غلام رضا صالحي
بدأنا في الحلقات السابقة تصنيف أهداف النظام التربوي في المجتمع المهدوي، والتي تقوم على أربعة أنواع أساسيّة، وتحدّثنا عن النوع الأول: وظائف الإنسان تُجاه الله تعالى، وعن الثاني: وظائف الإنسان تُجاه نفسه، ونكمل في هذا العدد الأساس الثالث: في وظائف الإنسان تُجاه الآخرين.
* في وظائف الإنسان اتجاه الآخرين
الناس في هذا النظام التربوي مسؤولون أمام بعضهم البعض حيث يجب عليهم الوصول إلى أهداف خاصة في هذا الشأن. وتقسم علاقة الشخص مع الآخرين إلى أربعة أبعاد: اجتماعي، واقتصادي، وسياسي، وثقافي. حيث ندرس الأهداف التربوية لكل واحد من هذه الأبعاد.
1 - العلاقات الاجتماعية:
في النظام التربوي الإسلامي والمهدوي، الناس مسؤولون عن معرفة حقوقهم ووظائفهم الاجتماعية بشكل كامل. وهم مسؤولون أيضاً عن إقامة علاقات سالمة وصحيحة مع الآخرين. حيث يجب أن تكون هذه العلاقات على أساس الموازين العقليّة والشرعيّة. والسرّ في ذلك عدم ضياع حقوق الآخرين. ومن ذلك ما جاء في القرآن الكريم: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ (البقرة: 229).
يؤكّد الإمام الصادق عليه السلام على أهمية احترام الحقوق الاجتماعية وإيجاد المحبة والأخوّة ويعتبر ذلك من خصوصيات المذهب التربوي المهدوي ويقول: "... [يحسن حال عامة العباد] ويجمع الله الكلمة ويؤلّف بين قلوب مختلفة ولا يعصى الله عزّ وجل في أرضه ويقام حدود الله في خلقه ويردّ الله الحق إلى أهله"(1).
ويقول الإمام الباقر عليه السلام: "إذا قام القائم جاءت المزايلة وأتى الرجل إلى كيس أخيه فيأخذ حاجته فلا يمنعه"(2).
2 - العلاقات الاقتصادية:
في النظام التربوي الإسلامي والمهدوي يجب تنظيم وإجراء المسائل الاقتصادية على أساس الأهداف الإلهية.
الهدف الأساس في العلاقات الاقتصادية الرائجة في الأنظمة غير الدينية: زيادة الإنتاج، وزيادة الربح، وزيادة الرفاه المادي. لذلك ينشأ النظام الطبقي ويقسّم المجتمع إلى طبقتين المستضعفة والرأسمالية.
أما في النظام التربوي الإسلامي والمهدوي، فليس الهدف فيه مجرد رفع الاحتياجات المادية، بل إلى جانب ذلك: تأمين العدالة الاجتماعية، والرفاه العام. تقوم الأصول الإنسانية في النظام الليبرالي الغربي على الاقتصاد الفردي حيث لا يعود النفع لعموم الناس. أمّا في الإسلام فالهدف الأساس من الإنتاج والمصرف والعلاقات الاقتصادية، الوصول إلى مرحلة المواساة في الأموال، والتحقق العملي للرفاه والعدالة الاجتماعية. يتحدّث القرآن الكريم عن أن الاستفادة من الأموال ذات قيمة إذا كانت في إطار المسير الإلهي والعمل بأحكامه والاهتمام بالخلق: ﴿وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ (سبأ: 37).
يقوم المذهب التربوي المهدوي على أساس إيجاد اقتصاد سليم وإلهي على مستوى الكرة الأرضية وتأمين الاحتياجات المادية والاقتصادية للأشخاص الآخرين إلى أي مكان أو دين انتموا، وترويج العدالة والرفاه المادي. هنا يزول الفقر والنظام الطبقي، ولا يبقى مستعمر يحرم الناس من احتياجاتها الضرورية.
في زمان الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف تعمّ المساواة بين الناس، فلا يحتاج أحد إلى الزكاة ويتحسّن وضعهم المعيشي. عن الإمام الصادق عليه السلام: "سبحان الله! أما تحبّون أن يظهر الله تبارك وتعالى الحقّ والعدل في البلاد ويجمع الله الكلمة ويؤلّف الله بين قلوب مختلفة..."(3).
3 - العلاقات السياسية:
من جملة الأمور التي تندرج في إطار العلاقة بين البشر والمجتمع الإسلامي، العلاقة بين المؤمنين والشعوب الأخرى، حيث أراد الإسلام للمجتمع الإسلامي إقامة علاقات حسنة مع الشعوب الأخرى التي لا تعادي الإسلام والمسلمين ورعاية العدل والمساواة في التعامل معها. جاء في القرآن الكريم: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ (الممتحنة: 8).
من جهة أخرى، نهى الله تعالى عن العلاقة مع الأمم والمجتمعات التي تعادي الإسلام والمسلمين واعتبر ذلك ظلماً كبيراً للكيان الإسلامي وطلب من المسلمين المواجهة بعزّة وشموخ. جاء في القرآن الكريم: ﴿إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ (الممتحنة: 9).
إن الهدف الأساس من العلاقات الدولية في النظام التربوي الإسلامي، الحصول على عزّة الإسلام وقوّته ليمكن بواسطة ذلك توجيه المجتمعات الأخرى نحو الإسلام ونشر الأخوة والمساواة والكرامة الإنسانية. في هذا الحال يمكن تطبيق شعائر وأحكام وتعاليم الإسلام في العالم، وقد جاء في القرآن الكريم: ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾(الحج: 41).
يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: "لو قد قام قائمنا (...) وذهبت الشحناء من قلوب العباد واصطلحت السباع والبهائم حتى تمشي المرأة بين العراق والشام لا تضع قدميها إلّا على النبات وعلى رأسها زنبيلها لا يهيجها سبع ولا تخافه"(4).
4 - العلاقات الثقافية:
العلاقات الثقافية في النظام التربوي الإسلامي يجب أن تؤدي إلى التكامل المعنوي. ومن الواضح أن الأسس الثقافية إذا اتخذت وجهة قيمية ومالت نحو الهدف الأساس أي القرب إلى الله تعالى، ستتغيّر صورة المجتمع بالكامل، وتطرد أسباب الانحراف والفساد.
يشير القرآن الكريم إلى أن من جملة الأهداف التربوية للرسول صلى الله عليه وآله وسلم إيجاد الثقافة والقيم الإلهية وإزالة القيم والآداب والعادات الخاطئة والمنحرفة: ﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾ (الأعراف: 157).
يعارض الإسلام في هذه المسألة الثقافة الليبرالية الغربية التي لا تهدف سوى إلى انحطاط الإنسان. ويعتبر الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أن من خصوصيّات حكومة الإمام المهدي عجل الله تاعلى فرجه الشريف، إحياء الثقافة الإسلامية والقرآنية والعلاقات الحسنة القائمة على أساس الأحكام الإلهية: "كأني أنظر إلى شيعتنا بمسجد الكوفة قد ضربوا الفساطيط يعلّمون الناس القرآن..."(5).
ويقول الإمام الباقر عليه السلام: "وتؤتون الحكمة في زمانه حتى أن المرأة لتقضي في بيتها بكتاب الله تعالى وسنّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم"(6).
1- الوافي، الكاشاني، ج2، ص440.
2- وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج5، ص121.
3- الوافي، م.س.
4- تحف العقول، ابن شعبة الحراني، ص115.
5- الغيبة، النعماني، ص333.
6- بحار الأنوار، المجلسي، ج52، ص352.