قال تعالى:
﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُون﴾.
مرة أخرى حل موسم الحج.. مهوى قلوب المتدينين ونعيم الذاكرين وفرصة الصالحين. وعلى
هذه الضيافة العامة يشارك جمع قدموا من (كل فج عميق).
الانغمار في ذلك الجو الوضاء
من العبادة والخشوع واستحضار ذكريات الإسلام والبحث عن معالم العزة والفلاح التي
تسطع بها تلك البقعة المباركة سطوع الشمس من أعماق التاريخ في مقدمه ما تناله هنا
القلوب والعقول المتعطشة الواعية. هنا حيث يتحرر الإنسان ولو لمدة من كل ما يغله
ويدنسه ويتغفله، مع تجرده من ملبسه وزينته الجسدية، يغمر لباس الإحرام الموحد
الأبيض الأفئدة والأجسام بالطهر والصفاء والانسجام وينفتح السبيل لكل ما فيه الفلاح
الأبدي من رويه واستماع وفهم وتتفتح براعم الصلاح والمعرفة والاخوة الإسلامية
وتتجلى يد الهداية الإلهية.
هنا المعسكر الكبير للأمة الإسلامية حيث يتمرن الأفراد على أنهم يكونوا مع الله ومع
الناس وحيث يكسرون اغلال "الأنا" الكاذبة المشركة، ويرتبطون بالذات الحقيقية
والإلهية. هنا منطلق البراءة من جنود الشيطان والالتحاق بجنود الرحمن ومقر تجديد
العهد مع
﴿أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ﴾
والاستجابة لـ
﴿أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ﴾.
هنا ساحة تجلي الأمة الإسلامية الواحدة ومظهر العزة والمعنوية والقدرة البشرية
لجموع المسلمين. هذه الخصائص قد تبلور معناها أكثر في أيامنا هذه حيث بلغت المواجهة
بين الحق والباطل وقوى الخير والشر مرحلة خطيرة وحساسة. نداء نبي الرحمة يرتفع
اليوم أوضح مما مضى ودعوة الإسلام التي هي دعوة إلى العدالة والحرية والفلاح تعلو
بصلابة أكثر من ذي قبل. قطع الليل الاستكباري المظلم واستفحال الظلم والاستهتار من
جهة والجهل والخرافة والتضليل من جهة أخرى، كلها ظواهر جعلت البشرية محتاجة أكثر من
أي وقت مضى إلى نور الفلاح ومتعطشة إلى العدل والسلام والأخوة.
نداء
﴿تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ
إِلَّا اللَّهَ﴾ وهو نداء الرفض لطواغيت القوة والثروة ونداء حشد الصفوف أمام
الظلم والظالمين يناغي آذان وقلوب المقهورين والمظلومين أكثر فأكثر. وبشرى
﴿وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ
لَقَدِير﴾
تبعث فيهم الثقة والأمل. أول المجموعات البشرية المخاطبة بهذا الوحي الإلهي الشعوب
المسلمة. الصحوة الإسلامية هزت العالم الإسلامي نم شرقه إلى غربه وأعادت إليه
الإحساس بهويته وشخصيته ورفرفت راية العزة والعظمة الإسلامية في إيران. والشعب
الفلسطيني بتمسكه بشعار الإسلام قد أنزل اليأس والهزيمة بالصهاينة، الشباب في
البلدان الإسلامية دخلوا ساحة المطالبة بالأهداف الكبرى وشكلوا أمام المعتدين
والمستكبرين في العالم تهديداً كبيراً.
وعلى الرغم مما تعمد إليه مراكز الإعلام
الصهيونية والاستكبارية من عمليات اتهام وتحريف تمارسها ضد الإسلام ودعاته الشجعان
المضحين فإن الفكر الإسلامي الخالص المحمدي يبرز وجهه الناصع إلى العالم بالتدرج.
وسيعلم الجميع تدريجياً أن الإسلام دين العدل والحرية والفلاح، دين العقل والفكر
والعلم.