مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

آثار إقامة ولاية الفقيه‏

الشيخ نعيم قاسم‏


* الولاية العامة والولاية الخاصة
نجحت المرجعية الدينية في إبقاء باب الاجتهاد مفتوحاً، واستطاعت معالجة حاجات المكلَّفين لمعرفة أحكام تكاليفهم الفردية في الواجب والحرام والمستحب والمكروه والمباح، ولم تمس الشأن السياسي العام ومسائل الأمة إلاَّ بشكل جزئي ومحدود ومن قِبَل بعض المراجع في محطات تاريخية محدَّدة، من دون أن يتخِّذ هذا التدخل عنوان القيادة الفعلية والإدارة المستديمة للشؤون العامَّة للأمة، بل جرى نقاش واسع بين الفقهاء حول حدود ولايتهم، هل هي ولاية عامة تشمل شؤون الأمة؟ أم هي ولاية خاصة في دائرة الأمور الحسبية التي لا بدَّ من القيام بها في رعاية الأيتام ومتابعة بعض الشؤون الاجتماعية والعائلية والإنسانية المحدودة؟ وقد اتجه التطبيق العملي للاهتمام بالولاية في الأمور الخاصة. لكنّ‏َ ولاية الفقيه العامَّة لم تكن من المسائل الجديدة، فلقد قال بها علماء أعلام منذ القدم، كالشيخ المفيد، وشيخ الطائفة الشيخ الطوسي، ومن بعدهما المحقق الحلي في كتابه شرائع الإسلام، والمحقق الكركي والعلامة الحلي، والشهيد الثاني العاملي، والشيخ النجفي صاحب كتاب الجواهر، كما قال بها من المحدثين السيد البروجردي والسيد الكلبايكاني والشهيد السيد محمد باقر الصدر والإمام الخميني وغيرهم كثير. إلاَّ أنَّها لم تبرز بهذا الشكل وهذه السعة إلاَّ مع الإمام الخميني قدس سره، وذلك لسببين رئيسين:

الأول: مستوى الاهتمام بها من قِبَلِهْ، وتفصيلها في مجموعة من المحاضرات التي ألقاها أثناء نفيه في النجف الأشرف والتي بيّن رؤيته فيها، وقد جُمعت في كتاب‏''الحكومة الإسلامية''.
الثاني: التطبيق العملي بسقوط الشاه وقيام الجمهورية الإسلامية في إيران، وكتابة دستور مبني على الالتزام بالولاية كقاعدة أساسية في الحكم.

إذلم تكن ظروف العلماء والمؤمنين سانحة في السابق للتعبير عنها عملياً حتى في الأطر الأضيق من إقامة الدولة الإسلامية، لعدم وجود السلطة بأيديهم، أو عدم ملاءمة الأجواء المحيطة بهم لإعمال ولايتهم، فالأمر لا يقتصر على وجود المؤهل لولاية الأمر، بل يستلزم وجود المؤمنين الموالين الذين يكونون في مقام تطبيق أوامر ونواهي ولي الأمر في حياتهم العامة. إنّ‏َ تصدي الإمام الخميني قدس سره لولاية الأمر لم يسبقه مثيل منذ زمن الأئمة عليهم السلام، وقد حاز على الموقع بأهليته وجدارته الفقهية والسياسية بتوفر المواصفات المطلوبة في الولي الفقيه. وليس كل من تصدَّى بعنوان الولاية أو الخلافة أو الإمارة يستحق هذا الموقع بمجرد تصديه، وليس الولي على الشريعة من يحكم المسلمين كيفما كان براً كان أو فاجراً، فالأمر منوط بحسب هذا المنهج بمن يملك الكفاءة العلمية والقيادية.

* صلاحيات الولي الفقيه‏
أمَّا دائرة سعة ولاية الفقيه فهي شاملة للأمة بنظرة شمولية متكاملة في المجالات كافة، على المستويات الفكرية والسياسية والاجتماعية والجهادية الخ، ولها صلاحيات واسعة، يقول الإمام الخميني قدس سره: "فتوهُّم أن صلاحيات النبي صلى الله عليه وآله في الحكم كانت أكثر من صلاحيات أمير المؤمنين عليه السلام، وصلاحيات أمير المؤمنين عليه السلام أكثر من صلاحيات الفقيه، هو توهُّم خاطئ وباطل. نعم إنّ‏َ فضائل الرسول صلى الله عليه وآله بالطبع هي أكثر من فضائل جميع البشر، لكن كثرة الفضائل المعنوية لا تزيد في صلاحيات الحكم. فالصلاحيات نفسها التي كانت للرسول صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام في تعبئة الجيوش، وتعيين الولاة والمحافظين، واستلام الضرائب وصرفها في مصالح المسلمين، قد أعطاها الله تعالى للحكومة المفترضة هذه الأيام.

غاية الأمر لم يعين شخصاً بالخصوص، وإنما أعطاه لعنوان العالِم العادل" (1). ومن الواضح حجم الصلاحيات المنوطة بالولي الفقيه، فهو أمين على تطبيق الأحكام الإسلامية والسهر على النظام الإسلامي، واتخاذ القرارات السياسية الكبرى التي ترتبط بمصالح الأمة، وهو الذي يملك صلاحية قرار الحرب أو السلم، ويتحمل مسؤولية أمن الناس وأموالهم وأعراضهم في تحديد الأحكام العامة الواجب اتباعها ومراقبة تنفيذها، ويتصرف بالأموال الشرعية من زكاة وخمس وغيرهما، ويحدد ضوابط الدولة الإسلامية حال قيامها لتكون ملتزمة بالأحكام الشرعية ومراعية لمصالح رعاياها بما ينسجم مع الإسلام.

ولا يمكن تنفيذ هذه المهام بمباشرته الشخصية للتفاصيل كافة، وهذا ما يستدعي تفويض الصلاحيات لأفراد أو جهات، وتعيين الأفراد ومهماتهم في الدوائر العامة الكبرى والأساسية، وإمضاء الاقتراحات أو النشاطات أو الاختيارات التي تنسجم مع الإسلام وفقاً لتشخيصه. هذه الصلاحيات غير منفصلة عن الشروط التي يجب أن تتوفر في الولي الفقيه، وهي شروط تضمن الفقاهة على مستوى الاجتهاد للتمكن من استنباط الأحكام الشرعية، والقدرة السياسية والعملية لحسن الإدارة ومواكبة متطلبات المجتمع، والصفات الذاتية من العدالة والورع والتقوى التي تجعل الرادع الداخلي في العلاقة مع الله تعالى أساساً في المحافظة على الحدود الشرعية. فالمسألة لا تقتصر على الاجتهاد في الفقه، وفي هذا يقول الإمام الخميني قدس سره: "لا يكفي الاجتهاد المصطلح عليه في الحوزات، بل حتى ولو وجد إنسان هو الأعلم في العلوم المعروفة في الحوزات، لكنَّه غير قادر على تشخيص مصلحة المجتمع، أو لا يقدر على تشخيص الأفراد الصالحين والمفيدين من الأفراد غير الصالحين، ويفتقد بشكل عام للرأي الصائب في المجال الاجتماعي والسياسي والقدرة على اتخاذ القرار، فإن مثل هذا الإنسان يكون غير مجتهد في المسائل الاجتماعية والحكومية، ولا يمكنه التصدي لاستلام زمام المجتمع" (2).

* الآثار العملية للولاية
أولاً:
إقامة الجمهورية الإسلامية في إيران التي تُعتبر أول ترجمة عملية لنظرية ولاية الفقيه، ولم يقتصر الإيمان بالولاية على مجرد موافقة الأفراد أو الجماعات عليها، ولم تنحصر بمجموعة من دون أخرى من الشعب الإيراني، بل أصبحت جزءًا من الدستور الإيراني الذي حدَّد صلاحيات السلطات والجهات المختلفة ومنها صلاحيات الولي الفقيه، حيث يتبيَّن من المادة العاشرة بعد المائة ضوابط ووظائف وصلاحيات القيادة (3) وهي:
1- تعيين الأعضاء الفقهاء لمجلس صيانة الدستور.
2- نصب أعلى مسؤول قضائي في البلاد.
3- تولي القيادة العامة للقوات المسلَّحة(بما فيها نصب وعزل أصحاب الرتب العليا)، وإعلان حالة الحرب، والصلح، والتعبئة العامة، باقتراح مجلس الدفاع الأعلى.
4- إقرار رئيس الجمهورية بعد انتخابه من الشعب.
5- عزل رئيس الجمهورية مع ملاحظة مصالح البلاد(بناءً لالية محدَّدة).
6- العفو أو التخفيف من عقوبات المحكوم عليهم في إطار الموازين الإسلامية بعد اقتراح المحكمة العليا.

هذه الصلاحيات تجعل السياسات العامة للبلد مرتبطة بقرارات الولي الفقيه، وتترك المجال للسلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية وغيرها للقيام بواجباتها في التفاصيل وإدارة الدولة ورعاية شؤون المواطنين وحاجاتهم، بما يحقِّق الاستفادة من جهود الشعب الإيراني لإعمار بلده، وحمايته من الأخطار الخارجية، وبناء شبكة العلاقات العامة على المستويين الإقليمي والدولي ما ينعكس على دعم أهداف ومنطلقات الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

ثانياً: التصدي لإدارة شؤون الأمة على المستوى العالمي، ما يحقق قيادة مركزية تؤمن التنسيق بين الجهود المختلفة، وتحقِّق الفعالية الأفضل لتكامل الأدوار، وتستثمر القدرات والطاقات الكامنة في الأمة، وتبرئ الذمة للقيام بالواجب الشرعي. تنسجم قيادة الفقيه العالمية مع منهجية الإسلام: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ(الأنبياء/4) (107)، ومع دعوته إلى الوحدة التي تجد أرقى تجلِّياتها في وحدة القيادة،﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا(آل عمران/103)، ولا تخفى أهمية هذه المركزية في رسم السياسات العامة، وتحديد المسارات التطبيقية بما يتلاءم مع الظروف المختلفة.

فالولاية لا تتدخَّل في الجزئيات، ولا تتجاوز الخصوصيات، ولا تصادر أدوار الشعوب وفاعلياتها، بل تقتصر على الأطر التوجيهية الإجمالية لضمان استقامة المسيرة وتحقيق الأهداف الإسلامية الكبرى. وهي تنظر إلى الأمور من موقعها الشمولي، لتكون قراراتها في الحرب أو السلم، والمشاركة في الأنظمة السياسية أو عدمها، واختيار درب الجهاد العسكري أو الصبر، وتنشيط الدعوة والتبليغ لنشر رسالة الإسلام، وحماية المؤمنين من ضغوطات الانحراف وغير ذلك قراراتٍ محدِّدة للتكليف الشرعي على مستوى الجماعات والقوى والأحزاب والشعوب، ما يؤدي إلى تبرئة الذمة. فكما يحتاج التكليف الشرعي الفردي إلى المرجع لتحديد ما يُبرئ ذمة الفرد، يحتاج التكليف الشرعي للأمة إلى الولي الفقيه لتحديد ما يُبرئ ذمة الجماعة.

ثالثاً: وضوح الخطوات العملية لمجموعة من القضايا المعقَّدة: والتي كانت مثار جدل كبير حول المصلحة في التعاطي معها، خاصة لجهة آثار القرارات المتخذة بشأنها وفي حجم التضحيات المترتبة عليها، ومنها: قضية فلسطين، بين قائل بوجوب السكوت والتسليم للأمر الواقع بحجة العجز أمام الضغوطات الدولية، والقبول بالحد الذي يقرره الاستكبار العالمي حتى لا يتم خسارة كل شي‏ء، بانتظار تبدل الظروف والأوضاع، وبين قائل بوجوب الجهاد لعدم وجود حد للمطامع الإسرائيلية، وخطر التواطؤ العالمي، وقدرة المسلمين والعرب على منع التقدم في المشروع الإسرائيلي بالحد الأدنى وذلك من خلال هذه المرحلة، بانتظار تطورات إيجابية لمصلحة أصحاب الأرض، ومن خلال الاستنهاض الذي يستفيد من طاقات وإمكانات الأمة.

وقد أمر الولي الفقيه الإمام الخميني قدس سره ومن بعده الإمام الخامنئي حفظه الله بوجوب مواجهة المشروع الإسرائيلي، والجهاد لطرد الاحتلال، ما حسم الموقف الشرعي والخيار المبرئ للذمة، وقد التزم حزب الله بهذا الأمر، وهو الذي التزم بقيادة الولي الفقيه، وتابعت قيادة الحزب المسيرة الجهادية بالتفاصيل الميدانية والقرارات التفصيلية التي رأتها مناسبة، من ضمن الخط العام المقرر من الولي. فأثبت هذا المسار الجهادي قدرة تعبوية هائلة، وشحذ همم الشباب لتوجيه طاقاتهم في مواجهة مشروعه ضد الاحتلال، فتحقق النصر الكبير في أيار 2000 كنموذج لصوابية وحكمة الولاية، وتوفَّق الحزب بتسديد الله تعالى للنصر، بسبب الالتزام بهذا المنهج.

إنّ‏َ ولاية الفقيه ضرورة عملية لتستعيد الأمة مكانتها وحقوقها، ولتواجه التحديات المعاصرة الصعبة والمعقدة، ولتمنع الاستكبار من إلغاء وجودها وسلب خيراتها، ولتهيئ للأجيال فرصة المستقبل العادل والأمن.


 (1)الحكومة الإسلامية للإمام الخميني قدس سره 68.
(2)منهجية الثورة الإسلامية للإمام الخميني قدس سره ص 163.
(3)دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية علي أنصاريان ص‏104.


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع