نسرين إدريس
بطاقة الهوية
الاسم: حسين مهدي خير الدين
اسم الأم: سميرة السبع
محل وتاريخ الولادة: شمسطار 1966
الوضع العائلي: عازب
رقم السجل: 66
مكان وتاريخ الاستشهاد: جرجوع 5-2-1990
ثلاثة عشرة عاماً، والدمع المالح فوق جرح الذكرى يشقُّ جيب صدر سيّجه الصبر بتمتمات "الحمد للَّه"... ذكرياته لا تنتهي إلا بتنهيدة تحرق لواعج الفؤاد، شاب لم تمح تغييرات الزمان مكانه، فهو بنى عالمه الخاص المتمرد على كل الأزمنة في قلوب الناس...
لم يكن الحلم الذي رأته والدته وهي تحمل به وقد أخبرها رجل أنها ستنجب ولداً اسمه "حسين" هو فقط ما ميَّزه في حياته، بل كانت أهم مفاصل حياته موسومة بالتميز، فقد وُلد في العاشر من المحرم يوم استشهاد سيد الشهداء، وتوقد ذكاؤه منذ الطفولة: كثير الأسئلة، لا يقبل جواباً غير منطقي على استفهاماته التي لا تنتهي، وغالباً ما كان يسأل والدته عن حلمها، وسبب تسميته حسين، وكيف كانت ولادته والعديد من الأسئلة الدقيقة المثيرة للتعجب. كان حسين هو الولد الرابع في العائلة المؤلفة من ثمانية، وقد ولد في الكويت وبقي حتى ما يقارب السبع سنوات هناك، وعندما عادت العائلة إلى لبنان استقرت في إحدى ضواحي بيروت حيث بدأ حسين بالتعرف على مجتمع جديد أحب أن يكون جزءاً منه. استغربت الأم من ولدها "حسين" عندما بلغ العاشرة من عمره كيف بدأ بالصلاة لوحده، والقيام بالواجبات الدينية. التحق بالكشاف، وبدايات المقاومة تلوح مع أولى الثمانينات، والغدة السرطانية إسرائيل بدأت الامتداد على أرض لبنان، وراح بعض الشبان يهيئون أنفسهم لمواجهتها بالقليل من العتاد. كان حسين آنذاك يتابع دراسته، ويقوم بزراعة حقل قرب منزلهم ليساعد والدته في مصروف المنزل، فهو منذ صغره يعتمد على نفسه في السعي لتأمين حاجياته، وإذا كان أخوته أكبر منه، فذلك لم يمنع أن يكون هو رجل المنزل بغياب والده في السفر، فلم يستطع البقاء في مكانه وسارع للالتحاق بإخوته الذين اختاروا طريق المقاومة.
كانت والدته دوماً تعزو سبب تعلقها به، منذ صغره، إلى وعيه وذكائه، فهو طالب مجتهد اسمه يُدّون في لائحة الشرف، وفتى جميل الطلعة، هادىء إلى حد قد لا يتنبه المرء لوجوده في نفس الغرفة، لكن عندما كبر وبدأ يعمل ويُشار إليه بالبنان، ازداد تعلقها به وخافت عليه من كل شيء، خصوصاً من القول الشعبي المتداول بين عامة الناس "أبناء عزرائيل يختلفون عن غيرهم بكل شيء"...
أصبحت كيفما تطلب إليه أن ينتبه إلى نفسه، وقد بدأ تحركاً جديداً يطغى على اهتماماته غير الدرس في الثانوية أو زراعة الحقل، مقاومة المحتل. ولكنها لم تمنعه يوماً من حمل السلاح، بل ساعدته في رفد بعض الشبان بالأسلحة والعتاد بصمت وسرية كما طلب منها، ولم تعرف قط ماهية عمله ولكنها كانت تؤمن بما كان يقوم به، بل وفخورة به. على محاور بيروت، في الجنوب، في البقاع، خلف كل متراس حق، وقف حسين وقفة حسيني أبي ليكتب بعزمه أن أمة آمنت بالحسين لا يمكن أن تموت... تميّز بشجاعة فريدة، فهو لم يكن حتى يتمالك نفسه أثناء مشاركته في العمليات لينتظر دوره، فقد كان الشوق لمقاتلة اليهود متأججاً، وهو من أمهر رماة القاذف الذين عرفتهم المقاومة الإسلامية. وكلما شارك بعملية أو كمين احتفظ من الصهاينة ما يمكن أن يحتفظ به ليري الناس وهن العدو الذي أرعب العالم، وعندما يكون على المحور لا يتناول طعامه إلا في المتراس. لم يغمض له جفن، ولا استكان له بال وهو يتنقل من محور لآخر، يحرس الثغور، ويخدم المجاهدين، ولم تسمع منه أمه قط حديثاً عن الشهادة، ربما لأنه كان يدري أنها لن تتقبل هكذا حديث، ولكنه ردّد دوماً أن الموت هو الحقيقة الوحيدة الآتية لا ريب فيها.
حسين، الشاب المؤمن، كانت أمه في بعض الأوقات تتسلل ليلاً لتراه يصلي صلاة الليل، وتستغرب لطول مكوثه باكياً على سجادته متضرعاً للَّه، وفي كثير من الأحيان كانت تجده نائماً وهو ساجد، وفي شهر رمضان يسير في الشوارع الفقيرة ليوقظ الناس على الأسحار بصوته الملائكي...
لم يعرف أحد ماذا أراد حسين أو ماذا أحب أن يكون وإلى أين يريد الوصول، فسره في قلبه... ولكنه بصدقه وإخلاصه استطاع أن يسكن في قلوب كل من عرفه، وهو الذي كان يسعى ليل نهار لتأمين حاجيات الفقراء في زمن الحرب، ويخفي عن شماله ما تتصدق به يمينه، ولم تمنعه الحرب الطائفية المستعرة آنذاك من مساعدة بعض الفقراء من طوائف أخرى، وقد بقيت والدته بعد استشهاده تساعدهم وتستقبلهم في بيتها لما كانوا يكنون لحسين من محبة واحترام، ويخبرونها أنهم دوماً يُصلُّون له، لقد رأوا فيه مثال الإنسان الحقيقي، الإنسان الذي نبت في قلبه الدين المحمدي الأصيل. ومثلما اختار حسين طريق المقاومة سبيلاً في حياته، كان لا بدّ أن يدافع عن خياره بالغالي والنفيس، فوقف وقفة عز وامتشق سلاحه من غمد الإخلاص ليشهره بوجه الحقد، فاستأذن والدته كعادته قبل أن يتوجه إلى الجنوب وقبّل يدها طالباً رضاها، ورحل. مضى شهران على غيابه، وهي تتلقف أخباره من هنا وهناك، كان الانتظار مريراً، والشهداء يسقطون واحداً تلو الآخر، ونار القلب تستعر وهي تقف تارة على شرفة المنزل، وأخرى على ناصية الطريق صامتة محتسبة... إلى أن أخبرها ابنها أن حسين في طريقه إلى المنزل، فسارعت إلى السوق واشترت الطعام والحلويات التي يحبها، وعادت أدراجها راكضة خوفاً من أن يصل قبلها، غير أنها عندما وصلت قبالة البيت رأت شابين ينظران إليها ويتهامسان، عبرت البوابة ودخلت البيت، فسمعت صوت بكاء ابنها... أدركت حينها أنه لن يجديها انتظار بعد الآن.
لقد رحل حسين... قد تكون هذه الحقيقة الوحيدة التي لا مفر منها، لكن دمه استطاع أن يغير الكثير في أهله والمجتمع الذي عاش فيه ما عجز لسانه عن فعله، وتعزز الإيمان في ذلك البيت المعطّر بدم شهيد في مقعد صدقٍ عند مليك مقتدر.
من وصيته:
"أوصي إخوتي العاملين في حزب اللَّه أن يجاهدوا في اللَّه بأنفسهم وأموالهم، وأوصيكم بخط الجهاد الحسيني الصافي المتمثل بـ "لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر لكم إقرار العبيد"... ولا تحيدوا عن نهج الإمام الخميني لأنه النهج الصحيح، ولا تتبعوا الشرق أو الغرب في أقوالكم وأفعالكم ولبسكم، بل انتموا إلى ديننا الواسع الحكيم".
Togo
علي
2018-02-02 20:19:03
السلام على الشهداء السلام على الأرواح الطاهرة المطهرة رحمة الله الواسعة عليه وعلى جميع الشهداء