نسرين إدريس قازان
اسم الأم: سكنة يعقوب
محل وتاريخ الولادة: حولا 30/6/1978
الوضع الاجتماعي: متأهّل وله 6 أولاد
رقم السجل: 163
تاريخ الاستشهاد: 25/5/2013
ليس هناك أجمل من العيش بين أحضان الطبيعة، فيتعلم المرء منها الحياة، وتصير فصولها مدرسةً له، فإنْ هبّت رياحٌ عاتيةٌ كان صلباً، وإنْ مرَّ نسيمُ الصيف حمَدَ وشَكَر.. وفي مواسم الزرع المعنويّ أجادَ حرث روحه، فزرعها بما يحين قطافه، يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلّا منْ أتى الله بقلبٍ سليم.
وسلامة القلب هي ما حافظ عليه حسين في حياته، فكان يخشى عليه من لوثة الأيام، وخصوصاً أيّام الرخاء، فكان يعيش مع نفسه حالةً من الترقُّب والتربُّص؛ فالإنسانُ ينسى في طريقه أنّه رهينةُ زلّةٍ واحدةٍ، قد تودي به إلى ما لا تُحمد عقباه.
* ابتسامةُ رضى
لم يكن ساعِدُه قد اشتدّ عندما نزل حسين إلى ساحة المعركة مع نفسه، بل كان لا يزالُ طفلاً لم يتعرف إلى الحياة ليخبرَها. وفي عمر اثنتي عشرة سنة بدأ السير في شوارع قريته "حولا" باحثاً عن عمل، فيما أقرانه يلعبون ويلهون أو يذهبون إلى مقاعد الدراسة. أمّا هو فقد رافق والده إلى ورش البناء. وبساعديه بنى سفينته التي أبحر فيها. زاده فيها إيمانٌ فطريٌّ حمَلَه قلبُه، فتراه يتوقّف عن عمله ليؤدّي صلاته في أوّل وقتها. ولا يؤخِّره تعبٌ ولا إرهاقٌ عن الذهاب إلى المسجد لصلاة العشاء.
*منعٌ واعتقال
ما إنْ لاحَ الشبابُ على محيّا حسين، حتى بدأت مرحلةٌ جديدةٌ في حياته، فهو في بلدة محتلّة، و"ميليشا لحد" تُخيِّر الشباب بين المعتقل والتعامل مع العدو. وبالطبع كان المعتقلُ هو خيار حسين. ولأنّه ابن منزلٍ معروفٍ بمناهضته للاحتلال وحبِّه للمقاومة، كان من الطبيعي جدّاً أن تحوم حوله الشبهات، فكان حسين من أبرز الشباب الملاحقين بسبب عبوةٍ هناك أو اتّهامٍ بالرصد لصالح المقاومة. وقد مُنع من التجوُّل أو حتى الخروج من البلدة، ناهيك عن أنّه قد أُوقِف مرّاتٍ عدّة، واعتقل عشرات المرّات لفترات قصيرة في سجن عيترون، إلى أنْ أُودع معتقل الخيام بعد اتهامه بشكلٍ مباشرٍ لمشاركته في عملية رصد في وادي السلوقي، حيث نفذّت مجموعة من المقاومة الإسلاميّة كميناً دارت فيه اشتباكات عنيفة مع العدو الإسرائيلي، استشهد فيها كل من الشهداء: أحمد فوعاني، رضوان دوغا، وحسين قبلان.
*واكتملت الفرحة
مرّت الشهور بطيئةً في معتقل الخيام، حيث ذاق حسين صنوفاً من مرارة التعذيب، ليخرج بعد سنةٍ ونصف تقريباً. وما هي إلّا أيّام وتحرّرت القرى المحتلّة بسواعد المقاومين البواسل، فشارك المجاهدين بتطهير المواقع وسحب الغنائم.
*فكرٌ وقّاد وبصيرةٌ نافذة
ربّما لم يكمل حسين تعليمه الأكاديمي، ولكنّه حمل فكراً وقّاداً وبصيرةً نافذة، فكان لا يخطو خطوة قبل أن يدرسها من جميع النواحي، ويفكّر مليّاً بما عليه القيام به. وهذا كان سبب نجاحه وتوسعة رزقه، فلم يتكاسل عن السعي في الكدّ. فاشتغل ليل نهار لأجل تأمين حياةٍ لائقةٍ بعائلته. ولم يكن همُّ تأمين معيشتهم شغلَه الشاغل، بل حمل همّ تدينهم وتربيتهم وتنشئتهم على التعاليم الإسلامية الصحيحة، فكان يشاركهم البرامج الإيمانية التي وضعها لنفسه، ويوقظهم بلطف في كلّ يوم، واحداً تلو الآخر، لأداء صلاة الصبح بعد أنْ يكون قد فرغ من صلاة الليل، فينتظر شروق الشمس ليملأ روحه بنقاء هواء الصباح العليل.
*متابعةُ المسيرة
ما إنْ خرج حسين من معتقل الخيام حتى التحق بصفوف التعبئة العامة في المقاومة، وخضع لدورات عسكرية عدّة. وكم تحسّر على أنّه لم يُوفَّق للعمل العسكريّ إبّان الاحتلال، بل اقتصر دوره على العمل المعلوماتيّ، غير أنّ حرب تموز 2006 أيقظت فيه حلم الشهادة التي طالما شغف قلبه بها، فرابط في القرية طوال فترة الحرب، وساعد في سحب جثامين شهداء سقطوا في المعارك منهم رفاقه.
*أعظم الفرائض
تميَّز حسين بجرأته، فكان من أبرز المتصدّين لبعض الظواهر غير الأخلاقية، ولم ينظر إلى الأمر وكأنّ لا شأنَ له به، بل على العكس، فقد اعتبر السكوت عنها يشجّع على نشرها في بيئته ومجتمعه وبيته، فتصدّى لها، وحاربها ووقف بوجهها، غير عابئ بالأثمان المعنوية الكبيرة التي دفعها، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أعظم من أي ثمن ونجح في درئها وتحجيمها.
*وقل ربِّ ارحمهما
وبهذه الروحيّة المخلصة والصابرة والساعية إلى الله، قصد حسين الجبهة لمواجهة التكفيريين. وكلّما كان يحين موعد غيابه كان يوصي زوجته بوالده المريض الذي يسكن معهم، فكثيراً ما كان يحمل همَّ مرضه ووجعه والتخفيف عنه، خصوصاً بعد وفاة والدته بُعيد حرب تموز، حيث شعر والده بفراغ كبير في داخله، وهي التي كانت تحنُّ عليه وتخفّف من تعبه، وتفهمه من نظرةٍ واحدة.
*وارتقى شهيداً
كم تحسّر حسين في المعركة وقوافل الشهداء تمضي، فلم يكد يرجع من الجبهة حتى عاد إليها، عازماً على الرحيل، حتّى إذا ما دقّ نفير المعركة، تطاير الغبار بين الرصاص، وكان حسين من أولئك المضحّين الذين فتح الله لهم باب الجهاد، فكانوا حسينيّين. وارتقى مع ثلّةٍ من رفاقه شهداء، وأبى حسين إلّا أن يعود إلى قريته كزرعٍ يحتضنه تراب الأرض لينبت من جسده نصرٌ جديد.