اعرف عدوّك: ماذا عن الصهيونية المسيحية في أميركا؟

أديب كريّم


نبذة تاريخية: كما كان للاختراق اليهودي للكنيسة المسيحية في أوروبا، عبر ما عرف بالحركة البروتستانتية، أصداؤها في أرجاء الدول الأوروبية وخصوصاً في بريطانيا، كذلك انتقلت عدوى هذا التحول المفصلي إلى أرض القارة الأميركية المكتشفة حديثاً، وذلك من خلال موجات المهاجرين الأوروبيين الذين استوطنوا تلك البلاد، وأرسوا فيها قواعد الثقافة الجديدة المطعمة بترهات وهرطقات الخرافة اليهودية.

ومنذ تلك الحقبة أخذت ملامح هذا الكيان القاري تتشكل وفق المخطط اليهودي المتستر بلباس الكهنوتية المسيحية البروتستانتية. وكانت البداية متخمة بالدلائل والوقائع التي قطعت الطريق على أي محاولة مستقبلية لجعل الموقف الأميركي أقل تطرفاً إزاء العديد من القضايا العالمية وخصوصاً قضية اليهود. وعلى سبيل الدلالة، فإن أول أطروحة لأول دكتوراه منحتها جامعة هارفرد في العام 1642م كانت بعنوان "العبرية هي اللغة الأم"، وأول كتاب صدر في أميركا كان "سفر المزامير"، وأول مجلة واسعة الانتشار كانت مجلة "اليهودي".

وبموازاة هذا النشاط الاعلامي والثقافي الذي هدف إلى تعميم وتعميق الأضاليل اليهودية في العقل والوجدان الجماعي الأميركي، كانت المحاولات تجري حثيثة لتفعيل النص الانجيلي المقصود في المحافل والأروقة السياسية، على صورة ضغط أو تأثير على صناع القرار. وقد سُجل حدوث أولى المحاولات في هذا الشأن على يد القس "وليم بلاكستون"، الذي كان له السبق في تأسيس أول منظمة ضغط صهيونية مسيحية (Lobby) في التاريخ الأميركي. وسميت بداية ب"البعثة العبرية من أجل إسرائيل". وتعرف حالياً باسم "الرقابة اليسوعية الأميركية"، وهي تصنف كإحدى أقوى جماعات الضغط الأميركية. ألف وليم بلاكستون في العام 1878م كتاباً بعنوان "المسيح آت" ربط فيه بين "عودة" اليهود إلى فلسطين وظهور المخلص. وكانت خطوته تلك فاتحة النشاط التأسيسي المنظماتي الذي اتسعت دائرته وتشعبت خطوطه ليفضي تدريجياً إلى ولادة أكثر من 250 منظمة صهيونية مسيحية.

* أبرز المنظمات وأقواها تأثيراً على الساحة الأميركية ومنها على الساحة الدولية.
1 - منظمة السفارة المسيحية الدولية بالقدس: تأسست في 30 أيلول 1980 بمدينة القدس، وبوجود أكثر من ألف قيادي مسيحي يمثلون 23 دولة وعدد كبير من المسؤولين الصهاينة، عقدت أول مؤتمر لها في مدينة بال في سويسرا بين 27 - 29 آب من عام 1985، وذلك في نفس المكان الذي انعقد فيه المؤتمر الصهيوني الأول وبنفس الشهر (آب 1897). وقد جاء في البيان الذي صدر عن المؤتمرين بهذا الخصوص ما نصه: "نحن الوفود المجتمعين هنا من دول مختلفة وممثلي كنائس متنوعة في نفس القاعة الصغيرة التي اجتمع فيها ومنذ 88 عاماً مضت الدكتور تيودور هرتزل ومعه وفود المؤتمر الصهيوني الأول، والذي وضع اللبنة الأولى لاعادة ميلاد دولة إسرائيل". وتمخض عن المؤتمر أربعة عشر قراراً تضمنت دعوات إلى الأمم للعمل على تقديم العون للكيان اليهودي في صراعه مع محيطه العربي، ووجوب ممارسة الضغط على بعض الدول لتسهيل هجرة اليهود من أراضيها إلى فلسطين. وقد لخص أحد مؤسسي هذه المنظمة ومديرها "د. غلاس بونغ" أهدافها بقوله: "إننا صهاينة أكثر من الإسرائيليين أنفسهم وإن القدس هي المدينة الوحيدة التي تحظى بإهتمام اللَّه، وإن اللَّه قد أعطى هذه الأرض لإسرائيل إلى الأبد". المقر الرئيسي لهذه المنظمة كائن في مدينة "مونتريت" من أعمال ولاية كارولينا. ولها في أنحاء أميركا أكثر من 22 فرعاً بالإضافة إلى فروع خارجية تتوزع على أكثر من أربعين دولة.

2 - منظمة المائدة المستديرة الدينية:
تشكلت في أيلول 1979، وتمحور نشاطها حول إقامة مهرجانات وعقد ندوات تنسيقية بين رجال اللاهوت والقيادات السياسية لتفعيل الدور الوظيفي للنبؤة التوراتية في الحياة السياسية وخصوصاً تلك المتعلقة بشؤون الشرق الأوسط. عقدت هذه المنظمة عدة ندوات حضر إحداها الرئيس السابق رونالد ريغان. وقد درجت على إحياء الإفطار السنوي للصلاة من أجل "إسرائيل" باسم ما يزيد على 50 مليون صهيوني مسيحي في أميركا.

3 - منظمة جبل المعبد:
على الرغم من أميريكيتها إلا أن رئيسها "تيري رايز نهوفر" أقام مركزها الرئيسي في مدينة القدس. أبرز أهدافها يتمثل في "إعادة" بناء الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى. وتنشط في جمع التبرعات من الأثرياء الأميركيين لشراء العقارات المحيطة بالمسجد، ولتمويل عمليات الحفر تحته. بالإضافة إلى توليها دفع الرسوم القانونية وأتعاب المحامين الذين يدافعون عن اليهود المعتقلين بتهمة تخريب المسجد الأقصى. وقامت هذه المنظمة بإنشاء معهد في أميركا باسم "معهد البحث عن المعبد في القدس" ويُعد حالياً من المؤسسات الدينية المعفاة من الضرائب.

4 - منظمة الكنيسة المرئية:
تشكل الإطار الإعلامي التبليغي والتبشيري لحركة الصهاينة المسيحيين ونافذة إعلامية واسعة تطل على كل قطاعات المجتمع الأميركي، وهي تملك أوسع شبكة من المحطات الاعلامية المسموعة والمرئية. وقد تأسست في 19 أيار 1978، وتجذب نحوها ما نسبته 40% من مشاهدي التلفزيون في أميركا. ومن الأعضاء المؤسسين لهذه المنظمة القس "جيري فولويل" الذي أنشأ لاحقاً منظمة "الأغلبية الأخلاقية" التي قال فيها أحد مساعدي اليهودي الراحل مناحيم بيغن: "إنها أحد أعمدة إسرائيل في الولايات المتحدة الأميركية، وإن عددهم عشرة أضعاف عدد اليهود فيها" عدد اليهود في أميركا 6 ملايين ووفق تصريح الأخير يقرب عدد أعضاء "الأغلبية الأخلاقية" من الستين مليوناً. والحديث عن "الكنيسة المرئية" يجرنا إلى أن نفرد عنواناً فرعياً لتسليط الضوء على عراب الاعلام الصهيوني المسيحي، وأبرز النشطاء داخل أميركا وخارجها، ونقصد بذلك القس "باث - رودور - روبرتسون).

5 - ماذا عن باث روبرتسون؟: كاهن أميركي من أسرة هاريسون الأميركية وابن أحد الأعضاء السابقين في مجلس الشيوخ، مؤسس منظمة "الائتلاف المسيحي"، شارك في خوض معارك ريغان الرئاسية وتنظيمها، واستمر في نهجه في دعم جورج بوش الأب والابن، قُدرت ثروته في العام 2001 بحوالي 140 مليون دولار أميركي. (صحيفة الحياة 22 أيار 2001 ص‏10). يملك حالياً عدة شبكات من المحطات التي تغطي كل أخبار أميركا بالإضافة إلى 60 دولة أجنبية. وأبرز هذه الشبكات تلك المسماة "شبكة الاذاعة المسيحية" (C.B.N) التي تعتبر من أكثر الشبكات تطوراً في عالم التلفزة، وهي تصل إلى حوالي 30 مليون منزل أميركي، وتتفرع عنها أربع محطات تلفزة وشبكة سلكية، بالإضافة إلى قمر إصطناعي. من أهم برامجها وأوسعها انتشاراً البرنامج الاستعراضي اليومي المسمى "نادي السبعمئة"، وهو يستضيف شخصيات صهيونية مسيحية وأخرى يهودية أميركية "وإسرائيلية" قام "روبرتسون" في العام 1982 بشراء المحطة المسموعة في جنوب لبنان "صوت الأمل" والأخرى المرئية "تلفزيون الشرق الأوسط" من القس "جورج أونيس" أحد أبرز القياديين في "الكنيسة المرئية". وقد أقفلت المحطتان بعد إندحار الاحتلال اليهودي عن الجنوب اللبناني. ويُعتقد أن محطة (SAT7) ذات التوجه التبشيري المسيحي والتي تبث برامجها عبر القمر الصناعي الأوروبي Hotbird تعود إلى "باث روبرتسون"، وقد تم إنشاؤها في أواسط العام 2001، ومخصصة للناطقين باللغة العربية في الشرق الأوسط.

زيادة على ما تقدم فإن "باث روبرتسون" يملك جامعة في أميركا أسماها (C.B.N) وهي تضم مركزاً للدراسات التوراتية، إلى جانب مجموعة من الكليات المتخصصة المتنوعة، ويصدر عنها نشرة إخبارية تضم حوالي ربع مليون مشترك، وقد إعتاد روبرتسون على إفتتاح كل نشرة بالعبارة التالية "إسرائيل هي أمة اللَّه المفضلة"، ويتعرض فيها بالهجوم على العرب ويدعو إلى عدم السماح بقيام دولة فلسطينية "لأن لا مجال للعدل مع الفلسطينيين طالما أن رغبة اللَّه هي في تأسيس إسرائيل وفي تعيين حدودها"، وفي نشرة أخرى يقول "لقد أقسمت نذراً للَّه بأنه ورغم المعارضة لإسرائيل من حولي، سنقف بجانب إسرائيل مهما يكن..". هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لا يخفي روبرتسون نظرته العدائية للإسلام والمسلمين، ويعلن موقفه صراحة بعد أحداث 11 أيلول عبر برنامجه "نادي السبعمئة" بقوله: "إن الإسلام دين يدعو للعنف ويريد أن يسود، وإذا اقتضت الضرورة، أن يدمر". "وبالنظر إلى آيات قرآنية بمعناها الحقيقي، يتضح أن بن لادن هو على الأرجح أكثر وفاء لدينه من آخرين". ويختم كلامه بعبارة عنصرية مسمومة غايتها تأليب الرأي العام ضد المسلمين وتجريدهم من إنسانيتهم: "فلتنظروا حولكم، إلى جواركم جيران مسلمون، هناك مسلمون بيننا. قد يبدون طبيعيين وعقلاء، لكنهم في واقع الأمر ليسوا كذلك" (صحيفة الحياة - الثلاثاء 26 شباط 2002).

6 - الرؤساء الأميركيون صهاينة مسيحيون: "رأيت من منتصف الثمانينات على أن أوضح لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية ولكل فلسطيني وعربي التقيته بأن سعي المنظمة إلى كسب تعاطف الرئيس الأميركي هو وهم كامل لأن كل الرؤساء في العقود الأخيرة كانوا صهاينة مخلصين"!! هذا ما كتبه المطلع عن كثب على الوجه الآخر والخفي لرؤساء الإدارات التي تعاقبت على حكم البلاد، أستاذ الإنكليزية والأدب المقارن في جامعة كولومبيا د. أدوار سعيد وذلك ضمن مقالة له نشرت على ثلاث حلقات في صحيفة الحياة بدءً من 28 - 9 - 2000، وتحت عنوان "الصهيونية الأميركية: المشكلة الحقيقية". وفي هذا الإطار نود وضع النقاط على الحروف بالإشارة إلى مواقف هؤلاء الرؤساء الذين استحوذ على حسهم الإداري لقضية الصراع الشرق أوسطي البعد الديني بروافده التوراتية وتصوراته الخرافية ونبدأ بالرئيس "وودرو ولسون" وهو ابن قسيس إنجيلي يؤمن بأن اللَّه أعطاه فرصة تاريخية لتحقيق إرادة اللَّه بمساعدة شعبه المختار على "استعادة" الأرض التي خصه بها. وفي 31 - 8 - 1918 بعث ولسون برسالة إلى الحاخام "ستيفن وايز" يبلغه فيها موافقته على وعد بلفور بقوله: "اغتنم الفرصة لأعبر عن الارتياح الذي أحسست به نتيجة تقدم الحركة الصهيونية في أميركا والدول الحليفة منذ إعلان السيد بلفور باسم حكومته عن موافقتها على إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين".

والرئيس "تيودور روزفلت" أقدم على ممارسة ضغط على الحكومة البريطانية لحملها على التراجع عن قرارها بالحد من هجرة اليهود إلى فلسطين لأن في ذلك، وحسب تقديره، "عرقلة لإرادة اللَّه وتعطيلاً للتنبؤات المقدسة"، وعلى منواله ينسج الرئيس "هاري ترومان" الذي كان أول رئيس دولة في العالم يعترف بالكيان الغاصب في 14 - 5 - 1948 حتى قبل أن تطلب منه حكومة العدو ذلك بروتوكولياً. وقد اشتهر عنه قوله "إنه يحس بشي‏ء عميق له مغزاه في فكرة البعث اليهودي"، وعُرف عنه أيضاً تعلقه بالنص التوراتي القائل "لقد جلسنا قرب أنهار بابل وأخذنا نبكي حين تذكرنا صهيون". ومنه إلى الرئيس "جيمي كارتر" الذي خطب عام 1979 أمام الكنيست الإسرائيلي بقوله: "جسَّد من سبق من الرؤساء الأميركيين الإيمان بأن جعلوا علاقات أميركا مع إسرائيل هي أكثر من علاقات خاصة، إنها علاقات فريدة لأنها متأصلة في ضمير الشعب الأميركي نفسه وفي أخلاقه وفي دينه وفي معتقداته. لقد أقام في كل من إسرائيل وأميركا مهاجرون رواد ثم إننا نتقاسم معكم تراث التوراة".

بهذه العبارة نختم مقالتنا ونحن واثقون بناء على المعطيات الدامغة والملموسة بأن الرؤساء الذين توالوا على إدارة البيت الأبيض بعد الرئيس كارتر، ابتداء من رونالد ريغان وانتهاء بجورج بوش الحالي لم يكونوا أقل تشدداً في صهيونيتهم المسيحية التي تُرجمت ولا تزال دعماً مطلقاً وتأييداً أعمى للكيان اليهودي.

- بالإضافة إلى المصادر التي ذُكرت أعلاه يرجى مراجعة:
- البعد الديني في السياسة الأميركية تجاه الصراع العربي الصهيوني د. يوسف الحسن مركز دراسات الوحدة العربية.
- الصهيونية المسيحية محمد السماك عن دار النفائس.
- من يجرؤ على الكلام السناتور بول مندلي عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر.
- النبؤة والسياسة غريس هالسل ترجمة محمد السماك عن جمعية الدعوة الإسلامية العالمية.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع