إعداد: سلوى صعب
القضية الفلسطينية، أزمة العراق، التهديدات الأميركية للمنطقة، هموم المعيشة، الزواج، السكن، المشاكل مع الأهل، التحصيل العلمي، فرص العمل: عناوين كثيرة وهموم كبيرة تدور في أذهان الشباب من مختلف الأعمار وعلى كافة المستويات نتيجتها قلق من المستقبل في ظل حاضر ضبابيّ تتراكم فيه هذه المشاكل وتتداخل حتى تعيق الرؤية. كيف يتطلع الشباب للمستقبل؟ وكيف يعبِّر عن هواجسه ومخاوفه؟
* هموم تأمين المعيشة
"تردي الأوضاع الاقتصادية يدفعنا نحن الشباب للعمل (ليلاً نهاراً) في محاولة لتأمين المستقبل" هكذا يقول "محمد"، طالب العلوم الدينية رئيس مجلس الطلاب السابق في كلية الآداب الجامعة اللبنانية، وتوافقه الرأي "ميرنا"، الطالبة الجامعية المرتبطة بخطيب يعمل في وظيفتين في محاولة لتأمين بيت الزوجيّة المنتظر، في حين أن "ريبال" الطالب الثانوي يحاول توجيه أو تأطير طموحه الدراسي في اختصاص قد لا يرضي طموحه ولكن يمكن أن يؤمِّن له عملاً في المستقبل كي لا ينضم إلى قافلة العاطلين عن العمل. وليس الهاجس المعيشي مقتصراً على الرجال وحدهم بل يطال النساء أيضاً، ف"هلا" ربة منزل وأم، تعمل دواماً كاملاً لتستطيع تأمين حياة أفضل لأسرتها إذ أن راتب الزوج وحده لا يكفي. وهذا الهم ينتقل من الأهل إلى أبنائهم الشباب الذين يضطرون في معظم الأحيان إلى مساعدة عائلاتهم، الأمر الذي قد يحرمهم من السعي لتحقيق طموحاتهم العلمية والثقافية، والمطالعة وممارسة الرياضة، وكل ذلك ينعكس سلباً على أوضاعهم النفسية ويصيبهم بأزمات من المفترض أن لا تصيب الشباب في مقتبل العمر.
* الطموح العلمي
هم التحصيل العلمي هم آخر، فقبل أزمة إيجاد عمل بعد التخرج يبقى اختيار الاختصاص، أزمة لا يحلها طموح الشاب ورغبته، إذ أن هذا الطموح يتكسر ويتلاشى عندما يصطدم بأزمة الجامعة الرسمية التي لا تلبي هذا الطموح بسبب قلة الرعاية التي تنالها هذه الجامعة من الدولة، والتي تنعكس سلباً على نوعية الاختصاصات المتوفرة في ظل التقدم العلمي السريع، والحل هنا بالتوجه إلى الجامعات الخاصة أو بالهجرة إلى الخارج للالتحاق بجامعة أجنبية، وهذا الحل يقتصر على فريق من الشباب المقتدرين مادياً. هذه الصورة ينقلها بوضوح "محمد" الذي يتساءل عن سبب الاستهتار الرسمي بالمؤسسات التعليمية الرسمية: "تردي أوضاع الجامعة اللبنانية، عدم توفر مبانٍ لائقة، ضعف المستوى والفوضى السائدة في كثير من الكليات، يدفع كل شاب لديه طموح علمي معمَّق إلى الدراسة في الخارج، في الجامعات الأجنبية لعدم الوثوق بالجامعات المحلية في أكثر من اختصاص".
* الأوضاع السياسية المتردية
وتبقى أزمة الأزمات وأقسى التحديات والتي هي العامل المساعد لنشوء كل تلك الأزمات: الأوضاع السياسية السائدة والاحباطات التي تعيشها الأمة العربية منذ عقود، فالقضية الفلسطينية والاحتلال الأميركي للعراق يزيدان من قلق الشباب كما تقول "ديما" العاملة في الحقل الإعلامي، إذ لا يمكن التفكير بالمستقبل بمعزل عنهما. فهذه الأوضاع السياسية المتردية تبعث على الخيبة كما يضيف "محمد": "من خلال استسلام أكثر الأنظمة للخنوع والمذلة والتسليم لإرادة أميركا وغيرها، الأمر الذي يدفع ببعض الشباب لسلوك مبدأ اللامبالاة".
أما "حياة" فتعبر بوضوح واستطراداً لما يجري على الساحة الدولية من أحداث تشكل عامل احباط في حياة الشباب، فتقول أنه في ضوء سياسة الولايات المتحدة الأميركية الساعية للسيطرة على العالم، وبعد غزوها للعراق فإن أكثر ما يثير هواجسنا هو ما ينتظر الشعوب الأخرى ومصيرها بسبب هذه السياسة التي تحاول قولبة ثقافات الشعوب وتشويهها، والعمل على تجويفها وأمركتها... وتضيف حياة: "أن أميركا ومنذ أمدٍ بعيد أدركت أن أي غزو يبدأ بغزو العقول الذي يمرّ عبر طمس هوية الآخرين، فحتى يصبح العالم أميركياً من المهم أولاً إقناع الغير بتفوق الأنموذج المجتمعي الأميركي على كل ما عداه". وفي ظل هذه الأوضاع السياسية المتردّية، وما يزيد الطين بلّة أن الشباب اليوم يشعرون بأنهم مغيبون عن التعبير عن أفكارهم وآرائهم، الأمر الذي يقع على عاتق وسائل الإعلام التي تلعب في معظم الأحيان دوراً سلبياً في هذا المجال كما يقول "محمد" إذ أن برامج الشباب مغيبة عن شاشاتها، وإذا ما وجدت فإنها تقع في إطار الترفيه المفرط، وكأن الأمر مقصود لتمييع الشباب وإبعادهم عن القضايا الكبرى.
* بارقة أمل
ويبقى البحث عن بارقة أمل وإشراق وسط جملة الهزائم المتراكمة منذ احتلال فلسطين هو الدافع الايجابي لدى الشباب للتطلّع بشيء من التفاؤل نحو المستقبل، وهذه البارقة وهذا الإشراق، يتمثل في الانتصار الرائع الذي جرى في لبنان على أعتى وأخطر قوة هدّامة لشبابنا ومستقبلنا، انتصار المقاومة الإسلامية على إسرائيل، على أيدي الشباب أنفسهم. فكل هذه الهواجس والهموم لا يجب الركون إليها رغم خطورتها، ولا يجب أن نغرق في متاهاتها فتلهينا عن قضايانا الكبرى فنهزم نفسياً، وبهذا يهزمنا عدونا الذي استطعنا بشيء من التصميم والإرادة والإيمان الانتصار عليه مسجلين بهذا الانتصار وبأحرف من نار ونور صفحات عز سُطِّرت بالدم في تاريخ أمتنا.