مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

شهيد الدفاع عن المقدسات أمير عبّاس الصاروط


نسرين إدريس قازان

شهيد الدفاع عن المقدسات أمير عبّاس الصاروط (جواد الحسيني)
اسم الأم: سعادة مروّة.
محل الولادة وتاريخها: الكويت 4/1/1990م.
رقم القيد: 939.
الوضع الاجتماعي: عازب.
تاريخ الاستشهاد: 26/5/2013م.


لم يستطع حبس دمعات خنَقت روحه وهو يوصي أمّه.. فما إن نطقت شفتاه باسمها، وكأنّ وجهها لاح أمام ناظريه، وخُيّل إليه بكاؤها الصامت عليه، فبكى لبكائها، وهو الذي مذ كان طفلاً يمنعها عن البكاء، بل ويراقبها في كلّ اللحظات التي يعلمُ أن دمعاتها ستفرّ من عينها وإن على مشهد غير حقيقيّ، فالأهمُ أن لا تدمع عيناها.

* في يوم الرحيل
فكيف إذا ما حان وقت الرحيل, وكان لا بدّ للفراق من تسطير قدره على صفحات الحياة؟ يومها سلّم أمير على ملِكة قلبه، وأوصاها بنفسها خيراً. فإذا ما خرج وأغلق الباب خلفه، فتحه من جديد، وصار يودّعها وداع من لا رجعةَ له، وهي تردّ عليه ممازحةً، ونظرت في عينيه وقد لاح لها شيء غريب، فسألته: "أنتَ لا تمزح؟!"، أجابها: "لا... فإذا أردت البكاءَ على فَقدي، وهو حقّ لك، اغتنمي الأوقات التي تكونين فيها وحدك، واحفظيني في شهادتي كما حفظتِني في حياتي".

* رؤيا صادقة
ومضى أمير... ذلك الجنينُ الذي انتظرته بعد حلم جميل دغدغ روحها، ولامس بنبضه قلبها، فقد رأت أنّها بالقرب من سرير أبيض جميل، فيه طفل لها اسمه أمير، ولم تكن حينها تعلمُ جنس الجنين، فانتظرت أميرها، فإذا ما بلغت الشهر السادس من حملها، أنبأتها رؤيا ثانية بأنّ لها ابنة اسمها أميرة، فتحيّرت في أمرها، وقصدت الطبيبَ الذي أبلغها أنّها ستنجبُ توأمين، فرُزقت بـ"أمير" و"أميرة".

كانت العائلة آنذاك تعيش في الكويت، حيث يعملُ الأب ممرِّضاً، ولكن اجتياح القوّات الصدّاميّة للكويت قَلب أحوال العائلة، وضيّق الخناق عليها، وخُيّرت بين النزوح إلى بغداد، شرط تغيير اسم الطفلين أمير وأميرة إلى اسم يناسب الحكومة العراقية، ظنّاً أن التسمية جاءت تقديراً لأمير الكويت، أو العودة إلى لبنان، فما كان من الأب إلّا أن حمل أولاده الأربعة وقَفل راجعاً إلى بلده.

في محلّة تحويطة الغدير - المريجة نشأ أمير، وكان ذا روحٍ شفافةٍ وقلبٍ طيّب، وتميّزت علاقته بأخته ووالدته بكثير من الحبّ والودِّ. ولم يكن يَخرج أمير عن طور هدوئه إلّا إذا تعرّضت إحداهما لموقف مؤذٍ، فلا يردعه شيء عن تلقين مَن تسبّب لهما بأذى أو إزعاج درساً لا ينساهُ.

* الوعاء خيرٌ وعطاء
أمام مرض والده، وجد أمير نفسه كما إخوته، في موقع المبادرة للمساعدة، فكان يقسّمُ وقته بين الدراسة ومساعدة والده في الدكان، وما كان يدّخره من مال لا يصرفه على نفسه، فقد كان يؤلمه حال أبناء النواطير في الحي، فتراه يجمعهم ويعطيهم دورساً في القراءة والكتابة والقرآن الكريم، وينتظر العيد ليعطيهم ممّا ادخره عيديةً لهم، أمّا ملابسه فينتقي منها الأجمل والآنق ليوزعها عليهم بحجّة أنّها صغيرة على مقاسه.

حبُّ الخير للغير هو الوعاء الذي نبتت فيه روحه، فلا يقوم بعمل إلّا وله جنبة من العطاء.

* شجاعة لا تخطر بالبال
لم يكن يخطر ببال أحد أنّ هذا الوجه، صاحب الملامح الرقيقة، والروح الجياشة بالعاطفة، يحملُ من البأس والشجاعة ما لا يخطر في بال أحد، وخصوصاً والديه.

وما ظهر منه وهو في العاشرة من عمره أذهلهما، فبينما كان يقوم بتنظيف الدكّان لوالده، دخل شاب يُعرف بسوء خلقه، وتشاجر مع الوالد وحاول أن يتطاول عليه لولا أنّ أميراً ابن العاشرة قفز ووقف حائلاً بينهما، فاستهان الشابّ بالطفل الذي لقّنه درساً جعله يخرج من المحلّ وهو يستشيط غضباً، فاستعان برفاقه وقفل راجعاً لمواجهة أمير. فلما رأى الرفاق أنهم جاؤوا لأجل طفل، انزعجوا وانقلبوا على صاحبهم! فما ناله من ضرب كان يستحقّه.

* الشهادة منيةُ الروح
التحق أمير بأولى دوراته العسكرية بُعيد حرب تموز 2006م. ومنذ اللحظة الأولى، كانت الشهادة منيةَ روحه، ولم يخفِ سعيه وشوقه لها. غير أنّ ما يضمره كان أكبر بكثير ممّا باح به، ولكنّ ما شغل باله وحمل همّه، هو حزن أمّه عليه، فعمل جهده لأن تتقبّل فكرة بُعده ورحيله عنها.

التحق أمير بصفوف المجاهدين في سوريا، وصار الغياب جزءاً من عمله، وعندما كان يعود، كان يردّد في المنزل، وبأعلى صوته: "قومي أمّاه واندبيني والطمي الصدرَ"، ويتعمّدُ ذلك لتسمعه أمّه وهي ترتّب البيت، ولم يترك أيّ فرصة تفوته ليذكّرها بأنّ بينهما موعداً للرحيل.

وكان عيد الأم... زرع أمير كلمات معايدته لأمّه في روحها، فما إن قرأت كلماته التي تفيض حبّاً وحناناً حتّى تمنّتْ لو أنّها تذوب وتصير حبراً مرسوماً بقلم حبيبها... أميرها الذي سرعان أن رحل ولم يعد، وكلّما خنقها الشوق فتحت تلك الورقة: "أجمل الأمهات التي انتظرت ابنها... وأنتِ دائماً تنتظرينني... هنيئاً لأمهات الشهداء... شهيدك أمير..".

* يا زهراء... نهاية الكلام
لم تكن شهادة أمير عادية، فبعد أن زار مرقد السيدة زينب عليها السلام وطلب منها حاجته، انطلق إلى معركة طويلة وقاسية قاربت السبعَ عشرةَ ساعةً متواصلة، فجلس ورفاقه يستريحون قليلاً قبل الجولة الثانية، فاقترح عليهم شرب الشاي وقال لهم: "لندعُ الله أن يرزقنا الشهادة هذه الليلة، وعسى أن أكون أوَّلكم فهذه ليلة وفاة سيدتي زينب عليها السلام". ودوى صوت قذيفة قريبة منهم، فتفرّق الرفاق، وعندما انجلى الغبار كان أمير يقفُ وهو ينظر يمنةً ويسرةً ويتحدّثُ مع السيدة الزهراء عليها السلام، وسجد يناجيها في سجوده الذي طال وصرخ: يا زهراء... فظنّ رفاقه أنّ الصمت الذي حلّ عليه إنّما هو بثُّ شكوى ولكنّ أمير أطال سجوده... فرفع رفاقه رأسه ليجدوا تحت فمه بقعة من الدماء وقد عرجت روحه إلى السماء.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع