"عندما أقرأ وصية مربية لشهيد فإنني أشعر بالحقارة والضعة"
الإمام الخميني قدس سره
ويحرك شوق اللقيا العاشق الوله ويمتطي الصقر صهوة الريح ليسابق الزمن في الوصول إلى معشوقه، يترك الأزقة والزواريب ليتسلق القمم والأعالي هو ذاك الفارس البقاعي الذي صال وجال وجعل المواقع الصهيونية موطئ قدميه وإخوانه، أبو بلال فرج بلّوق بطلاً نشأ في أرضنا وشريفاً نما فيها وملتزماً بتعاليم الإسلام الحنيف، فكيف بهذا أن يرضى بأن يدنس الأرجاس أرضنا المقدسة.
في العام 1955 أطل على الدنيا صبياً وعلى بيتٍ مسلمٍ أنعم به، فنادت الأم أنه الفرج سميته فرج.. عاش الشهيد فرج بلوق (أبو بلال) طفولة واعية في بيئة مستضعفة ملتزماً بالواجبات الشرعية منذ حداثة سنِّه مقلّداً والديه المؤمنين. وفي بعلبك حيث يسكن أهل الشهيد، صار أبو بلال يتردد على العلامة الشيخ حبيب آل إبراهيم فتتلمذ على يديه في مجال الدروس العقائدية، فنمت في نفسه روح حسينية فالتحق بحركة المحرومين منذ انطلاقتها حيث التقت روحه مع أفكار الإمام الصدر الذي وجه انتباه المؤمنين إلى العدو الحقيقي "إسرائيل" وأثرت في نفس الشهيد كلماته حين قال "قاتلوهم بأسنانكم وأظافركم". وفي العام 1982 انفرجت أساريره فها هو اليوم يواجههم ببأس الكرار يتصدى للصهاينة وهو يقود مجموعة مقاومة في البقاع الغربي.
حين أطلّت رايات الإمام الخميني قدس سره، التحق الشهيد فرج بالدورات الأولى للحرس الثوري الإسلامي. تسلّم مسؤولية مجموعة من التعبئة في بعلبك. ولشدّة تفانيه ما لبث أن أصبح مسؤولاً للتعبئة العامة في قطاع بعلبك.. لم يكن الشهيد فرج بلّوق يهوى القعود في الزوايا متفرجاً، بل كان يتقدم الركب دائماً في الذهاب إلى المواجهات، ترك بعلبك ليلتحق بالمقاومة مفرّغاً لها كل وقته يخطط ويرصد وينفّذ، وعليه فكان للشهيد أبو بلال شرف المشاركة في معظم العمليات والمواجهات مع الصهاينة في منطقة البقاع الغربي. ومن هذه العمليات: بدر الكبرى اقتحام لوسي مرتين –السريرة- المواجهة في ميدون، وغيرها العشرات إلى أن استشهد في عملية اقتحام موقع تومات نيحا البطولية..
عُرف الشهيد بصمته الدائم وتفكّره كما عُرف بتقواه والتزامه.. ترك الشهيد أمانة في هذه الدنيا خمسة أطفال، ثلاثة ذكور وفتاتين، كما ترك أمانة المقاومة ومواصلة القتال حتى تحرير المقدسات.
يروي إخوة الشهيد في المقاومة أن الشهيد أبو بلال كان عندما يدخل موقعاً للأعداء كان يدخل مطمئناً هادئ الأعصاب، وكان إذا دخل في عملية يكون من أوائل الداخلين ولا يخرج إلاّ آخرهم حيث يتفقد الإخوة المشاركين ويطمئن عليهم ثم يأتي قتلى العدو ليحصيهم واحداً واحداً وأحياناً يفتش جيوبهم ليتعرف إلى أسمائهم حتى يقارنها مع كذب الأعداء وادعاءاتهم حول الأعداد.
ويذكر أحد المجاهدين رواية أنه في إحدى العمليات، دخل الشهيد الموقع وهو يصرخ الله أكبر ومعروف أن للشهيد فرج عينين كبيرتين، فصادف أحد الأعداء في الموقع فلم يطلق عليه النار في البداية بل اكتفى بالنظر إليه ورغم أن سلاح الجندي بيده إلاّ أنه رماه وخرّ على الأرض..
وفي آخر عملية إلى موقع تومات نيحا المحصن، سقط الشهيد مضرجاً بدمه مع إخوة له ولأن الأعداء لم يقدروا عليهم وهم أحياء فقد أسروا جثثهم الطاهرة في حين ارتقت أرواحهم إلى الرفيق الأعلى تسامر سيد الشهداء وآله الأطهار.
* وصية الشهيد فرج أمين بلّوق
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ (صدق الله العلي العظيم).
وعن الإمام علي عليه الصلاة السلام قال: والله ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك إنما وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك... اليهود المجرمون قتلة الأنبياء والصالحين الذين أفسدوا في الأرض ها هم اليوم يحتلون أرضنا ويزرعون الحقد والفتن بين المسلمين، والمسجد الأقصى أولى القبلتين وثاني الحرمين الشريفين يعربدون في داره أيّ عار على المسلمين بعد هذا العار، أليس من واجبنا الشرعي قتالهم. وها هو مرجع المسلمين وقائدهم يقولها بصريح العبارة "إسرائيل" جرثومة سرطانية ويجب إزالتها من الوجود..
ولاية أهل البيت عليهم السلام.. ولاية نائب الحجة عجل الله فرجه الشريف الإمام الخميني العظيم.. فيا إخوتي في الإيمان والجهاد سيروا على هذا الطريق ولا تخافوا الأعداء إنهم والله يولّون الأدبار وهم أجبن من في الأرض وكنت أراهم من أول طلقة أطلقها عليهم كيف كانوا يختبئون، اتكلوا على الله ولا تولوهم الأدبار.. جربوها جميعاً إن لها طعم العزة والشرف والكرامة..
أمي الحنونة:
اصبري ولا تحزني عليّ، بل افتخري وقوليها بصوت عال (ابني شهيد، ابني استشهد في سبيل الله) وكوني كما عهدتك المجاهدة الصابرة وحثي إخوتي على الجهاد كي يسيروا في هذا الطريق.
زوجتي العزيزة: إن لك أجر الشهيد لأنك دائماً تشجعيني للسير في هذا الطريق، ألست أنت التي قلتي لي يوم تكليفي بمسؤولية التعبئة في بعلبك "اذهب إلى البقاع الغربي لأن العمل هناك في سبيل الله والتقرب إلى الله أفضل بكثير من البقاء في بعلبك وزواريبها".
وصيتي أن تستمري في تربية أطفالي تربية صالحة وعلميهم حبّ الجهاد والعمل بما يرضي الله.
إخوتي الأعزّاء: ماذا عساني أن أوصيكم وأنتم والحمد لله جميعاً سائرون في هذا الطريق وعند سماعكم خبر استشهادي أرجو أن يكون واحداً منكم في كل عملية جهادية وأولادي أمانة في صدوركم.
حررت في 26 شهر رمضان 1407هـ حرباً حرباً حتى النصر زحفاً زحفاً نحو القدس..