فاطمة منصور
في عصرٍ تعالت فيه أبواق الحروب واندفعت من جنباته أرتال الجثث ومُلئت الأرض برائحة الدم، قد تأتي صرخة الضمير مخنوقة وصوت العقل خامداً ونداء الإنسانية مستغرباً.. ولكن لا تضرّ دعوات العقلاء من هنا أو هناك إلى التلاقي مع الآخر، إلى التوافق مع الآخر، إلى الحوار مع الآخر.. ولما كان لكتاب الله تعالى العزيز - مرتكز العقلاء - تلك المكانة العالية في الهداية إلى الصواب، عزم الشيخ "عارف هنديجاني فرد" على التوقف عند مسألة الحوار، فكتب كتابه "حوار الأديان في القرآن الكريم - إشكالية الحوار وآفاق التواصل".
*محور اهتمام كل الأديان
الكتاب مؤلف من 223 صفحة من الحجم المتوسط. وقد احتوى على فصول ثلاثة أدرجها تحت عناوين عامة، جاعلاً في نهاية كل فصل خلاصة للمطالب. وقد احتوى الكتاب على عدد لا بأس فيه من المراجع والمصادر التي توزّعت بين كتب تفسير القرآن وكتب لغويّة وفلسفيّة وكلاميّة وعقديّة وعلم الأديان والسير. وتنوّع المؤلفون بين علماء إسلاميّين وغربيّين، هذا فضلاً عن الاستعانة بآيات القرآن الكريم التي تعدّ محور الدراسة.
إنّ أهميّة المسألة المطروحة هي في كون الباحث حاول تقريب كل الاختلافات وتذليلها بالعودة إلى نقطة الاشتراك، والتي هي محور اهتمام كلّ الأديان، وسعى في سبيل ذلك إلى التدرّج من النظرة إلى الإنسان في القرآن ثم إلى الاتفاق على أصالة الحوار ليصل إلى مسألة حوار الأديان في القرآن.
*الفصل الأول: "الإنسان في القرآن"
بعد أن بيّن في مقدّمته أنّ الحوار في القرآن هو ممّا تقتضيه حقيقة الخلق والهداية وكون الحوار مجسّداً للتواصل الإنساني ومن خلاله يرتقي الإنسان ليصير عبداً لله، انتقل المؤلف إلى الفصل الأول وفيه بحثَ مسألة الإنسان في القرآن عارضاً لخاصيّة كون الإنسان خليفة، ببيان علاقة الخلافة والعلم ثم الخلافة والكمال الإنساني. واستعرض بعد ذلك قضية القرآن والحوار. ليبين بعد ذلك مسألة الأديان والأصول الإيمانية وأيضاً الأصول الإيمانية والتجربة التاريخية.
وتتضح مسائل الفصل الأول في الآتي:
أ- جوهر وحقيقة الدين فيما دعا إليه من حوار إنساني.
ب- في الأصول الإيمانية التي كانت مكشوفة للإنسان ويعيشها.
فنجاح البشرية هو باهتدائها إلى دينها وسلوكها من خلال الحوار والدعوة بالحسنى.
وما حصل من انهيار للأمم والشعوب على مستوى الدين والسياسة، منشؤه استبدال الولاية بالسلطان. أما إذا عدنا إلى القرآن، فنجد أن خطاب الإنسان هو أن يجعل نفسه امتداداً للإنسانية بمعزل عن الزمان والمكان والتاريخ، حتى يُكوِّن من ذلك كمال الإنسانية بكل تجلياتها الإيمانية.
*الفصل الثاني: أصالة الحوار وعالميّة الإسلام
وبعد معالجته لقضيّة الإنسان في القرآن شرع في الفصل الثاني الذي عنونه بـ "أصالة الحوار وعالميّة الإسلام". ولهذا عرض مجالات الحوار وعالميّة الإسلام والعالميّة التبشيريّة، ومن ثم تناول الحوار في العقيدة عبر ضرورة التنوع في العقيدة، وحوار العقيدة، وتواصل الأديان. وأيضاً، استغلّ مسألة الحوار في التشريع والأخلاق. وتتلخص الأفكار التي عالجها فيما يلي:
المساحة المشتركة بين أهل الإيمان من الأديان السماوية هي: الإيمان بالله الذي لا شريك له، والإيمان بالأنبياء والإيمان باليوم الآخر.
من هذه الأصول يكون التواصل بينهم والتعاون لتكون لهم رؤية مشتركة حول الإنسان وقضاياه.
والقرآن يدعو إلى حوار الأديان على قاعدة أن الهدف من الخلق هو التعارف. ولا معنى أن يتجافى الإنسان عن الحوار لمجرد الاختلاف في العبادات والسياسات، لأن المشترك هو العقيدة والأخلاق.
الرؤية الدينية جعلت من الحوار أساساً. والحوار بحد ذاته له دور في إدارة الأزمات التي تعصف بالمجتمعات.
*الفصل الثالث "حوار الأديان في القرآن"
أما الفصل الثالث الذي كان عنوانه "حوار الأديان في القرآن"، ففيه اختار المنهج القويم، وثوابت الحوار، واستعرض الآيات التي تحدثت عن الحوار مع أهل الكتاب من يهود ونصارى. وهنا، قام بإرساء الثوابت القرآنيّة التي تؤسّس مباني الحوار الإنساني، وكيفيّة الاستفادة من الجانب التاريخي، الذي اعتمده القرآن للتذكير والاستفادة والاعتبار.
ثم نجده يشرع في بيان مسألة حوار القرآن، ومنطق التكفير ليؤسس لفكرة كونه ليس موقفاً عدائياً من أهل الكتاب، بل لأن تلك الفِرَق لم تهتدِ واستمرت بالدعوة إلى الباطل. ونلاحظ أيضاً أنه يعالج الآيات التي تدعو للقتال وكيف يمكن أن توافق الحوار ليبرهن أن الحوار هو الأساس والقتال هو الاستثناء.
ويختم هذا الفصل بمعالجة الحوار بين المشروعية والحقانية، فيستفيد من كل ما تقدم ليثبت أن:
أ- الحوار يحتاج إلى طرفين، فالتنوع والتعدد مشروع.
ب- الكلمة السواء هي ما يحقق الهدف من الحوار.
ج- الإسلام يعطي شرعية الوجود في العقائد والمذاهب والاتجاهات الفكرية المخالفة له. وهذه الشرعية أعطيت بهدف أن يتكامل البشر.
د- الشرعية التي يعطيها الإسلام للأغيار بما هم عليه من تنوع في الخلق والاعتقاد لا تتعارض مع دعوته لهم إلى التوحد في الإسلام لأنه الكلمة النهائية في التاريخ الديني. ومن شأن التعاون على البر والتقوى أن يؤدِّي إلى تعبير الناس عن فطرتهم وشهادتهم التي كانت منهم في عالم التكوين وتكون التقوى حينئذ تقوى لله في علم الإنسان وعمله..
*أهداف الحوار في الإسلام
الحوار بين الأديان في ظل الإسلام له أهداف، فالإنسان وما منّه الله عليه من تمايز في الخلق والوجود وتسخير الموجودات له ودعوته إلى شريعته يستطيع تجاوز عقبات الحياة، عندما يتخذ من دين الله أساساً لرؤيته وحركته لتحقيق كماله.. فيكون الحوار في الأديان بأن يتحوّل الإنسان وفاقاً لأمر الله ونهيه.
*خاتمة
لقد استطاع الباحث أن يضيء على الميزة التي تجعل من القرآن كتاباً جامعاً على كلمة سواء. وهو قام بالإنارة على الكثير من الشبهات التي طرحت في مسائل تتعارض بجوهرها مع قضية الحوار والتي كانت مثار بحث المفكرين والمخالفين للإسلام. وهو في فصول الكتاب لم يستخدم إلا الكلمة السواء التي استقاها من منطق القرآن، مستعيناً بذلك بالتفاسير بكل أطيافها.