تحقيق: نانسي عمر
بين لَحْنٍ وكلمات، وبين مؤلّفٍ ومنشدٍ وملحّن ينشأ النشيد موجِّهاً رسالة معيّنة لجمهور معيّن؛ فأناشيد اليوم بغالبيتها إمّا وجدانية تناجي كلماتها الربّ القدير، أو ثورية تتحدّى عباراتها العدوّ، وتشدّ من عزم المقاومة وشعبها، أو قد يكون النشيد نشيد مدح للرسول وأهل بيته الأطهار عليهم السلام. وفي كلّ الحالات يضيع المستمع بين النشيد الإسلامي الأصيل بمعاييره الشرعية، وما هو مستحدث من أناشيد تُشابه في كلماتها أو ألحانها أو آلاتها الموسيقية المستخدمة أغاني الطرب المحرَّمة.
*بين مستمع ومراقب
وبين مَنْ جعل من نفسه رقيباً على شرعيّة هذا النشيد أو ذاك، ومَنْ لا يبالي إلّا لجماليّة النشيد وكم يبعث السرور في النفس، ينقسم جمهور الأناشيد، ليعبِّر بعضهم عن شوقه للأناشيد القديمة، بينما يرى بعض آخر أنها لا تجاري الموضة وأهواء جيل اليوم.
تقول رباب (26 عاماً): "بعيداً عن التعقيد، أنا أفضّل الاستماع لهذه الأناشيد المستحدثة التي تبعث ألحانها على السرور والفرح".
أمّا زهراء (21 عاماً) فترى أنّه لا يهمّ إن كان النشيد قديماً أو حديثاً، فالمهمّ أن يكون شرعيّاً وغير مشابه للأغاني المحرَّمة التي يستمع إليها أهل الطرب.
ويرى عليّ (29 عاماً) أنّنا بحاجة إلى استرجاع الأناشيد القديمة، لأنّها نموذج للنشيد الإسلاميّ الأصيل، ولأنّه يمكن للشخص أن يستمع إليها دون القلق من كونها غير شرعية.
وتعبِّر سارة (25 عاماً) عن استيائها من المنشدين الجدد الذين يصدرون أناشيد بعيدة كلّ البعد عن الشرعية والالتزام الدينيّ، بحيث تؤخذ معظم ألحانها من أغاني الطرب، وتشابه كلماتها أيضاً الأغاني المحرَّمة، وهو أمر غير مقبول شرعاً.
*الأناشيد رسالة سَلِسَة محبّبة
السيّد إسماعيل عبّاس (منشد في فرقة الإسراء) يعتبر أنّ النشيد عبارة عن رسالة موجَّهة للناس بطريقة سَلِسَة ومحبَّبة للأذن، وهي رسالة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام. لذا، يجب أن تشكّل في مضمونها درساً يستفيد منه الإنسان، كالأناشيد الوجدانيّة التي تنضوي في عباراتها التوبة والدعاء ومناجاة الخالق، والأناشيد الثوريّة التي توصل رسالة الصمود والتحدّي وعدم الرضوخ للعدوّ.
ويرى عبّاس أنّ النشيد يجب أن يبقى محافظاً على الشرعية من كلّ نواحيه، من الكلمات إلى الموسيقى والآلات المستخدمة، فالكلمات الغرامية ومواضيع الحبّ، مثلاً، غير لائقة لأن توضع تحت إطار النشيد الإسلامي. ويكمل: "أنا لست مع ما يُسمَّى بتطوير النشيد الذي يجعل منه نسخة من أغاني اللّهو والطرب. أمّا إذا كان تطوير النشيد ضمن الحدود الشرعية فلا بأس بذلك".
ويؤكّد السيّد إسماعيل عبّاس، بحسب خبرته الشخصيّة، أنّ جمهوراً كبيراً من الناس لا يزال يفضّل الأناشيد الإسلامية القديمة "الهادئة"، ويرفض الذين يصدرون الأناشيد المشابهة للأغاني في كلماتها وألحانها. وهنا يشدّد عبّاس على أنّه يجب أن نعمل على رقابة شرعيّة ذاتيّة على الأناشيد التي تصدر بشكل مستمرّ، كذلك أن تُعرض الأناشيد قبل نزولها إلى الأسواق على لجان فنيّة وشرعيّة تضبطها تحت الإطار الشرعيّ، وذلك تبرئة للذمَّة وكي لا يقع المستمع والمنشد معاً في الحرام.
*النشيد الملتزم
للمنشد محمود شاهين رأيه أيضاً في هذا المجال؛ حيث اعتبر أنّ النشيد الإسلاميّ هو النشيد الملتزم بالمعايير الشرعية، من حيث أداء المنشد والألحان المستخدمة والموضوع المطروح، إضافة إلى طريقة التسويق. وهي إنْ توفّرت، بحسب الأصول الشرعيّة، ساعدت على نجاح النشيد وتميّزه ووصول الرسالة المطروحة إلى الجمهور بالشكل المناسب.
ويرى شاهين أنّ النشيد في وقتنا هذا يتضمّن مواضيع اجتماعيّة عديدة لا تنحصر فقط بالإسلام، بل بالقيم الإنسانيّة والحياتيّة ككلّ. ويتابع: "الأناشيد التي تصدر حديثاً منها الراقي والمتميِّز ويحمل رسالة حقَّة، ومنها ما هو فارغ من أيّ معايير ممّا ذكرنا، أمّا تلك التي تشبه الغناء المحرَّم فهي على فتوى معظم العلماء محرَّمة، إذ لا يُطاع الله من حيث يُعصى".
*القاعدة الأساس
ويرى شاهين أنّ الناحية الفقهيّة في موضوع الأناشيد معقَّدة قليلاً، ويعود السبب إلى "أنّ الفقهاء يعيدون تحديد شرعية النشيد إلى المستمع نفسه، لأنّ النشيد الذي يطرب شخصاً ما قد يكون عادياً جداً بالنسبة إلى آخر، ورغم ذلك تبقى القاعدة الأساس أنّ كلّ ما يشابه مجالس اللّهو والفسق والطرب هو محرَّم شرعاً". ويكمل: "من الأفضل أن تكون هناك لجنة شرعيّة مختصَّة في هذا المجال لضبط ما ينزل إلى الأسواق، لأنّ العديد من المنشدين - مع الأسف - أضاع البوصلة". ويشدِّد محمود شاهين، في الختام، على ضرورة احترام المنشد المعايير الفنيّة للنشيد، فيقدّم للمستمع عملاً راقياً يليق بالرسالة التي يحملها النشيد.
أمّا رسالته إلى المنشدين، وخاصّة الجدد في مجال الإنشاد، فهي أن ينتبهوا جيداً للمسألة الشرعيّة، لأنهم أمام مسؤولية تبليغيّة من نوع آخر.
*رأي الدين
معايير النشيد الإسلاميّ يشرحها لنا فضيلة الشيخ نجيب صالح، معتبراً أنّ "النشيد ينقسم إلى كلمات ولحن، بحيث تكون الكلمات ملحّنة عبر الحنجرة والصوت أو عبر الآلات الموسيقيّة المختلفة. فالنشيد الإسلاميّ ينبغي أن تتوافر فيه بعض الشروط كي يكون جائزاً ومباحاً، أوّلها أن تقدّم الكلمات رسالة إسلاميّة واضحة، لا أن تكون كلمات لهويّة أو غير لائقة أو مثيرة للفتنة أو تحتوي على كذب، ما يضرّ بمضمون النشيد.
أمّا بالنسبة للموسيقى فيجب أن تكون بعيدة عن الموسيقى التي تُسمع في مجالس اللّهو والطرب، وأن لا تكون الآلات المستخدمة غير شرعيّة. وهذا يحصل اليوم بشكل ملفت، بحيث أصبحت الأناشيد مشابهة إلى حدٍّ كبير لأغاني الطرب واللّهو".
ويقدّم الشيخ صالح الأناشيد الثوريّة كمثال للنشيد الجائز والمباح (مع توافر الشروط الشرعية) والذي يقدّم رسالة قيِّمة ومفيدة ويحتوي على مضامين حقَّة. وفي هذا الإطار يحذر صالح من استخدام ألحان الغناء والطرب وإسقاطها على مضامين حقَّة كالمقاومة أو مدح الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام.
*نحو ترشيد الأناشيد
ويرى الشيخ صالح أنّ الجمهور قد يطلب النشيد "المودرن" الذي يتضمّن مقاربة لمجالس اللّهو والطرب، وهذا يعود لميل النفس البشريّة للّهو والسرور والدّعة. ولكن هذا لا يشكّل مبرِّراً لهم للذهاب نحو الأغاني الطربيّة أو إلى شرعنة الأناشيد المشبوهة التي لا تتميَّز عن الأغاني اللّهويّة المحرَّمة.
ويدعو الشيخ نجيب صالح إلى ترشيد الأناشيد، وإعادة إحياء النشيد الأصيل البعيد عن الشبهة الشرعيّة. وهنا يؤكّد على ضرورة مراقبة الأناشيد، وخاصّة تلك التي تُعرض في المناسبات الإسلاميّة وفي احتفالات عامّة وعلى شاشات التلفزة، على أن تكون المراقبة من قِبَل مجموعة من العلماء المختصّين، كي يكون المنشد بريء الذمَّة في ما يصدر، والمستمع في ما يسمع. وتبقى الكلمة الأخيرة من الشيخ صالح للفرق الإنشادية حيث ختم بالقول: "انتبهوا للمسألة الشرعيّة عند تأليف أو تلحين أيّ نشيد، واعرضوه على مراقبين فنيّين وشرعيّين قبل عرضه في الأسواق".