السيد علي عباس الموسوي
تتجلّى العدالة الإلهية في هذا الكون بمظاهر عديدة. وقد حثّ الخالق عزّ وجل على التأمّل في خلق السماوات والأرض ليُعلم أنّها خُلقت بحكمة تقوم على المصلحة التي تعني وصول كلِّ ذي حقٍّ إلى حقّه. والاختلاف المشاهَد في الكون بوضوح هو من ضمن دائرة التدبّر الذي دعا إليه القرآن الكريم في مختلف آياته ليُدرك الإنسان أنّ الاختلاف مهما كان لا ينافي العدالة الإلهية.
وكما العدالة في التكوين كذلك العدالة في التشريع، فنظام التشريع الإسلامي بما يمثِّله من النظام الأكمل والأتم هو أرفع وأرقى تشريع يحوي العدالة مع حفظ عنصر الاختلاف.
لقد غالط الغرب في منظومته الحداثوية فجعل المساواة أمراً لازماً للعدالة، مع أنّ الاختلاف سنَّة الحياة في كلِّ تجلّياتها، ولكنه الاختلاف الذي لا يكون عن ظلم ولا يحوي هضماً ومنعاً لحقٍّ من الحقوق.
وللعدالة تجلٍّ آخر متمثِّل بالثواب والعقاب. وهذان عنصران يوجدان في عالم الدنيا وفي عالم الآخرة، فالعذاب الإلهي من خسف وأمراض وهلاك أقوام بأكملهم هو مظهر من مظاهر العدالة الإلهية المتمثّلة بالعقاب، وكذلك حال النعيم الذي يتنزّل على قوم فيُرفّهون في نِعَم الله، إنّه مظهر العدالة الإلهية المتمثّل بالثواب.
وكذلك الحال في العالم الأخروي على ما أنبأ القرآن في الكثير من آياته وحدّث عما سيجري في العالم الأبدي ومحل البقاء السرمدي.
وعندما نستعرض ما تحدّثت به الآيات عن العذاب الإلهي نجد أنّ الله عزَّ وجلّ يصف ذلك العقاب في موارد بأنّه انتقام. وليس الانتقام الإلهي بداعي التشفّي، لأنّ الله عزَّ وجلّ منزّه عن كلّ صفات البشر هذه، ولكنه استحقاق للشخص الذي يتمّ الانتقام منه.
إنّ الآيات تحكي عن أنّ العقاب الذي يكون من نوع الانتقام هو لنوع من الناس قد وصلته الحجّة الإلهيّة وقام البرهان الساطع لديه على الحق، فتناساه وغفل عنه. وعلى الرغم من ذلك لم يُهمل ولم يُترك، بل ذُكِّرَ، ولكنه أصرّ على الرفض، بل أظهر حالة الإعراض عن الآيات الإلهية، فعندئذٍ استحق أن ينال عذاب الانتقام.
إنّ هذا تعليم إلهي، ولذا لا بدّ وأن يقوم المؤمنون السائرون في خطِّ الطاعة الإلهية -عندما يتحدّد الموضوع القابل لأن يعاقب عقاب الانتقام- من الانتقال إلى الفعل في تطبيق الانتقام.
إنّ أعداء الخطّ الإلهي الذين هم في المواجهة مع مجتمعنا الإسلامي والذين لا نجد في قلوبهم الرحمة، بل يتجلّى الإعراض في نفوسهم في صورة واضحة والذين يستحقّون اللقب القرآني على أهل المعاصي من أنّهم المجرمون، يستحقّون أن يُمارس الانتقام في حقهم، هذا الانتقام الذي يُراد منه إنفاذ الأمر الإلهي، فيُصبح في حدِّ ذاته فعلاً قُربياً، يتقرّب به العباد إلى الله، كما كان يتقرّب إلى الله أهل السابقة في الإسلام وعلى رأسهم الإمام أمير المؤمنين عليه السلام عندما كانوا يُنزلون القتل في أعداء الإسلام، والذي نترقّبه من الإمام والولي الصاحب عجل الله تعالى فرجه الشريف أن يكون المنتقم من أعداء آل محمد، وهو مصداق المنتقم: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ﴾ (السجدة: 22).
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.