ديما جمعة فوّاز
"لا يمكن للشابّ في هذه الأيام أن يبقى أسير أربعة
جدران.. أن يبغض التكنولوجيا ويحاربها.. علينا كشباب وشابات أن نطوّر من أسلوب
تفكيرنا ونحطّم القيود التقليديّة.. أجل! علينا أن نثبت للجميع أنّ الإسلام لم يكن
يوماً عائقاً أمام الجيل الصاعد للانفتاح على الآخر. وماذا يعني أن نفتح حسابات على
الفايسبوك؟ ما الضيْر في التعارف والدردشات؟ كيف يمكن أن يؤذي ديننا وإيماننا بعض
اللايكات!". راجع محمود كلماته بدقّة، ووضعها "منشوراً" على الفايسبوك. وما هي إلّا
ثوان معدودة حتّى انهالت الإعجابات على فقرته وعشرات التعليقات المؤيّدة لها.
حمّست عباراته صديقه "حامد"، فأنزل منشوراً يؤكّد فيه على أقوال "عماد" ويدعو إلى
التحرُّر من التفكير المتحجّر الذي ورثناه، بحسب قوله، عن آبائنا.
فرحت كثيراً "سعاد" بكلمات الشباب وأرادت أن تثبت لرفاقها الافتراضيّين أنها
"منفتحة" وتواكب التطوّر. أنزلت صورتها على الفايسبوك وألحقتها بعبارة: أنا ملتزمة
ولكنّي لست متحجّرة!
أمّا "فريد" فتحمّس بشدّة، أنزل منشوراً ذكر فيه أسماء رجال دين مشاركين على صفحات
التواصل الاجتماعيّ ويطلب منهم أن يفتوا بجواز الدردشات أو ليرحلوا [حسب تعبيره].
"لينا" أيَّدت دعوة "فريد"، وبدورها أنزلت منشوراً تغمز فيه من قناة رجال الدين
وتعتبر أنّ مكانهم هو المسجد وليس صفحات التواصل الاجتماعيّ.
ميرنا وناهد وأحمد وكريم.. جميعهم أعلنوا الاستنفار ... إلخ.
بعد نصف ساعة، انتفض محمود عن كرسيّه حين سمع والده يناديه.. توجّه نحو غرفة
الجلوس، ليستقبل خاله الشيخ "أحمد" الذي سلّم عليه بحفاوة.. وبعد قليل، سأله خاله
مبتسماً: "هل تعرف يا محمود سبب هذه الحملة المسيئة لرجال الدين على الفايسبوك؟"
هزّ محمود رأسه مستنكراً واقترب من خاله هامساً: "لماذا؟ هل تطاول أحدهم عليك يا
خالي؟" أجاب الشيخ بابتسامة محاولاً التهدئة من مخاوف محمود: "ليس شخصياً.. ولكنها
عبارات تسيء لرجال الدين.. وتدعو إلى الانفتاح على الآخر وتلصق صفات غير لطيفة برجل
الدين". حينها التفت محمود إلى أنّ أغلب المنشورات التي فيها إساءة لخاله ولما
يمثّله هي لرفاق له.. شعر بالحرج وقال: "لقد وضعت منشوراً أدعو فيه إلى الانفتاح
وليس إلى التفلّت!". هزّ الشيخ رأسه بهدوء وردّد بألم: "الكلمة يا ولدي سريعة
التفاعل، خاصة على صفحات التواصل، فلتكن آمراً بالمعروف لا ناهياً عنه، ولتكن
داعياً إلى الخير ولا ترمِ جزافاً بأفكار يمكن للآخرين أن يسيئوا فهمها أو يحوّروها
بما يتناسب مع مفاهيمهم فتكون كمن يسنّ سنّة بغيضة دون أن يدرك ذلك".