مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مشاركات القراء: بُنيّ: لم تُكْتب لي، بل كُتِبتْ لك


زينب أحمد شمص


عن الشهيد مصطفى مرتضى(*) ووالده الجريح محمد مرتضى


لم يكن عام 1983م عاماً عاديّاً في صفحات أيام السيّد محمد مرتضى. هذا التاريخ كان علامة فارقة ما بين الموت والحياة، الجهاد والشهادة والعطاء.

*بين الشهادة والحياة
السيّد محمد من قدامى المجاهدين الذين انتسبوا إلى العمل المقاوم ضد الاحتلال الإسرائيلي في لبنان. وذات يوم، أثناء أدائه خدمته في ثكنة الدرك (سيّار الدرك) في مدينة بعلبك، تعرّضت الثكنة لغارة غاشمة أسفرت عن استشهاد العشرات من المجاهدين وجرح الكثيرين.

نُقل السيّد إلى المستشفى، ولم يتعرّف على هويّته أحد، فقد أصيب بجراح خطرة في أنحاء جسده كافة. ولشدّة جراحه فَقَدَ وعيه لمدّة طويلة، وأُدخِل إلى ثلّاجة المستشفى باعتباره شهيداً.

بعد ساعات وجيزة، لاحظ أحدهم بُخاراً فوق الكيس الذي يُغطّي وجهه وأدرك أن السيّد يتنفّس وأنه لا يزال على قيد الحياة.

وبهذه الحادثة بدأت مرحلة جديدة من حياة السيّد محمد في أُفق آخر. احتضنت عيناه لون الشهادة، وسلّم جسده المشظّى الروح لعشقٍ ملكوتي، إلّا أنّ الإرادة الإلهيّة أبت إلّا أن تعيدها إلى عالم الدنيا لتختار منها روحاً أخرى بعد حين.

بقيت الشهادة معراج حلم يختلج في نفس السيّد محمد. وبقلبٍ صابرٍ ونفسٍ قانعة تابع رحلة العلاج الطويلة جرّاء جراحه، واستمرّ مجاهداً في خط المقاومة، تنبض عروقه عطاءً ووفاءً. ونذَر في سبيلها الغالي والنفيس فتكلّل الجهاد بشهادة أزهرت في غصون العائلة.. إنه مصطفى أو "طالب" نجل السيّد محمد.

*قمر... في بيدر العمر
مصطفى... وعشرون عاماً أينعت سنوات الصبا، فالنجل الأصغر للسيّد محمد يجول على بَيْدَر العمر قمراً يرى فيه صورته ورسْمه وحلُمه واستمرار نهجه.
لو قدّر له أن يحيا لأتمّ مصطفى العشرين من عمره بعد أيام عدّة من استشهاده. وكان قد التحق بالجبهة مودّعاً إخوته ووالديه كعادته. إلّا أنّ الوداع الأخير كان له طعم آخر، تقول شقيقة الشهيد: "قصد منزلي وهو على عجلة من أمره، لكنه اختصّني وقدّم لي هدية، وسالت دموعي فضممته بشدّة... وكأنّ ناراً أوقدها إحساس الفراق في مهجتي، أخي، لا أريد منك هدية، أريدك سالماً تتألق في عتمات أيامي. ودّعني بابتسامة لم تفارق وجهه يوماً. غريب ذاك المرح الذي كانت تتّسم به شخصيته حتّى أثناء المعارك كما يروي إخوانه المجاهدون. جميل ذاك الاحترام والحبّ والودّ الذي كان يُغدِق به على والديه. ذاك الحنان الذي ألْهب وجيبَ قلب الأمّ الثكلى. وما جمال عينيه وبهاء الطلّة سوى انعكاس لروحٍ أيقنت أن الوصول لملكوت الحقّ ودرب السعادة الأبديّ مفتاحه الشهادة.

*في جنّة الشهداء
قضى مصطفى أثناء الهجوم على مدينة إدلب، وزُفّ عريساً إلى جانب رفاقه في جنّة الشهداء، فبيته الدنيويّ لم يكتمل بنيانه، استبدله بمنزلة في الآخرة يغبطه عليها الأولون والآخرون. استشهد "طالب" دفاعاً عن الحقّ وتلبية لنداء الدفاع المقدّس وتوشّحت أسرة السيّد محمّد بألوان العزّ والمجد والعطاء الذي لا ينضب.

من سيرة الأب إلى سيرة الابن، الخَطّ عنوانه جهاد ونصر وشهادة. ابتدأه الوالد وأتمّه الابن صبراً ختم به حياته بنيل الحسنيين، وأب هاج فيه الشوق لروح عاشت فيه وسكنت بين الضلوع. لكنه يستذكر كلام ولده وأنّه كلام يشبه ما خطّه عليّ الأكبر ورسمه القاسم، أن يا أبتاه أوَلسنا على الحقّ، إذاً لا نبالي أن نموت محقّين.

بُنيّ مصطفى، طريق اخترناها سويّاً، كُتبت لي فيها جراحٌ، وكتبت لك فيها شهادة. أمّا جراحي فقد زادها ألم فراقك ولهيب الشوق إليك. وأمّا ما يُبرِئها فأمنية... أن يُختم لي بما ختم الله لك".


(*) استشهد الشهيد مصطفى محمد مرتضى في إدلب بتاريخ 10/10/2015.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع