مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

شعر: عَصْفٌ.. ودِمَاءْ

ندى بنجك


.. كانت الأرض لم تزل مشغولةً بشمِّ أنفاسهم..
هم ترابيُن بيلسانٍ أم مواسمُ للدم..
جاء الربيع ورداً وجاؤوه دمعاً للوطن..
منهم من كَتَبَ في "سحمر"..
منهم من نبت على "طريق المنصوري"
منهم من نبت في "النبطية"..
والأكثرية الأكثرية في "قانا الجليل"

جمعوا انتماءهم، وما أدراهم أنه يُخيف..
.. ويُنذر بالموت الأسود..
انتماؤهم يُخيف.. فلتمتد مذابحهم.
جاء الربيع ورداً وجاؤوه دمعاً للوطن..
تحكي الأرض في سحمر.. كيف نبتوا عليها وكيف عادوا انغرسوا فيها.. براعم تتخبّط بالدم بين أعماق التراب..

صوّبوا وجوهكم إلى طريق المنصوري وقد توقّفت بهم سفينة النجاة..

لا شيء إلاّ دمٌ "يفرفر" وأرواح تستغيث..
كل النار ظلّ يمتد إليهم..

أينَ يُفتّش لهم عن مخبأ..
فيْءُ الزيتونة حيث اعتادوا أن يلعبوا تلوّن بالدم.. ولا مكان يحميهم..
كل النار يمتد إليهم..

تعالوا أحبّتي..
لا مكان لكم في أرضكم..
لا مكان لكم في بيتكم..
لا مخبأ لكم في هذا الوطن
تعالوا أحبّتي.. احملوا استغاثاتكم..
احملوا دمعكم.. سآخذكم إلى حيث لا أدري..
وجاؤوا معه يخبّئون أرغفة الخبز..

إلى أين؟..
أنتم أطفال الجنوب..
سنقتُلكم أينما كنتم..
سنمزّق الطفولة فيكم..
لا طفولة لكم..

أنتم أطفال الجنوب..
لا أمان لكم..
"الأباتشي" فوق رؤوسكم تلاحقكم أينما كنتم ولا مخبأ لكم..
النار تمشي إليكم ولا مخبأ لكم..
القتل في انتظاركم ولا مخبأ لكم وصارت الطفولة منثورة على مفارق لكل الوطن..

أين البحث لكم عن موطنٍ يا أحبّتي، أَمْ أنّه فات الأوان..
نعم يا أبي.. فات الأوان..
لا تُشغِلْ بالكَ بعْدُ بنا..
ها قد تمزّقت أجسادنا..
فقط إاتِ لنا بكفن..
وهذا دمنا لوّن حتى الخبز..
سامحنا يا أبي..
لم نُخبّئه بمأمن..

جاء الربيع ورداً وجاؤوه دمعاً للوطن..
صوّبوا وجوهكم إلى النبطية..

لا شيء إلا نباح الموت يعلو من بين الركام..
ومن بين الركام تلمع "نور".. وقد حضنتها أمها وهي تحلم ساعة تسرّح شعرها.. وتلبسها المريول الكحليّ..
أو تجلس عند عتبة الدار تُجمّلها.. تكحّلها.. تتغاوى بها بين جاراتها.
"نور" لن يجيء الزمن الذي تكْبر فيه وتتجمّل..
ولن يكون عندها مريول.. ولن يكون لها مقعد.. ولن تفتّحْ عينيها لتكحّلها أمها..
"نور" لن يجيء الغدُ الذي تتغاوى فيه بروعة هذا الاسم..

جاء الربيع ورداً وجاؤوه دمعاً للوطن..
فقط صوّبوا وجوهكم إلى قانا الجليل.. ولا تحاولوا المرور إليها.. فلا متّسع لقطرة دم.
الصورة أشمل من أي وصف..
عصف الأرواح وأعاصير الدم..
تُخرس أي كلام..

لا كلام عند لحوم متطايرة أو عند رؤوس وإن ظلَّت موصولة بالجسد، ينزف منها.. دخان.
يدٌ هنا.. ويدٌ هناك.. أشلاء تمزقت.. وإن حاول البعض تجميعها تصير مجهولة..
عيونٌ ظلّت تسْتنجد فما وجدت غير السماء..
شخصّت إليها وسَلّمتْ..

.. الصورة أشمل من أي وصف..
.. المشهد أعظم من مذبحة.
وقانا انفجاراً عاتياً.. وغضباً عاصفاً..
قانا انتقاماً إلى أبدِ الآبدين..
يشْهد كل من رأى سيل دماها..
يشهد كل من رأى "محمد ديب"..
يتلوّى على فراش الوجع.. يتوجّع من سؤال بلا جواب.. يموتُ ساعة يعْرفه..
"محمد" جاء إلى قانا مع أمه وإخوته.. وخرج منها وحيداً مسجىً للألم..
ولكنه ما أطاق.. وكان اللحاق.
قالوا: كان في حالة جيدة.. وحالته الجيدة معجزة..
ساعتها لم يكن يدري أن أمّه لن توقظه كل صبح ليقوم إلى المدرسة..
 لن تضع له "سندويشاً" في المحفظة..
ولن تطبع على خده قُبلةً تشفيه إلى الأبد..
ما كان يدري..
لكنه يتلوّى..
يسألونه: ماذا نُعطيك؟؟ يَئِنّ..
بماذا نداويك؟؟.. همسه.. دِلُّوني..

أين أمي.. أين أبي.. أين أخوتي..
طال انتظارهم.. أربعة أيام ولم يأتوا إليه.. طال انتظارهم..
لكنه عاد واسْتفاق من هذا الانتظار..
لعله تذكر وجه أمّه وقد تغطى بالدخان والدم.. ولا همس لها..
لعله تذكر إخوته الذين ناموا عند الظهيرة..
ألَنْ يقوموا ليلعبوا؟؟..
هذا على غير العادة..
لأن الزمان غير الزمان.. لأن المكان غير المكان..

قُومي يا أرضُ..
لملميهم.. إرفعيهم من تحت الركام..
جمّعي أوصالهم.. وعانقيهم..
عانقي الوجوه التي لم تكتمل ملامحها بعد..
والأصوات التي لم يسمعوها بعد..
والأحلام التي لم يتعرّفوا إليها بعد..
عانقي الأرواح الصغيرة الصغيرة..
والأنفاس التي كانوا يشربون بها مِن أكواب الحليب..
والخفق الذي نبض بين الركام لأيام ثلاثة وهدأ بين الركام..

قومي يا أرضُ.. عانقي "نور" والتراب وكل الدم العِطري..
قولي:

يا أطفال البقاع.. يا أطفال الجنوب..
يا دمْع القلوب..
يا نسائم تجرّحها النسائم..
يا حمائم طهرٍ يا لآلئ الرحمن..
يا جرح القلب الحزين..
يا طيور جاءت لعرسٍ دَفِينْ..
أغمضوا أجفانكم الآن..
كل الأرض ملك عيونكم..
كل الزمن نشيد أرواحكم..
وكل الدم لأجلكم..
أغمضوا أجفانكم الآن.. وناموا على أمان.. بأمان الله أصْبحتُم يا دمْعَ هذا الوطن..

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع