نسرين إدريس قازان
شهيد الدفاع عن المقدسات محمد ديب سيد أحمد (علي الرضا)
اسم الأم: فاديا السيد أحمد
محل وتاريخ الولادة: مجدل ترشيش 1/1/1991
الوضع الاجتماعي: عازب
رقم السجل: 15
تاريخ الاستشهاد: 22/5/2013
لا يوجد أجمل من قلوب الصغارِ عندما تضمُّ حباً تترجمه تصرفاتهم البريئة، فيصيرُ القليل يساوي الدنيا، وهكذا كان محمد، عندما يعود من صف الروضة، حاملاً في حقيبته ما احتفظ به لأمه من الزاد الذي وضعته له صباحاً، فتأكل بقايا الخبزِ المقدّد بسبب طول الوقت.
لم يكن محمد كغيره من الأطفال، فقد برزت فيه شجاعةٌ دفعته إلى المخاطرة في بعض الألعاب التي يخشى غيره من أترابه مجاراته فيها، وسعى دوماً إلى ابتكار صعوبة جديدة ليتخطاها، وكأنه أدرك منذ صغره أن الحياة هي مراحل تصعبُ شيئاً فشيئاً وعليه أن يتحضّر لها.
الفتى الذي لمع ذكاؤه في المدرسة، شغلته، أيضاً اهتمامات كثيرة، كالموسيقى والمطالعة، والمشي في الطبيعة.
لم تترك الحركة المستمرة لمحمد قراراً يستقرّ فيه، ففي الحي حيث يقطنون، ساعدت هذه الهمّة الجيران كثيراً، فهو مبادر للمساعدة في كل شيء وفي أي وقت، حتى غبطت نسوة الحي أمَّه عليه، غير مدركات أن مساعدته لها كانت دائماً في آخر اللائحة ممتثلاً مقولة السيدة الزهراء عليها السلام: الجار ثم الدار.
*رفيق هدىً
كبر محمد، وكبرت معه هالةُ التميّز حوله، وكان شخصاً حراً بأفكاره وتصرفاته ضمن الحدود الأخلاقية. أما والداه فقد بقيا على دأبهما في خوفهما عليه، وخصوصاً عندما بدأ بمرافقة شبّان بعضهم غير ملتزم دينياً وبعضهم الآخر أخلاقه غير سوية، فخشيا عليه من سوء الرفقة، ولكثرة ما لاحقاهُ بأسئلتهما أفصح أخيراً عن سبب ذلك، فأولئك الرفاق يحبونه ويحترمونه، وهو يؤثّر فيهم، ويعمل على هدايتهم وتهذيب نفوسهم، وإنه من الخطأ الابتعاد عن مثلهم من الشباب وتركهم عوض مساعدتهم وجذبهم إلى الطريق القويم، وقد نجح محمد في ذلك إلى حدٍّ بعيد، فهو لينُ العريكة، صبورٌ حليم.
وقف محمد إلى جانب والده في محل العمل للمساعدة إلى جانب دراسته الجامعية في اختصاص هندسة الاتصالات، ولكن التجارة هي الشيء الوحيد الذي لم يبرع به، وكاد كرمه الزائد أن يورط والده لكثرة ما كان متساهلاً ومتسامحاً مع الزبائن.
وكان كريماً لا يتركُ في جيبه مالاً، بل يحتارُ لمن سيعطيه، فالله تعالى قد منّ على عائلتهم، وأحوالهم المادية جيدة، فكان محمد يقسّم راتب تعاقده في المقاومة بينه وبين من هو أحوج منه من رفاقه.
التحق محمد باكراً بصفوف التعبئة العامة للمقاومة الإسلامية، فقد كبرَ، وشغفُ الالتحاق بالمجاهدين حلمُه منذ أن كان في الثالثة من عمره يبكي لأجل أن يأخذه والده إلى الكشافة لأنه كان يدرك إلى أين تفضي طريقه، وكثيراً ما ردّد أمام أخويه أنه سينفذ عملية استشهادية ضد الصهاينة إبان احتلال العدو الإسرائيلي للجنوب. وبقي هذا الحلمُ يراوده حتى بعد انسحاب العدو الإسرائيلي.
*بين صفوف المقاومة
حين أراد محمد الالتحاق رسمياً بالمقاومة، انتظر كثيراً ريثما يقنع والدته بالأمر، فقد حرص على أن تكون راضية عن خياره، وكان حينها في السابعة عشر من عمره، وطوال فترة عمله -إلى جانب دراسته- لم يعرف أحد طبيعة عمله، وكان ظنُّ أهله أنه يعمل ضمن اختصاصه في الحواسيب، ولكنّ محمداً الذي خضع لدورات عسكرية متعددة الاختصاصات، كان عسكرياً من الصف الأول.
ما إن دقّ نفير الحرب في سوريا، حتى التحق محمد بالمدافعين عن حرم السيدة زينب عليها السلام، وتذكر كيف كان وأهله يقومون أسبوعياً بزيارتها.
بموازاة حياته وجهاده، وضع محمد لنفسه برنامجاً روحياً صارماً، فكان لا ينام من الليل إلّا ساعتين، فتراه بين صلاة وقراءة قرآن ودعاء وتفكّر حتى أنه صار ينام كما يوضع الميت في قبره، وامتنع عن أكل اللحوم، وبدأ يصوم لأربعين يوماً متتالياً، وهجر غرفته مع أخيه خوفاً عليه من الإزعاج، فخشي أهله عليه من الإرهاق، ولكن ما في قلب محمد من وصال كان ما لا تدركه قلوب أو عقول.
*سياج الدم
تقدّم محمد بطلب إجازة من مدير الجامعة ليسمح له بالغياب وخصوصاً أنه أراد ذلك في فترة الامتحانات النهائية، وكان طلباً مستغرباً من طالب مجتهد، وقبل أن يسأل المدير عن السبب بادره محمد بالقول: "إن الشباب الذين هم مثلي، لا مكان لهم اليوم إلا في الشام أو في القصير..." فلم يجد المدير بداً من الموافقة على الغياب.
وكان غياباً ليس منه رجوع.. وشهادة الهندسةِ سبقتها شهادةٌ مباركة في أرضٍ سُيّج فيها الإسلام الأصيل بسياج الدم.