نسرين إدريس قازان
شهيد الدفاع عن المقدّسات موسى علي شحيمي (مازن)
اسم الأم: سكنة فتوني
محل وتاريخ الولادة: مركبا 3/6/1981
الوضع الاجتماعي: عازب
رقم السجل: 104
تاريخ الاستشهاد: 8/8/2013
تُفاجئنا الحياة بالكثير من المواقف، منها المفرح، ومنها المحزن، ولكن قليلة هي المفاجآت التي تهزّ وجودنا من الأعماق، ونَجِدها قدراً رُسم لنا ومشيناهُ من دون علمنا... وهذا كان حال موسى الذي اكتشف، ذات يوم، أنّ الشاب الذي يناديه بـ"أبي" إنّما هو أخوه الكبير، وأنّ والده قد اختطفت منه الحياة شظايا قذيفة، وهو بعدُ لم يبلُغ السبعة أشهر من عمره، وذلك أثناء الحرب الأهلية.
*هو ضحكة العائلة وفرحتها
يتيمٌ في القماط تلقّفته أيدي عائلة كبيرة، فتِعدادُ إخوته اثنا عشر بين أخٍ وأخت، ومع والدتهم كلّ أدلى بدلوه في الدلال والاهتمام. فإذا ما مشى موسى خلتَ أيديهم تحت قدميه ليمشي الهوينا، ولم يحتج يوماً لطلب شيء، فكلّ ما يلزمه ملكُ يديه.
تزوّج من الإخوة من تزوج وكثر الأولاد في العائلة، لكنّ موسى بقي المدلّل الوحيد عندهم، حتى بعد أن بلغ سن الشباب؛ فهو فرحة عمرهم، وضحكة أيامهم، يجمَعهم على حبه، فلا تحلو الجلسات إلا بحضوره. وأيّ بيتٍ من بيوت إخوته يختاره ليزوره يلحقون به، وكأن شيئاً ما يدفعهم إلى ذلك، غير مدركين أن الراحلين باكراً عن هذه الحياة يحملون الكثير من أسرار الحبّ والتعلق.
*الصغير الذي كبُر
باكراً، ترك موسى الدراسة ورافق أخاه إلى العمل في الأدوات الصحيّة. وقد ظنّ جميع إخوته أنّه فعل ذلك للبدء بتأسيس حياته. غير أنه، خِفيةً عنهم جميعاً، كان يضعُ مداميك حياته الجهادية برويّة وصمت، من غير أن يثير أية ريبة. ولكنه لم يجد بُداً من إخبارهم بالتحاقه بالدورات الثقافية. ولأنه كان شخصاً يهتم كثيراً بتنمية ثقافته، تجلّى ما اكتسبه من ثقافة في حديثه، وتبلْوُر أفكاره، وصار إذا ما ناقش فكرة ناقشها عن عِلم ودراية، وهذا ما زاد من تعلّق إخوته به، فإذا ما استمعوا إليه، أخذهم الفخر والإعجاب، أوَليس هو صغيرهم الذي كبر؟!
بلى، لقد كبر موسى، وإن بقي مدلّلهم الصغير، وانسلّ من عمله في الأدوات الصحيّة إلى حيث لا يعلمون، وكلّما جرّب أحدهم معرفة وجهته، وكم سيغيب، كان يعود بخفَّي حنين.
وانقلبت الأدوار بين الإخوة، بعد ذلك. وصار هو مَن يُبادر إلى خِدمة أمّه وخِدْمتهم ومساعدتهم، فيقصدُ كلّ واحد إلى بيته ليطمئنّ إلى أحواله، وإلى عدم حاجته لشيء. ولكنّ أكثر البيوت التي أنست به هو بيت أخته التي فقدَت زوجها، وتيتّم أبناؤها باكراً، فوجد موسى نفسه خالاً لأيتام صغارٍ، وهو الذي يعرف تماماً معنى اليتم، ويدرك أيضاً، المعاني العظيمة للعائلة التي ساعدَته في تجاوُز محنته، فاهتم كثيراً بهم، وصاحبهم بالحُسنى، وبادر إلى تأمين ما يلزمهم. والأهم من ذلك كله، لعب دور السندِ لهم، وقد أشعره ذلك بفرح كبير، وكأنه يسدّدُ ديناً في رقبته.
*عبق الشهداء حدّد المسير
انطلق موسى إلى حياته الجهاديّة من الخلفيّة الاجتماعيّة التي نشأ فيها؛ فقد تربّى في بيئة ملتزمة، وكان منذ صغره يتردّد إلى المسجد – المتراس الأول للمجاهدين- حيث يعبق المكان بحكايا الشهداء الذين مرّوا من هناك، وصورهم التي ما فتئت تُزين الأحياء. فاختزن موسى من وجوههم ما عبأه روحياً، وهو يستقي مِن أحاديث مَن حوله قِصصهم وحكاياهم التي اعتبر منها أيّما اعتبار. لقد تعلّم موسى من سير الشهداء ما ساعده في تحديد مساره ومَصيره.
لم يشِ أيّ تصرف من تصرّفات موسى بأيّ من مشاركاته الجهادية، وحده الغياب كان يحوي أسراره. حتى أثناء حرب تموز، في العام 2006، التي بقي خلالها في الضاحية الجنوبية. وقد حاول أهله معرفة أي شيء عن جهاده، فكان رده الوحيد حديثَه عن المجاهدين الذين صمدوا وضحّوا، واكتفى بالصمت عن كلّ المخاطر التي أحاطَت به طوال 33 يوماً.
*مجاهد صامت - أنيق
وانسحب ذلك الصمتُ على توجهه الدائم إلى سوريا. فلم يخطر في بال أحد من أقاربه أنّه قد يكون من الحرّاس المجهولين لمقام السيدة زينب عليها السلام. أمّا في الحيّ حيث يقطن، فلم يظنّ أحد أنّ موسى من المجاهدين، أصلاً. وقد ساعده شكله الأنيق جداً واهتمامه بأبسط تفاصيل الأناقة بأن يبعد عنه أي شُبهة، وعن قصدٍ منه.
وفي سياق الأمور، صار يفضي لوالدته بأنه حيث يعمل مرتاح كثيراً، وهو يقضي معظم الوقت يشاهد التلفاز، في محاولة منه للتقليل من خوفها عليه، بعد احتدام المعارك في سوريا، وارتفاع عدد من الشهداء في معركة الدفاع عن المقدسات.
طالما كان موسى شاباً مزوحاً، يحبُّ زرع الضحك أينما حلّ، لكنه في المقابل كان يلتزم بمقال كل مقام، وهو المعروف باحترامه لمن حوله وتقديره لمواقفهم، غير أنه في زيارته الأخيرة، بدا عليه التغيّر، فكان دائمَ الضحك والحديث خصوصاً مع رفاقه، حتى أنه لمّا رافقهم إلى الذكرى السنويّة لرفيقه الشهيد علي قرياني الذي استشهد في حرب تموز 2006، كان لا يُخفي فرحته معهم، وقد استمر بالضحك برفقتهم.
*لقاء الله... في ليلة مباركة
انتهت الإجازة بسرعة، وجمعته وإخوته سهرات شهر رمضان المبارك تحت سقف المنزل الذي فيه تربّى. كان ينظر إليهم واحداً واحداً، وهم يتحدثون إليه ويأملون منه ما يأملون، وهو كان يستودعهم الله. فحمل في جعبته كل الذكريات الجميلة معهم، وتمنّى لو كان يستطيع أن يعطيهم الدنيا لِما قدّموه له من محبّة لم يسعها أفق.
ومضى إلى حيث كان موعد الرحيل، في جوار مقام السيدة زينب عليها السلام، وقد سُجّيَ أمام ضريحها المبارك شهيداً مضرّجاً بدمائه في الليلة الأولى من ليالي القدر المباركة، وأي ليلة أشرف منها للقاء الله في الساحة القدسية؟!