مروى حسين الدر(*)
التبوّل الليلي مشكلة، غالباً ما يقف أمامها الأهل حيارى لما تسببّه من إحراج وحساسيّة تجاه المجتمع وتجاه الطفل بشكل أكبر. وممّا لا ريب فيه أنّ هذه الحالة تقوقع الطفل في دائرة الخجل، والشعور بالنقص، والاكتئاب والدونيّة، ما يدفعه في بعض الأحيان إلى الانعزال والانطواء والابتعاد عن النشاطات الاجتماعيّة كالتخييم والرحلات وحتى حرمانه من قضاء ليلة صيفيّة عند أحد الأقارب. وقد تؤدي به في بعض الحالات إلى العنف والمشاغبة والكذب خاصة عندما يواجهه الأهل بالعقاب والتوبيخ ما يصيبه باضطراب في شخصيّته وتأزّم في حالته النفسية.
لذا، ولتجاوز عقبات هذه الحالة الشائعة التي قد يؤدي عدم استيعابها والجهل بطرق معالجتها إلى عواقب غير مرغوبة، نلقي الضوء على أبرز جوانبها مع تقديم بعض النصائح المفيدة في هذا المضمار.
*كيف تبدأ المشكلة؟
أظهرت إحصاءات أجريت مؤخراً أنّ 50 مليون طفل في العالم يعانون من مشكلة التبول الليلي اللاإرادي. وتبدأ المشكلة بحدوث بلل ليلي للفراش في العمر الذي يفترض فيه أن يكون الطفل قادراً على ضبط حركة التبوّل لديه أي ما بين 4 و5 سنوات.
تصيب هذه الحالة كلا الجنسين. وتجدر الإشارة إلى أن نسبة إصابة الذكور بها تفوق 2-4 % نسبة إصابة الإناث.
*أسباب حركة التبوّل
في ظل الحالات المتواترة للمرضى، برزت أسباب رئيسة عدّة، منها ما هو عضوي ومنها ما هو نفسي.
أ- الأسباب العضويّة:
1 - التهاب المسالك البوليّة.
2 - الإصابة بمرض السكري.
3 - Anti-Diuritic نقص في هرمون التحكّم المانع للتبوّل.
4 - العامل الجيني وهو الأهمّ حيث إن 75 % من الأطفال المصابين لهم آباء وأمهات كانوا مصابين بالمرض في الصغر.
ب- أسباب نفسيّة:
1 - الخوف اللّيلي الزائد وغير الطبيعي.
2 - قدوم مولود جديد ما يسبّب الغيرة لدى الطفل ويدفعه إلى المشاغبة وفعل الممنوع بهدف لفت الأنظار حوله.
3 - الشعور بعدم الاستقرار كالانتقال من منزل إلى آخر أو من مدرسة إلى أخرى.
4 - فقد أحد الوالدين.
5 - حصول مشاكل أسريّة، ما يؤدّي إلى إحساس بعدم الأمان.
*الفازوبرسين: مانع التبوّل
تقوم الغدّة النخاميّة، في الجسم، بإنتاج هرمون الفازوبرسين المسؤول عن تقليل كميّة البول المنتجة ليلاً بما يتناسب مع سعة المثانة، ما يخوّل الطفل السيطرة على عمليّة التبوّل لديه.
في الحالات الطبيعيّة، تتم عمليّة إفراز الفازوبرسين بالمستوى الطبيعي عند الطفل في عمر 3-5 سنوات حيث يصبح قادراً على التحكم بحركة الجهاز البولي لديه، وبالمقابل فإنّ اضطراب عمليّة الإفراز تعرض الطفل بشكل كبير للإصابة بالتبول الليلي اللاإرادي.
*ما الحل؟..
في حال التأكّد من تكاسل عمل الغدة في إفراز الفازوبرسين، فإن إعطاء علاج سيمكّن جسم الطفل من إفراز الكميّات المطلوبة للتحكّم بعمليّة التبوّل لديه.
وقد أكّد الأطباء أن إعطاء أقراص المينيرين "Minirin Tablets" قبل النوم مباشرة حلٌّ كفيلٌ بتعديل كميّة البول ليلاً بما يتناسب مع حجم المثانة فتقوم هذه الأقراص نيابةً عن الهرمون بضمان فراش جاف للطفل طوال الليل.
* نوافذ لحلول أخرى:
عندما يتبين أن أسباب التبوّل ليست بعضوية عن طريق إجراء التحاليل والصور اللازمة، هنا، لا بدّ من اتباع بعض الإرشادات التي تسهم في الحدّ بمستوى معيّن من هذه المشكلة:
1 - عدم الإكثار من تناول الشاي والقهوة والمشروبات الغازية لما تحتويه من مادة الـ"Methyl-Xantin" المدرّة للبول.
2 - توفير الأجواء الهادئة في المنزل لإبعاد الطفل عن التوتر.
3 - تعويد الطفل على دخول الحمام قبل النوم.
4 - الالتفات إلى حركات الطفل والوقوف عندها لمعرفة السبب الرئيسي للمشكلة وبالتالي وجود الحل المناسب.
5 - تدريب الطفل على الاستيقاظ ليلاً عدة مرّات لمحاولة التبوّل ومعاونته من قبل أمه إذا كان يخاف من القيام وحده.
*كيف تتعاملين مع طفلك؟
دور الأم، في هذه الحالة، ضروريٌّ جداً وهام في احتضان طفلها وحمايته من وسوسات نفسه أولاً، ووشوشات مجتمعه ثانياً. تتبلور هذه الحماية عن طريق خطوات عدة أبرزها:
1 - التعامل مع المشكلة بهدوء وصبر وتروٍّ.
2 - الاتفاق مع الطفل على أنّ هذه الحالة طبيعيّة وبالإمكان معالجتها سويّاً وبسهولة.
3 - تنبيه الإخوة إلى عدم السخرية والاستهزاء من أخيهم وتحذيرهم من معايرته بالنقص أو بالمرض.
4 - تزويد الطفل بجرعات زائدة من الثقة به لعدم تزعزع ثقته بنفسه ولتجنب تأثير المشكلة السلبي على شخصيته.
5 - تيسير الحلول السريعة غير المحرجة للطفل كتوفير الأغطية والملابس الخاصّة بالقرب منه ليسهل عليه تبديلها بمفرده ودون إرباك أمام إخوته.
6 - الانتباه لعدم توبيخ الطفل أو تأنيبه أو معاقبته لأنّ المشكلة فوق سيطرته.
7 - دعم الطفل وتشجيعه كلامياً وفعلياً كلما اتّبع الخطوات المطلوبة منه، ما يساعد على سرعة نجاح العلاج.
*فيه شفاء لكل داء..
بعد الإقرار بأن مشكلة التبول نتيجة لاإرادية للجهاز البولي، يصل بنا المطاف إلى التساؤل عن حقيقة وجود علاج طبيعي بعيداً عن الأدوية المصنّعة.
ويجيب عن هذا التساؤل د. س. جارفيس بقوله: "إننا نحتاج إلى دواء يمتصّ الماء ويحتفظ به وله تأثير مسكّن على جسم الطفل. كما يجب ألّا يكون في استعماله المتكرّر ضرر عليه. وقبل هذا كلّه يجب أن يستسيغه الطفل ويتقبّله بارتياح.. وهذا لا يكون إلّا في العسل".
فالعسل يستطيع أن يمتصّ الرطوبة من الهواء ويكثفها والفركتوز الموجود فيه له خاصيّة امتصاص الرطوبة، ما يجعله علاجاً مناسباً لامتصاص الماء في جسم الطفل. وبذلك فإنّ تناول ملعقة صغيرة من العسل، قبل النوم مباشرة، تسكن الجهاز العصبي عند الطفل وتمتص الماء من جسمه.
(*) ماجستير في علوم الحياة.