نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

التربية الغريزية عند الأطفال والمراهقين



التربية الجنسية... الثقافة... الإرشاد...
جمل وعبارات تتردد دائماً على صفحات المجلات المعنية بالشأن العائلي، أو البرامج الأسرية على شاشات التلفزة، أو في صلب البرامج المدرسية عند بعض المدارس، إن في لبنان أو غيره من البلدان (المنفتحة) على الثقافة الغربية... وكل ذلك يعرض ويطرح ويقدم بقوالب بالغة التأثير ببرامج المدرسة التحليلية لأستاذ التحلل الجنسي (فرويد). وبقليل من النظر نجد أن البرامج تلك مع سيل المطبوعات إنما تسير بالأطفال والمراهقين نحو شفير هاوية سحيقة من التسيب والانحلال والتشرد والتمرد على قوانين الطبيعة التي أودعها الله قرار أنفس مخلوقاته ﴿قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى (طه: 50)، وكل ذلك تحت عنوان الخلاص من الكبت وإنقاذ الأجيال من العقد النفسية والاجتماعية، فالمدارس تلك تأخذ بيد الأطفال والمراهقين إلى عالم التعقيد باسم الخلاص من التعقيد، وتدخلهم في هاوية باسم الخلاص من الشقاء، وتزج بهم في أتون التشرد باسم الإنقاذ من التشرد... وهي بذلك تمارس دور من يلقي ثروة كبيرة في يد قاصر قبل بلوغه السن التي تؤهله التصرف المنطقي المفيد له أولاً ولمجتمعه ثانياً، فهو بلا شك سيبددها على توافه الأمور والألعاب وأساليب اللهو والضياع وما أن يبلغ مرحلة الرشد والتعقل حتى يلعن الساعة التي سلمت فيها إليه تلك الأموال ويلعن من سلمه إياها ولن يتردد في كيل العتب والشتم لذلك الوصي المفرط بتلك الثورة لأنه السبب الأساس في ضياعها وفقدانها...
هذا خلق الله... فلماذا التمرد؟؟

عندما اتخذ الله خليفة له في أرضه جعل الإنسان ذلك الخليفة، وخلق الإنسان من ذكر وأنثى ﴿ بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (النساء: 1)، فأشار تعالى إلى مسألة خلق الأنسال والتزاوج بكل وضوح وجعلها الضامن لاستمرار نوع الإنسان على هذه الأرض ما دامت السموات والأرض وذلك ما نسميه (الغريزة) فالمسألة الجنسية عند الإنسان مغروزة في نفسه منذ نشأة الخليقة، ومسألة ميل كل من الذكر والأنثى إلى بعضهما موجودة في أعماق كل منهما، وإلحاح تلك الغريزة يبدأ بالضغط على الإنسان بمجرد الوصول إلى سن معين والخوف كل الخوف عند ذلك من تفجر تلك الطاقة قبل الأوان لأنها عند ذلك تنقلب وظيفياً رأساً على عقب وتتحول إلى وبال على الإنسان بدل أن تكون أداة خير وبناء، إذ الشكل الأمثل للتعاطي مع تلك الغريزة يبقى الشكل الذي فرضه الله تعالى والذي يتلخص بـ:
1- المبالغة بالستر.
2- الفصل بين الذكور والإناث في المضاجع في مرحلة تطور الغريزة.
3- الحذر من التعاطي الغريزي بين الكبار على مرأى من الصغار المميزين.

وهذه الأمور يستهدف منها إحاطة المسألة الغريزية بهالة من القدسية والحذر والحياء أمام الأطفال والمراهقين بغية حفظهم من تلاطم التيار الجارف إذا ما أخلي لهم الدرب لذلك، حتى إذا ما بلغوا السن التي تؤهلهم لحمل المسؤولية يعمدون إلى اختيار شركائهم (أزواجهم) لإقامة تلك العلاقة في الإطار الزوجي المسؤول كي يكونوا في مرحلة الاستعداد التام لتحمل مسؤولية نتاج العلاقة هذه، وبذلك تكون تلك العملية في حياة الأفراد وسيلة كما أرادها الله لا هدف كما يريدها الشياطين وشتان ما بين الأول والثاني.

وقد حذر الله تعالى من تفجر تلك الطاقة الغريزية قبل ميعادها ومن السبل التي تشكل لذلك التفجر، فقال:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (النور: 58)، فقد بين تعالى أن التعاون في الظهور أمام الأطفال والأولاد بشكل خال من الاحتشام يزرع في أذهانهم صورة تستمر في الضغط عليهم حتى تفرض ممارسة غير شرعية تكون عادةً الأخت هي الضحية الأولى لها في أغلب الحالات أو قريبة أخرى، لذلك فرض الله التفريق في أمكنة النوم (المضاجع) بين الذكور والإناث حفظاً لهم من الوقوع في شرك صورة فاحشة أو مشهد داعر في السينما أو التلفزيون أو بطون الصحف والمجلات المليئة بدورها بأخبار من هذا الطراز.

* تربية لا كبت وتوجيه لا حرمان
انسحاباً على ما تقدم، وبنوايا ملوثة بالسوء خرجت إلى حيز الوجود أمواج هادرة وسيول جارفة من المصطلحات الخادعة والمفاهيم الخاطئة، ومن خلفيات مدروسة ومعلومة عند أصحابها وغير مدروسة ولا معلومة عن المتأثرين والمبهورين بها، ليس لها من هدف سوى النيل من صفاء العقيدة وصلابة الإيمان وطهارة التقوى عند الملتزمين بشرع الله وأحكامه، فعرضت تلك الأفكار المنحرفة مسألة الوقاية والحجاب والفصل والتعفف بقالب من التزمت والحرمان والكبت ثم دعت لمحاربتها بدعم واضح وتأثر مشبوه بآراء "فرويد" وغيره من روّاد مدارس التحلل الأخلاقي والهبوط بالإنسان من أحسن تقويم إلى أسفل سافلين...

ثم عرضت تلك الأفكار المريضة أساليب التسيب الأخلاقي والانحراف الجنسي بقوالب من الانفتاح والتحضر والتقدم في محاولة لإقناع الأجيال بتلك الأفكار الهدامة، ولأن الناس أعداء ما جهلوا، ولأنهم "يحبون العاجلة" لاقت تلك الأفكار والدعايات المسمومة حشداً هائلاً من المبهورين بألوان المجلات وأضواء الاستديوهات، لذلك صرنا نجد أن السمة المميزة لبعض شرائح المجتمع اللبناني هي الاختلاف والمشاركة في البرامج "الفنية" حيث يفرحهم مشاركة بناتهم بمراقصة شبان بشكل منفر مثير للاشمئزاز على شاشات التلفزة في مختلف البرامج الترفيهية، كما يفرحهم جلوس بناتهم على طاولة الدراسة بين شباب وجلوس ابنهم بين فتاتين بدعوى "التربية الجنسية" كذلك مشاركة البنات برحلات مدرسية مختلطة مشبوهة أساسها الرقص والغناء والسباحة المختلطة، وكل ذلك تحت عنوان الانفتاح والابتعاد عن التعقيد والكبت والحرمان، وهذا النمط ينطبق ابتداءً من أصغر مدرسة إلى أكبر جامعة حتى بات هو القاعدة وما خالفه الاستثناء حيث لم تستح بعض المدارس في لبنان من القول بمنع الحجاب نهائياً بين صفوفها.

* إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون
يقول تعالى في سورة الروم:  ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (الروم: 21)، التفكر والنظر والتأمل ميزة الإنسان التي ترقى به إلى أرقى درجات الوجود، فلو نظر الإنسان إلى الثقافة الإلهية لمسألة التزاوج والتناسل عند الإنسان لوجد الشكل الذي فرضه رب العالمين العارف بمصالح عباده ومفاسدهم هو الشكل الأمثل الذي يضمن له فضاءات رحبة من المصلحة والسعادة، لأن الذي يختار زوجة صالحة يجد معها رجولته وغريزته ثم يتحمل مسؤولية نتاج تلك الغريزة ثم يتابع حياته مع شريكه في ظل أسرة يسودها الحب والعطف والاطمئنان والوئام ويكون قد بلغ فعلاً ساحة السعادة القصوى في الحياة الدنيا، وعلى هذه القاعدة علينا أن نربي أولادنا:  ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ  (التحريم: 6)، والنار ليست فقط في الحياة الآخرة بل قد يكتوي المقصر بألسنتها في حياته الدنيا، فالمعصية التي يرتكبها بداعي الوصول إلى راحة وسعادة ليست كذلك دائماً بل سرعان ما تصل به إلى شقاء الدنيا وعذابها... علينا أن نربي أولادنا على العفة حتى نبعدهم عن نار التسيب والميوعة، فالبنت التي يترك حبلها على الغارب تعيش لعبة لبعض الشباب الذئاب الذي يمتصون صباها ثم يرمونها مضغة لليأس والوحدة والوحشة أو فريسة رخيصة لعلب الليل، نكون قد رميناها بأيدينا في نار الدنيا وجهنمها، والولد الذي نتركه يتربى بين فتاتين في المدرسة لينشأ ويكبر على الخلق اللئيم ثم لينتقل من حضن فتاة إلى أخرى حتى ينتهي به التطواف إلى أحضان العقد النفسية نكون قد تركناه في مهاوي النار الدنيا وجحيمها بتفريطنا وتقصيرنا، ونكون قد سلمناه إلى مخالب الشقاء تحت عنوان البحث عن سعادته.

فإذا كان هناك من تربية جنسية حقيقية، فإن هذه التربية تكون باتباع ما فرضه الله في هذا الموضوع من خلال آيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول والأئمة والتي تُجمع في أن مؤداها الغريزة الجنسية ليست بحاجة إلى تربية وتهذيب وتوجيه سوى الحذر وإحاطتها وتسييجها بسور من الحياء والعفة والطهارة لضمان عدم انطلاقها بشكل تخريبي هادم، بل هي موجودة في الإنسان حتى تخرج في ميقاتها وموعدها، إذ هي كالثمار التي يجب أن تحفظ إلى موسم القطاف والتي إذا ما جنيت قبل موعدها تكون مرة قاسية لا طعم لها سوى العلقم، وهي كالبركة الصافية العذبة التي يجب أن يحفظ حائطها إلى موعد الزراعة والسقاية فإذا ما هدم قبل هذا الموعد انساب ماؤها ليسقي شوكاً ويروي حشرات ضارة لينتج غرساً لئيماً مقيتاً، والله تعالى أراد بآياته وتوجيهه أن تحفظ هذه البركة الطيبة إلى موعد الزرع والحرث لتسقي حباً طيب النبات وورداً طيب العرف والنتاج.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع