مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

شهيد الدفاع عن المقدَّسات علي حسين ناصر (ثائر)


نسرين إدريس قازان

اسم الأم: أحلام دهيني.
محل الولادة وتاريخها:
الخرايب 1/8/1990م.
رقم القيد:
90.
الوضع الاجتماعي:
متأهل وله 3 أولاد.
تاريخ الاستشهاد:
1/11/2013م.


بعينيه الصغيرتين كان يراقب رحيل والده، في ذلك الطريق، ولم يفقه من هذا المشهد المتكرّر بين فينةٍ وأخرى سوى اشتعال شوق يُبدّل طباعه، فيميل إلى الصمت والهدوء بعد كثرة حركة ولعب لا يهدأ، وكأنّ مرضاً استوطن مفاصله، ولا يرجع إلى طبيعته إلّا وقد سمع وقع أقدام والده تقتربُ من المنزل... لم يتغيّر أيّما شيء في هذا المشهد، منذ نعومة أظافره إلى اشتداد عوده، سوى فهمه لذلك الغياب الذي كان يُعييه طفلاً، فصار يعنيه شاباً؛ فهل هناك من أبوّة أقدس وأرفع من أبوّةٍ تتخلّى طوعاً عن دفء البيت وضجيج الأولاد، لتسكن وعورة الجبال جهاداً في سبيل الله؟!

* يوم الولادة تجديد العهد
حينما فهم "عليّ" غياب والده، تجلّت الحقيقة أمام عينيه، وعرف أنّ هذا الخَيار بما يحمله من مرارة التعب والتضحية، إلّا أنّ حلاوته المعنويّة والروحيّة التي تورِقُ في الجنّة أجراً عظيماً، إنّما هو خيارُ الذين يرون الله تعالى في تفاصيل حياتهم كلّها. وعَلِم أنّ كل ما يعيشونه إنّما هو مرتبطٌ ارتباطاً مباشراً بكربلاء، فكأنّ تلك الأرض هي الرحم التي أنجبتْ هذه الثلّة من الرجال الذين ما رأوا الموت إلّا سعادة والحياة مع الظالمين إلّا برماً.

ولذا، لم يكن عيدُ مولده مناسبة للاحتفال، بل كان يوماً يجددُ فيه العهد، فقد ولد ليلة العاشر من شهر محرّم الحرام، ليكون يومه الأول في هذه الدنيا، يوم الحزن الكبير والفجيعة العظمى، وسُمِّي بـ "عليّ" تيمناً بـ"عليّ الأكبر" عليه السلام، فأخذ من هذه الشخصيّة العظيمة إكسير الشجاعة والثبات في أقسى مواقف الحياة.

* فرحة والديه سعادته
لم يكن خيار المقاومة سهلاً على العائلة، فما من ثمنٍ يدفعه المرء أغلى من ثمن وقوفه إلى جانب الحق. كان هذا الدرس الذي رآه "علي" بأمّ عينيه، وسمع عنه الحكايات، ولن ينساه حتّى آخر لحظات حياته.. فهيّأ نفسه للبذل دونما أي تردّد.

كانت المدرسة مكاناً لمع فيه ذكاؤه، وسعى فيه إلى تفريغ مكامن عقله، فالتزم الدراسة وبرع فيها، وكان يسعده فرحة والديه بنتائجه، إذ كان يعنيه أن لا يُخيّب أملهما، وإن كان في الحياة مواقف يصعب على المرء تجاوزها أحياناً، إلّا أنّ عليّاً كان يتحايل على تلك المواقف للتخفيف من وطأة الواقع، والخروج بأقل خسائر ممكنة.

مع والديه، وبين إخوته وأقاربه نشأ علي في بلدته "الخرايب"، وقد عشق المطالعة، فكان إن أمسك كتاباً وكأنه بحّار بين السطور، تتجلّى في ملامحه بعض الكلمات، فترسم استغراباً حيناً، وتترك بسمة أحياناً، وتارة يلهبُ السطور بزفرات الحسرات حتى يكادُ من يراه يشاركه إحساسه العميق بما يقرأ.

* انتصار في الجهادين
وتنقضي الأيام في عمره وقد حوت الكثير من التقلّبات، فبين حروب إسرائيليّة مدمّرة ضد مجتمع المقاومة وما تعلّم منها من ثبات وتضحية وإيثار، إلى حروب أخرى بالوكالة وما زرعت فيه من الحيطة والحذر الشديدين، مشى "عليّ" في طريق والده، وصار الغيابُ يلفّه هو الآخر.

فبعد أن التحق بالدورة العسكريّة الأولى له وهو في السادسة عشرة من عمره، سرعان ما أعاد الكرّة، ومن دورة إلى أخرى صار "عليّ" جاهزاً للمشاركة في النزال، وكم كان شوقه لذلك كبيراً، إذ إنّ ساحة المعركة هي مكان حصادِ ما يزرعه الإنسان في نفسه، فإمّا انتصار في الجهادين، وإمّا هزيمةٌ تُخسر الدنيا والآخرة. فانتظر "عليّ" دوره مع المنتظرين، ولم يكن في أفق العمر من حربٍ تلوح، وكم يتحسّرُ عاشق الجهاد على صمت الرصاص! وعلى حين غرّة من الزمن، صارت المعركة على مرمى حجرٍ من قلبه، فما ينتظره المرء من البعيد يكون في بعض الأحيان أقرب إليه من أيّ شيء آخر.

* ولّى وجهه قبلةً يرضاها
حانت المعركة، وكان "عليّ" قد صار أباً لثلاثة أطفال.. وكم يتغيّر المرء حينما يصير أباً، فجمال الدنيا يتجلّى في عيون الأبناء، وتعب العمر يُزهر فرحاً في أكفّهم الصغيرة، ولكن لا بدَّ لمن ولّى وجهه قِبلةً يرضاها أن يترك العيال لكي يرى الله، أوَليس هذا درس الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء؟! فمضى مع رفاقه للدفاع عن مقام العقيلة، وقد هانت عليهم نفوسهم.

ويوماً بعد آخر، لاحظ الجميع الغربة التي صار يعيشها "عليّ" كلما رجع من بلاد الشام إلى بيته، فكأنه وجد موطنه الحقيقي هناك بالقرب من المقام، حيث لا يملّ من إمطار التكفيريين بوابل من القذائف ليل نهار، حتى عندما أصيب في رأسه إصابة طفيفة، وكان في مكان بعيد عن المقام، رفض ترك مكانه والذهاب إلى المستشفى للعلاج والراحة، ولكنه بدّل رأيه بمجرّد أن عرف أن المستشفى بمحاذاة المقام فاستغلّ الذهاب إلى هناك للزيارة والتبرّك.

* انتهت أيام الانتظار
كان "عليّ" أباً عطوفاً وحنوناً على أولاده، وصار من حيث لا يشعر يشفق عليهم، وقد لاح اليتمُ على ملامحهم، فيهدّئ من روع قلبه بالتوكل على الله، وكلّما عاد من القتال، جرّب أن يعوّض عليهم ما فاتهم من أيامٍ بغيابه، فيلاعبهم ويهتمّ بهم، ولا يفوته أن يوصي زوجته ووالدته بهم.

قبيل انطلاقه في مشواره ما قبل الأخير، زار أخته الوحيدة التي حضّرت نفسها لزيارة المقامات المقدّسة في العراق، وقد حمل معه كفنه ليعطيها إيّاه فتباركه بالمقامات، وفعلاً قامت بذلك دون أن يخطر في بالها أنّه في زيارته المقبلة سيختم زياراته لها بأخذه كفنه الذي سيُلَفُّ به بعد أن نال مراد الشهادة إثر قذيفة رميت عليه، من قبل مجموعة من التكفيريين ذاقت مُرَّ رماياته.

انتهت أيام انتظار "عليّ" التي بدأها باكراً منذ صغره، فيما وقف على شرفة المنزل والدٌ وأمٌّ وأطفالٌ ثلاثةٌ ينظرون إلى الطريق نفسه، وهم يدركون أن ظلّ الحبيب لن يرتسم عليه، إلا كروحٍ قضت ما عليها في سبيل الحق.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع