نلا الزين
لكلِّ فرد من أفراد البشرية حاجته، وهو يجتهد لإشباعها بأي وسيلة، حتى الطفل يجتهد لإشباع حاجاته الخاصة. والدين يستجيب لمثل هذه الحاجات ويعمل على تهذيبها... من هذه الحاجات:
1- الحاجة إلى الحب والأمان:
وهذه الحاجة تمثل قاعدة أساسية لسلامة تربيتهم وتكيفهم مع محيطهم، لذا فاللَّه تعالى زرع في الإنسان المواكب لهذا الطفل- نقصد الأم والأب- هذه المشاعر والأحاسيس تجاه أولادهم ليحسنوا تربيتهم ومواكبة نموهم. وهنا نلاحظ أنَّ الأهل باستطاعتهم الارتقاء بمفهوم الحب والأمان لزرع حبِّ اللَّه تعالى في قلوب أبنائهم من خلال ما يغدقون عليهم من عاطفة تترافق مع كلمات الإيمان وذكر الرحمن لينمو هذا الذكر في أسماعهم ويصبح أنشودة حياتهم القادمة...
2- الحاجة إلى خبرات وتجارب
فاللَّه تعالى أودع في حياة الإنسان بشكل عام وخصوصاً الطفل حبَّ التعرف إلى ما حوله من أشياء وأشكال وألوان وهنا أيضاً يستطيع الأهل مواكبة هذه الحاجة عند طفلهم، ليزرعوا فيه حبَّ الاكتشاف والاستطلاع ليصل إلى مرحلة يسأل فيها عن الحياة وخالقها وصانعها وكيف تم تنظيمها ويوماً بعد يوم يشهد هذه الآيات العظيمة التي خلقها اللَّه تعالى ليعرف كيف ينفتح على ربِّه كما في الآية المباركة: ﴿سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَق﴾. إنها دعوة للانفتاح على آفاق الوجود التي تدل على قدرة الخالق وحسن تدبيره وعظيم شأنه وهذه الآية يمكن أن تنبت في النفوس والأذهان ابتداء من سني الطفولة الأولى.
3- الحاجة إلى التقدير:
كل فرد منَّا يشعر بحاجته إلى من يقدره ويثني على حسناته وسلوكياته وإبداعاته والطفل كذلك، يلتقي معنا في هذه الحاجة وهذا الشعور. حتى أن اللَّه تعالى كرم هذا الإنسان المخلوق: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ﴾ هذا الطفل يحتاج إلى تكريم لا يقف عند نظرتنا له بأنه طفل صغير لا يعي شيئاً، فإنَّ تكريم الطفل وإظهار تقديره يساهمان في تنمية قدراته واستغلال طاقاته في المجالات التي تنفعه صغيراً كان أم كبيراً. من هنا نجد أهمية هذه الحاجة عند الطفل التي من شأنها أن تساعد الأهل في زرع الإيمان باللَّه تعالى من خلال ما عاشه هو فاللَّه تعالى خالقنا وبارئنا والمنعم علينا والذي صورنا في أحسن تقويم لا بد أن نعيش شكره وتقدير نعمه وتكريم فضله قولاً وفعلاً.
4- الحاجة إلى الانتماء:
إنَّها حاجة مهمة فطر عليها الإنسان والطفل هو الذي يعيش الفطرة كما هي جلية وواضحة فهو الذي يعيش حاجته للانتماء العائلي والأسري ومن ثم الاجتماعي بكل ما في ذلك من آفاق ودلالات وكوامن، عقائدية- وسلوكية وذهنية وهذا الطفل يعيش انتماءه بشكل طبيعي، فإذا كان الجو الأسري يعيش انتماءً بدوره، في رحاب المبدأ الإسلامي والإيماني فذلك ينعكس على الطفل ليواكب أهله والمنتمين إليهم وهم يمثلون له قدوة حسنة ومباشرة أمامه يومياً.
5- الحاجة إلى الغني المطلق والقادر المطلق:
في نفس كل واحدٍ منَّا شعور بضرورة اللجوء إلى قوي ليس لقوته حد، وغني ليس لغناه حد وقريب ليس لقربه حاجز ومانع نحتاجه عند أشد الحالات صعوبة... والطفل كذلك يلجأ إلى أمه تارة وأبيه تارة أخرى وأخيه تارة ثالثة، لكنه مع الأيام يجد أن ما يلجأ إليه ضعيف بدوره لذلك فهو يحتاج إلى الأقوى والأغنى من هنا لا بد للأهل من زرع هذه المفاهيم وهذه المعاني فيه منذ الصغر ليذكروا أمامه دائماً حاجتهم للقرب من اللَّه لأنهم عباده الضعفاء ولأنهم الفقراء إليه، وذلك عبر جلسات الدعاء والمناقشة والحديث والاستفادة من بعض المناسبات التي تتناول هذه المعاني. وهناك من يرى أن التربية الروحية والدينية تبدأ مع الطفل في سن مبكرة فهو الأقرب إلى الفطرة التي فطرنا الله تعالى عليها، ولا تبديل لخلق اللَّه ذلك الذين القيم الذي لا زال صافياً لم يتكدر في فطرة الطفل ولم تقترب أدران الخطايا بعد لتلتصق في قلبه الأبيض النقي. ويكفي هذا الطفل أن نعيش ديننا ومفاهيمه سلوكاً عملياً أمامه ليقوم بدوره بالاقتداء بنا وسنة بعد سنة يبدأ بدوره بالأسئلة والبحث والتنقيب ليعيش رسوخ هذه المفاهيم والمعاني الإيمانية والروحية فيما بعد، فهذه البذرة عندما نزرعها... فإنها تنمو وتترعرع لتصبح شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كلَّ حين بإذن ربِّها.
هكذا هو الإيمان... فطرة... وقدوة... ورسوخ إيمان بعد تعقل وتدبر... وهذا يبدأ منذ الطفولة وينطلق مع مراحل النضج حتى يصل في نهاية المطاف إلى بناء قناعات راسخة... بعد ذكر هذه الحاجات، لا بد من اختيار الموضوعات التي تتلاءم وعمر الطفل ومرحلة نضوجه ونوعيه حاجاته ونسبتها ولا بدَّ من جعل مساحة هامة للقرآن الكريم، ليعيش الطفل معه مساحة من طفولة وصولاً إلى شبابه وإنتهاءً بتدبره على امتداد أيامه ولياليه وما قدر له من عمر وبقاء في هذه الحياة الدنيا...
أن التربية الروحية والدينية تبدأ مع الطفل في سن مبكرة فهو الأقرب إلى الفطرة التي فطرنا اللَّه تعالى عليها، ولم تقترب أدران الخطايا بعد لتلتصق في قلبه الأبيض النقي يمكن للأهل الأعزاء أن يعيشوا مع كتاب اللَّه بشكل يومي من خلال وضعه أمام ناظري الطفل وقراءته بشكل يومي وأن لا نجعله على رف عال لا يمكننا رؤيته بسهولة وينبغي أن لا نجعل الغبار يغطي صفحاته وغلافه فهذا يؤثر سلباً على نظرة الطفل لهذا القرآن العظيم والمصدر الأول والأساس لتربيته الإيمانية والروحية، وبعد ذلك يتمكن بدوره من قراءته والتعاطي معه عن قرب لا سيما إذا اخترنا بعض القصص المحببة في القرآن وذكرناها مع بعض الصور الموحية لتجذب الطفل لها...
ولا بدَّ أن نضع قاعدة أساسية أمام أعيننا لتكون في سلم أولوياتنا التربوية والسلوكية وهي: "الدين المعاملة" نحن الكبار نعيش هذه القاعدة فعلاً ونحب أن تطبق وأن نطبقها بدورنا كذلك، الطفل يحتاج هذه القاعدة سلوكاً وفعلاً أمامه ليعيش معنى الدين بشكل عملي ولا ينفر من بعض السلوكيات التي توضع تحت عنوان الدين والتدين... فعندما أريد أن ينشأ الولد على الصدق عليّ أن أراعي صدقي أمامه ومعه بشكل دائم لكي لا يعيش الفرق بين القول والفعل وتناقض المفاهيم... وعندما أريد أن أزرع حبَّ اللَّه في نفسه، لا بدَّ أن أعيش هذا الحب بدوري لتكون الصلاة شيئاً محبباً عندي وعبادة أساسية في يومي لما تمثله من علاقة قرب وخضوع بين يدي الخالق تعالى وأن لا أستهتر بها مهما كانت الظروف وأن أذكر اللَّه في السراء والضراء ليكون حبَّه هو الأساس والغاية ففي الحديث: "الإيمان ما انعقد عليه القلب وصدَّقه العمل". وفي حديث آخر: "الإيمان عقد بالقلب وقول باللسان وعمل بالجوارح".
أيضاً لا بدَّ من اغتنام بعض الفرص التي تجعل قلب الإنسان منَّا وخصوصاً الطفل طرياً وليناً وصافياً، خصوصاً مناسبات أهل البيت عليهم السلام لأنهم الأقرب إلى اللَّه تعالى نحتاجهم كما نحتاج الغذاء والماء والدواء، نسألهم عند الحيرة ونستفيد منهم لحظة التردد، ونتتلمذ عليهم حين الجهل... سواء كانت مناسبات فرح أو حزن ليعيش الطفل معهم... وإذا احتاجهم شاباً وكبيراً يجد أنهم زُرعوا فيه منذ الصغر... ولا ننسى أن نكون الأتقياء... الذين تطهروا من درن الخطيئات وإذا عادوا إليها عملوا على الاغتسال منها بماء التوبة ولكون التوابين... والمحبين... والمتضرعين، والخاشعين الذين يرجون رحمة اللَّه الواسعة ويريدون وجهه يعبدونه لا يعبدون سواه ويرجونه لا يرجون غيره كلها معانٍ نزرعها في نفوس أبنائنا لأننا الأمناء عليهم وعلى جنَّتهم... ﴿قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾.