نسرين إدريس قازان
شهيد الدفاع عن المقدّسات حسن فيصل شكر (ساجد الهاشمي)
اسم الأم: كرمة شكر
محل وتاريخ الولادة: النبي شيث 21/3/1989
الوضع الاجتماعي: عازب
رقم السجل: 62/15
تاريخ الاستشهاد: 19/5/2013
لم تكن المعركةُ تشبه غيرها من المعارك، فالقتال لم يهدأ طرفة عين، والمجاهدون لم يَهِنوا نبضةَ قلب. وفي قلب المعركة، كان ثمّة مهمّة صعبة وخطيرة أوكلت لأحد المجاهدين، ففاوضه حسن ليتبادلا المهام.
* على العهد.. بأن لا أعود
لم يعرف صديقه بماذا يجيب أمام إصراره الغريب، وحسن يحدّثه بأنه شاب عازب لا زوجة له ولا أولاد، على عكسه، وهذا يعطيه أفضليّة الذهاب. استغرب حديثه، فكل الأماكن غير آمنة، ولكن ثمة رجاء، لمع في عيني حسن، دفعه إلى القبول، وشعر صديقه بشيء غريب عندما ارتسمت ابتسامة صافية على تلك الشفتين اللتين سارعتا إلى حمد الله بعد أن سمعت أُذناه الموافقة.
نزل حسن إلى الميدان، ولم تكن الشجاعة والبسالة ما ظهرا منه فحسب، بل أشرق وجهه بنور جذب إليه أنظار رفاقه. وكلّما تقدّم ناحية الأعداء لوّح قائلاً لهم إنه على عهده بأن لا يعود.. وما هي إلّا لحظات، وبعد أن أذاق الأعداء مرارة المواجهة، قطفت رصاصة منه الحياة وهوى جريحاً، فهرع إليه الرفاق لإسعافه، وإذ به يلفظُ أنفاسه الأخيرة واسم جدته الزهراء عليها السلام يعطّرها.
* ابن مسيرة المجاهدين
حين رنَّ هاتف السيد فيصل والد حسن، كان وقتذاك يحضر حفل تخريج لدورات قرآنية، فأخبروه أن ابنه حسن مصاب، فأنبأه قلبه أن الله اختاره شهيداً. ولم يكن هذا الخبرُ بعيداً عن توقعاته، فهو ليس ابن مسيرة الجهاد، بل هو أحد مربي أجيال هذه المسيرة.
وأن ينال حسن الشهادة هو أمر ليس مستغرباً، فسيماؤه كانت تلوح في تفاصيل وجهه، لأنه شاب حدّد وجهة حياته بوضوح تام منذ أن كان صغيراً يرتعُ في ملاعب الطفولة. فابن قرية "النبي شيث" فتح عينيه على قصص الشهيد سماحة "السيد عباس الموسوي" وجهاده وتربّى بين أحضان الذكريات التي حفلت بها ذاكرة كلّ مَنْ حوله ومَنْ عايش السيد، وكأن تلك الأحاديث كانت المدرسةَ الأولى التي تعلّم منها، ناهيك عن أنه ابن عالم دين، وأمّه امرأة ملتزمة، فكانت البيئة المتديّنة الرحم الثاني الذي منه وُلد.
صلاة الجماعة التي ترنّ في أرجاء المنزل خلف الأب من أصوات الصغار، والدعاء الهادئ، ومرافقة الأب إلى أماكن عمله، كل ذلك ساهم في بناء شخصيّته الواعية والمطمئنة.
*ملتزماً... فمجاهداً... فشهيداً
وكان ثمة أشياء كثيرة، تميّز فيها حسن عن إخوته وعن أترابه، وربما أغلبها كان ظاهراً للعيان ومحطّ أنظار وحديث والديه. وقد سُمّي باسم الإمام الحسن المجتبى عليه السلام تيمناً وعلى اسم الشهيد "حسن علي شكر" الذي صادف استشهاده في تلك الفترة في مواجهة ميدون.
كان حسن في طفولته هادئاً، متأمّلاً ما حوله، وكبر من دون أن يشغَله ما يشغل الأطفال من لعب ولهو إلّا قليلاً، ولهذا كان تأمّله محط استغراب، فقد كان يتعلّمُ بصمت ويبني حياته على التجارب التي عاينها. وما إن بلغ العاشرة من عمره حتى حدّد أنه يريد أن يكون شاباً ملتزماً مجاهداً فشهيداً، وبناءً على هذه العناوين كان يولي اهتماماً بالغاً بتفاصيل تصرّفاته الصغيرة قبل الكبيرة.
*سيّد الهدوء
هو سيدُ الهدوء إن أراد أحد وصفه، فلم يعكّر صفو هذا الهدوء شيء، حتى أنه يثير حفيظة من حوله لقدرته الغريبة على امتصاص المواقف فلا يظهر عليه الاستياء من شيء يستحق الغضب، فيضبط نبرةَ صوته وملامحه، ولا يفضي بانزعاجه أمام أحد، فقد كان همّه بسْط السكينة في قلوب من حوله، فتراه إن عاد من عمله منهكاً إلى المنزل وقف في غرفة المكتبة يرتّبُ كتب والده ويتصفّح طيات بعضها، ثم يدخل لمساعدة أمه، التي لم تعرف إلّا في زيارته الأخيرة للمنزل أنه ماهر جداً في إعداد الطعام، فأخبرها أنه دائماً يتولى هذه المهمة في مركز عمله، فاستغربت الأمر، فالمبادرة التي تحلّى بها حسن انسحبت على جوانب عدّة في حياته ولكن لم يخطر في بالها أن يصل إلى المطبخ.
لم يحمل حسن همّ نفسه يوماً، لأنه كان يرى نهاية طريقه، فانشغل باله بوالديه وإخوته، وكان يعمل جاهداً لمساعدة والده والتخفيف عن كاهله، وكان لا يترك في جيبه إلا مصروفاً قليلاً له، والباقي يسدّده ثمن منزل كان يدرك في قرارة نفسه أنه لن يسكُنه أبداً، وبينما أمه تحثّه على انتقاء عروس له، كان يرمي بصمته إلى البعيد.
ولم يملك حسن في هذه الدنيا شيئاً أغلى من هدية الإمام القائد علي الخامنئي دام ظله الذي تشرّف بزيارته أثناء سفره إلى الجمهورية الإسلامية، فتراه يهتم بها اهتماماً كبيراً.
*شهيد معركة الدفاع عن المقدّسات
التحق حسن بحرب الدفاع عن المقدّسات منذ بدايتها، وكدأبه منذ التحاقه بصفوف المقاومة، أحاط عمله بسريّة كاملة، حتى أنّه لم يكن ليخبر والده، فسرّيةُ العمل تسود بين المجاهدين أنفسهم، هكذا ربّاه والده وعلّمه من مدرسة أهل البيت عليهم السلام أن الكتمان أساس نجاح كل عمل.
كانت حرب القصير تنتظرُ الرجال الرجال، وحسن كان منهم، ودّع والديه وإخوته كعادته ومضى إلى المعركة جنباً إلى جنب مع رفاقه الذين استشهد بعضهم، وجرح بعضهم الآخر، وبقي من بقي يقارعُ ببسالة حسينيّة، وكيف به وهو من سلالة الإمام الحسين عليه السلام، فورث منه هيهات منّا الذلة، ورزقه الله الشهادة في طريق الدفاع عن السيدة زينب عليها السلام.
استشهد حسن، وهكذا هم المجاهدون أبناء المجاهدين في طريق الحق، تراهم خلف آبائهم في مسيرة الجهاد، وتجدهم في مقدمة المقاتلين عندما يحين النزال، ولا تنتهي حكاياتهم إلا بشهادةٍ أو بنصر من الله العزيز الجبار.