ه
الشيخ محمد توفيق المقداد
إن صحة صلاة أفراد الجماعة مشروطة بصحة صلاة إمام الجماعة
الذي يصلي الناس بإمامته، ومن هنا نجد أن الإسلام اشترط في إمام الجماعة شروطاً لا
بد من أن تكون متحققة فيه حتى تكون الجماعة صحيحة ومُجزية وحتى يترتب عليها الأمر
الكبير الذي كتبه اللَّه لمن يصلي جماعة. والشروط عديدة نعرضها بالتتابع مع تفصيل
كل شرط منها لكي تكون الصورة واضحة عند كل من يرغب بأداء صلاته جماعة.
1 - العدالة: وهي تعني أن يكون إمام الجماعة
ملتزماً بأداء كل واجباته الدينية وملتزماً بترك كل ما نهى الإسلام عنه، وهذا لا
يتحقق إلا إذا كان عنده القدرة الإيمانية والروحية التي تعطيه القوة على عدم ارتكاب
ما يخالف أحكام اللَّه في حق نفسه، ومن هنا عرَّفوا العدالة بأنها (الملكة
النفسانية الباعثة على الالتزام بأحكام اللَّه عزّ وجلّ)، وما يزيد في قوة العدالة
عند الإمام للجماعة إلتزامه بفعل المستحبات وترك المكروهات، لأن مثل هذا الأمر يزيد
من ثقة الناس بإمامهم الذي يقتدون به ويجعلهم مطمئنين إلى صحة الجماعة بنسبة أكبر،
وحتى قبولها عند اللَّه يكون بدرجة أفضل وأحسن. والعلامة الشرعية على العدالة هي
"حسن ظاهر الإنسان" في تصرفاته وأفعاله وأقواله، بحيث لا يصدر عنه أي فعل أو قول
يخالف السيرة الصالحة الملتزمة للإنسان المؤمن المرتبط باللَّه وبدينه، ولو سألنا
الناس عنه لقالوا (إننا لا نعرف منه إلا خيراً ولم نر منه أي فعل سيء). ومن هنا
فعندما نريد الصلاة خلف إنسان ما لا بد من إحراز عدالته، وهذا يمكن أن يتحقق من
خلال المعرفة الشخصية بالإمام أو معرفة أناس ملتزمين موثوقين يصلون خلفه، أو من
خلال الشياع بين الناس بصلاحية الشخص الذي تصلي الناس خلفه، ولهذا لا تجوز الصلاة
خلف مجهول الحال الذي لا نتمكن من معرفة عدالته لعدم حصول الإطمئنان بصحة الصلاة في
مثل هذه الحالة.
2 - صحة قراءة الإمام: أي أن يكون إمام
الجماعة صحيح اللسان قادراً على أداء الحروف من مخارجها فلا يتغير الحرف عند نطقه
ولا تتغير الكلمة عند لفظها كما هو عند بعض الناس الذين يلفظون "الراء" "غاء"، أو
"السين" "تين" أو "الضاد" "ظاد" وما شابه ذلك، ويتضح هذا الأمر أكثر عند غير
العارفين باللغة العربية، وعليه فإذا كان إمام الجماعة كذلك، فالصلاة خلفه في إشكال
من الناحية الشرعية، لأن الإمام في الصلاة يتحمل عن المأموم القراءة في الركعتين
الأوليَيْن أي الفاتحة والسورة بعدها فإذا كان هناك إشكال في قراءة الإمام فهذا
الإشكال يسري إلى صحة صلاة المأمومين أيضاً، لأن صحة صلاتهم من صحة صلاته. ومن
توابع هذا الشرط أنه لا تصح إمامة الإنسان الأبكم للقادر على النطق، لأن الأبكم غير
قادر على النطق أصلاً، فصلاته بنفسه لنفسه صحيحة، أما أن يكون إماماً للغير فهذا لا
يصح.
3 - القيام: بمعنى القدرة على الصلاة واقفاً،
فلو فرضنا أن الإمام كان لديه عذر عن الوقوف كمرض أو شلل أو كسر لا يتمكن معه من
الوقوف لا يصح أن يكون إمام جماعة للقادرين على الصلاة وهم واقفون، نعم لو فرضنا أن
الإمام كان قادراً على الصلاة من قعود، وكان المأمومون على شاكلته فيجوز لهم الصلاة
خلفه لأنهم متساوون معه في حالة العجز عن القيام، وهذا الحكم ينطبق أيضاً على
المضطجع على أحد جانبيه إذا أراد أن يكون إمام جماعة للقاعدين فلا تصح إمامته لهم،
نعم لو كانوا مثله في حالة اضطجاع فتصح إمامته لهم، لأن المعذور عن الصلاة من قيام
تصح صلاته لنفسه عن قعود لكن إمامته للقادر على الوقوف مشكل، كذلك القادر على
الصلاة من اضطجاع فصلاته لنفسه صحيحة أما إمامته للقاعد فهو مشكل أيضاً.
4 - تمامية أعضاء جسد إمام الجماعة: بمعنى أن
يكون إمام الجماعة سليماً من العاهات الكبيرة كأن يكون مقطوع اليد أو الرجل أو
بعضهما أو فاقداً لعين أو أنف وما شابه ذلك، فإمامة مثل هذا الإنسان لشخص آخر كامل
الأعضاء لا تصح، وإن كانت صلاة الإمام لنفسه صحيحة لأنه معذور، لكن عذره لا يسري
إلى المأمومين لتكون صلاتهم خلفه صحيحة.
5 - طهارة المولد: أي أن يكون إمام الجماعة
متولداً من أبويه بطريقة شرعية أي عن علاقة شرعية بين أبيه وأمه، فلو فرضنا أن إمام
الجماعة كان "ابن زنا" والعياذ باللَّه، فلا تصح إمامته للناس، وإن كانت صلاته
لنفسه صحيحة، كما يجوز الإقتداء بشخص إذا كان متولداً عن شبهة بمعنى (أن إنساناً قد
تزوج بامرأة ثم تبين أن العقد لم يكن صحيحاً، لكن هذا التبين كان بعد حصول الحمل أو
الولادة، فهذا المولود ولد شرعي ولا يمكن اعتباره في المقام "ولد زنا"، لأن أبويه
لم يقصدا فعل الحرام، بل قصدا الزواج المحلل لكن تبين أن العقد كان باطلاً لسبب أو
لآخر، فمثل هذا الشخص إذا مارس إمامة الجماعة فصلاة الناس خلفه صحيحة ولا إشكال
فيها).
6 - أن يكون الإمام إثني عشرياً: وهذا يعني أن
يكون الإمام معتقداً بإمامة الأئمة الإثني عشر عليهم السلام جميعاً، فلو كان لديه
شك في واحد منهم كانت الصلاة خلفه باطلة،ولذا لا يجوز الصلاة خلف الإسماعيلي الذي
يؤمن بإمامة إسماعيل بن الإمام الصادق عليه السلام ولا يؤمن بالإمام الكاظم عليه
السلام ومن بعده، ولا تجوز الصلاة خلف "الزيدي"، وهو الذي يؤمن بإمامة زيد بن علي
بن الحسين عليه السلام ولا يؤمن بإمامة الباقر عليه السلام ومن بعده، فضلاً عن
الصلاة خلف أئمة الجماعة من المذاهب الإسلامية الأخرى، هذا حسب الأصل. نعم هناك
حالات عديدة تجوز فيها الصلاة خلف أئمة المذاهب الأربعة الإسلامية غير الإسماعيلية
والزيدية من باب "التقية" (أي الخوف على النفس أو العرض أو المال) والصلاة هنا
صحيحة ومقبولة ومجزية، وكذلك تجوز الصلاة خلفهم من باب "المداراة" (أي الحفاظ على
وحدة الصف الإسلامي العام في مواجهة الكافرين وأعداء الإسلام)، ومن هنا يفتي
فقهاؤنا ومنهم سماحة الإمام الخامنئي "دام ظله" بحرمة الصلاة جماعة للشيعة في مكة
والمدينة في موسم الحج، حتى يصلوا جماعة مع بقية إخوتهم من مسلمي العالم بإمامة
الأئمة المنصوبين للصلاة في المسجد الحرام أو المسجد النبوي أو سواهما من مساجد مكة
والمدينة.
ويضاف إلى هذه الشروط الخاصة شرط "البلوغ"، فلو كان إمام الجماعة غير
بالغ لا تصح الصلاة خلفه لمن كان بالغاً، لأن غير البالغ ليس مكلَّفاً وإن كانت
صلاته صحيحة لأن الإسلام يشجع الولد على الإلتزام بالصلاة قبل البلوغ ليعتاد عليها
ولا تصعب عليه بعد بلوغه سنة التكليف، وكذلك من شرائط إمام الجماعة أن يكون
"عاقلاً" بمعنى أنه غير مجنون لأنه غير مكلَّف شرعاً في الأصل، ومن لواحق العقل أن
يكون الإمام ضابطاً لصلاته فلا ينسى كثيراً أو يسهو كثيراً مما يؤدي إلى بطلان
صلاته وصلاة المأمومين خلفه، إلا أن يكون المأمومون خلفه أو أحدهم يعينه على الضبط
حتى لا ينسى عدد الركعات أو يسهو في الأفعال. ولاستكمال هذا البحث نذكر بعض
استفتاءات القائد حول هذا الموضوع المهم المتعلق بصحة صلاة المأمومين حتى لا يقعوا
في الخطأ أو الإشتباه نتيجة عدم الإطِّلاع على الأحكام المتعلقة بشرائط إمام
الجماعة.
س 598: البعض من أئمة الجماعة قراءتهم غير صحيحة من ناحية مخارج الحروف، فهل
يتمكن من الإقتداء بهم من كان يؤدي الحروف من مخارجها بشكل صحيح؟ والبعض يقول إنه
يجب أن تصلي جماعة وبعد ذلك تعيد صلاتك ولكنني ليس لدي مجال للإعادة، فما هي
وظيفتي؟ وهل يمكنني المشاركة في الجماعة ولكنني أقرأ الحمد والسورة بإخفات؟
الجواب: إذا كانت قراءة الإمام غير صحيحة في نظر المأموم فاقتداؤه وجماعته باطلان،
وإذا لم يتمكن من إعادة الصلاة فلا مانع من ترك الإقتداء، لكن الإخفات في قراءة
الصلاة الجهرية بحجة إظهار الإقتداء بإمام الجماعة ليس صحيحاً وليس مجزياً.
س 596: التيمم بدلاً عن الغسل بالنسبة لإمام الجماعة وبسبب كونه معذوراً، هل
يكفي لإقامة الجماعة أم لا؟
الجواب: إذا كان معذوراً شرعاً فيمكنه الإمامة بالتيمم بدلاً عن غسل الجنابة، ولا
إشكال في الإقتداء به.
س568: هل يجوز الإقتداء بإمام الجماعة من دون معرفة واقعية به؟
الجواب: إذا أحرزت عدالته عند المأموم بأي طريق كان جاز الإقتداء به والصلاة صحيحة.
س 564: عندما تنعقد صلاة الجماعة في المسجد يقوم شخص أو أشخاص بالصلاة فرادى
بنية تضعيف أو تفسيق إمام الجماعة، فما هو حكم هذا الفعل؟
الجواب: فيه إشكال، إذ لا يجوز إضعاف صلاة الجماعة، ولا إهانة ولا هتك إمام جماعة
يعتقد الناس بعدالته.
س 603: أنا طالب علوم دينية فقدت يدي اليمنى على أثر عملية جراحية، وأخيراً عرفت
أن الإمام الخميني قدس سره لا يجيز إمامة الناقص للكامل، لذا أرجو منكم التفضل
ببيان حكم صلاة المأمومين الذين صليت بهم إماماً إلى الآن؟
الجواب: صلاة المأمومين الماضية، والذين اقتدوا بك مع عدم إطلاعهم على الحكم الشرعي
محكومة بالصحة، ولا تجب عليهم الإعادة ولا القضاء.
س609: هل تجوز الصلاة خلف السُّنَّة جماعة؟
الجواب: تجوز الصلاة خلفهم جماعة إذا كانت للحفاظ على الوحدة الإسلامية.
س9: كتاب مناسك الحج طبعة 2001، ص146.
ورد في بعض الإستفتاءات أنكم لا تجيزون إقامة الجماعات في الفنادق في مكة
المكرمة،فهل تجيزون إقامة الجماعة في المنازل والمساكن التي تنزل فيها الحملات
عادة، علماً أن هذه الحملات تستقل بالمنزل، وإقامة الجماعة فلا تشكِّل عند الحجاج
ذريعة لترك الصلاة في المسجد الحرام؟
الجواب: لا نجيز إقامة الجماعة في المساكن والمنازل أيضاً.