رئيس التحرير
استطاع المسلمون عبر التاريخ أن يكونوا دعاة إلى دين اللَّه في الوقت الذي كانوا فيه ينتشرون ويسافرون للتجارة وكسب الأرباح، حتى أن المراقب لسير الدعوة الإلهية يذهل أمام الانتشار الواسع للإسلام والمسلمين ذلك أن مبادئ الإسلام لها طابع خاص وسحر مميز وهي التي واكبت الإنسان بكل مراحل تطوره ونموه وهي التي انسجمت مع فطرته واستقرت في النفوس الطيبة حتى وصل المسلمون إلى درجة الاستماتة لأجل هذا الدين، إلا أن الذي أساء لهذا الرونق العقائدي هي الأساليب المقيتة والمميتة لدى بعض الدعاة وهم كثر وللأسف، ولا نقصد بذلك من تصدى لمهمة التبليغ ذلك أن دائرة الإساءة أوسع مما يعتقده المرء، وللدلالة على ما نقول: إن جولة ذهنية متواضعة ومستقرئة للواقع تشير إلى أكثر مما قلناه، فما أكثر الذين يتحدثون بالإسلام بل ويبدعون في وصفه والتنظير لمعتقداته إلا أنهم عملياً في خطٍ مناقض لكل ما يلفظون وينطقون!
وما أكثر الذين يتزوجون من نسوة من غير دينهم ولما تعتقد زوجاتهم بالإسلام وتعتنقه وتعشقه يبدأ تعامل الأزواج بالتراجع لتشعر الزوجة المستضعفة التي تخلت عن أهلها ومحيطها وبلدها بالفارق الكبير بين الإسلام الذي أحبت والمسلمين الذين أخطأوا تصويرهم للإسلام!
وما أكثر الآباء الذين يضربون أبناءهم إلا أنهم لا يكلفون خاطرهم أن يظهروا أمامهم بصورة القدوة فيصل الأبناء إلى قناعة قائلة: أن الإسلام هو الذي أوجب عليهم هذا الأسلوب، وكأن تعاليم الإسلام التي نزلت على النبي الأكرمصلى الله عليه وآله وسلم أتت لأجل هدف واحد وهو إظهار الفظاظة ليس إلا!.
وما أكثر ما نسمعه من أناس لا يصلون ومن فتيات لا يرتدين الحجاب ولما تخوض معهم في النقاش تشعر أن سبب اللاصلاة واللاحجاب يكمن في بعض أساليب من افترضوا أنفسهم أنهم يبلغون الإسلام أو أنهم أحق من غيرهم في إظهاره والدعوة إليه!.
وما أكثر الشباب الذين يحدثونك عن سبب نفورهم حتى من مجتمعات الصلاح، وعلى رأس الأسباب هو ذهابهم إلى المساجد وهم أطفال وتذكرهم لتلك الكلمات القاسية ممن يعتقدون أن اللَّه كلفهم ليكونوا زبانية جهنم وهنا للأسف نقول: ليكونوا زبانية المساجد، وكأن المسجد حكراً لمن بلغوا في العمر عتياً!
والأمثلة كثيرة وأكثر من أن تحصى، ودائماً دعونا نفتش عن الأساليب البالية والمنفِّرة، ذلك أن المسلم كما عليه أن يصلّي ويصوم ويحج و... عليه أيضاً أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وعليه أن يكون داعياً إلى اللَّه بحركاته وسكناته، بسيرته ومنطقة، بأخلاقه وتهذيبه "كونوا دعاة لنا بغير ألسنتكم" كما في الحديث الشريف، أما أن يكون من الدعاة إلى النفور من الإسلام فليس بعد ذلك جريمة، فالداعي إلى الله عليه أن يذوب في الإسلام لينطق ويتحدث ويترجم الإسلام عملياً، لا أن يسعى لتذويب الإسلام في قالب أنانيته ومزاجه وعصبيته، وعليه أن يتعرف إلى أحكام الإسلام ليعمل على تطبيقها، لا أن يطوِّع الإسلام كما يحب ويشتهي، ألا يلاحظ أخي القارئ أن الكثير من الناس دائماً يدافعون عن أنفسهم ببعض الآيات والروايات التي تلاقي استحساناً خاصة لهم تنسجم مع ما يرغبون، مع أن المطلوب من المسلمين جميعاً أن يبحثوا عن أنفسهم على ضوء الآيات والروايات لينطلقوا صورة في القيم والمبادئ، لا في الأنا والأنانية والعصبية التي تبرّر في غالب الأحيان؟ فتعالوا إلى هذا الدين بكل جدية وإخلاص وصدق لنغرف من معينه ليرى الناس فينا آيات قرآنية تتحرك وتأكل الطعام وتمشي في الأسواق، وليروا فينا كل التعاليم الإسلامية فلا نغش ولا نسرق ولا نخون ولا نكذب. ولنرمِ عن كاهلنا سمعة بعض المسلمين ممن أساؤوا لهذا الدين وخصوصاً في بلاد الغرب.
يروى أن أخوين اتفقا على أن يفتح كل منهما متجراً، أحدهما اختار لنفسه أن يبيع الخل والآخر قرر أن يبيع العسل ولما مرّ زمن على امتهانهما لهذه المهنة وجدت زوجة بائع العسل أن زوجها يتراجع إلى الوراء في الوقت الذي تتحسن فيه أوضاع أخيه، ولما حاولت أن تستعلم الخبر سمعت من زوجها عبارة تذم ذوق الناس وما شابه ولم تقنع بكلامه فجلست تراقب الاثنين، أما زوجها فكلما جاء زبون كان ينظر إليه ويقول له: إنك غير لائق لأكل العسل وما شابه، أما أخوه فكان يستقبل زبائن المحل بكل لطف ويوزع البسمات على هذا وذاك فرجعت إلى المنزل وقالت لزوجها: إن أخاك يبيع الخل بحلو أخلاقه وأنت تبيع العسل بمرّ أخلاقك.
فهلمّ أخي الكريم إلى الدعوة الإسلامية بحلو وحلاوة أخلاقنا وهي حتماً صفقة رابحة وتجارة رائجة والسلام.