مصطفى شمران
رسالة عرفانية كتبتها أنامل المحترق بلهيب الشوق إلى المحبوب الشهيد مصطفى شمران
إني أعتقد بأن الله يجازي الإنسان بقدر الأوجاع والآلام التي يتحملها في طريق الله. قيمة كل إنسان على قدر الآلام والمصائب التي يتحملها في هذا الطريق، والرجال الربانيون أكثر من غيرهم مبتلون بالآلام والمصائب. انظروا إلى علي عليه السلام العظيم الذي هو أب الآلام حتى كان كل عضو من أعضائه يغلي بالآلام، وانظروا إلى الحسين عليه السلام الذي هو بحر الهموم والعذاب قد غاص فيه ولم يكن له نظير في العالم، وانظروا إلى زينب الكبرى التي أنست بالمصاعب والمشقات.
الألم يوقظ قلب الإنسان ويصفي الروح ويزيل حب النفس والغرور ويزل الكسل والتقاعس ويوجد الإنسان لحقيقة وجوده وذاته. ينسى الإنسان بعض الأحيان نفسه، وينسى بأنه يملك جسماً ضعيفاً غير قادر والذي يعتبر في مقابل العالم والزمان صغيراً ولا شيء وقابلاً للزوال وللتضرر، وينسى بأن جسمه المادي غير قابل للتحليق مع روحه. هذا الإنسان يحس بالأبدية والإطلاق والغرور والقدرة والانتصارات الواهية والآمال المستحيلة الطويلة اللاواقعية.. إنه يتقدم في كل عمل إجرامي ولا يتوانى عن عمل أي جريمة. ولكن الألم يعيد الإنسان إلى نفسه ويفهمه وجوده الإنساني ويشعره ضعفه وزواله وزلته، ويمنعه من الغرور والكبرياء ويفهمه معنى حب النفس وطلب المنفعة والغرور حتى لا يقبل بها.
أشكر الله الذي عرفني الفقر حتى أفهم مشقة الجوع وأدرك دوافعي الداخلية نحو المحتاجين.
أشكرك يا إلهي حيث أُمطِر علي وابل من التهم والأكاذيب حتى أذهب في عالم الطوفان من الوحشية والجهل والظلم وأدوي بصيحاتي الحقة ضد الأعداء المخفيين والدائرين علي بسوء الدوائر. في عمق الآلام أغوص بفطرتي حتى أحسّ من أعماقي بآلام ومصائب عليّ عليه السلام العظيم مظهر الإسلام والعبادة والمحبة والإيمان والعشق والتكامل والذي بكل عظمته وبتمام تلألئه أصبح محل التهم والافتراءات والكذب. وخلال أكثر من 1400 سنة من التاريخ ومع آلاف العبرات لا زال التاريخ والأيام أيضاً يحمل في أذهان كثير من المسلمين التهم والافتراءات على عليّ عليه السلام وبقيت هذه الشخصية الفريدة من نوعها في أوراق التاريخ غير معروفة. أشكرك يا إلهي الذي عرفتني بالآلام حتى أحس بآلام المتألمين وأحيط بتأثير الألم الكيميائي وأحرق الأشياء غير الخالصة من وجودي بنار الألم وأسحق طلباتي النفسية في بئر الأحزان والألم. وفي الوقت الذي أمشي على وجه الأرض، واستنشق الهواء، يكون ضميري مطمئناً حتى أستفيد من وجودي وأحس به.
إلهي، أشكرك حيث حيث أنك أحرقتني في نار حبّك، صغرت كل الموجودات في نظري إلاّ حبّك وعشقك حتى أمشي في الحوادث المؤلمة الموحشة بقلب مطمئن وبكل هدوء. الآلام والتهم والظلم والضغوط والتعذيب أتحملها بكل سهولة.
إلهي أشكرك على لذة روحي في العروج إليك بيسر حتى أمشي وأمر من دنيا المادة وهناك لا أرى غير وجودك ولا أريد غير بقائك. ورجوعي من الملكوت الأعلى يكون لي عذاباً سماوياً حتى لا أرتبط ولا أعتمد بقلبي على غيرك.
إلهي الآن أحس بأنني في بحر من الآلام والأحزان وفي بحر الهموم والحسرة إلى حد أن السموات والأرض وكل ثروات الوجود لو أعطيت لي لرددتها بكل سهولة. ولو جعلت العالم علي ناراً والسماء تمطرني بالعذاب، وتحت جبل الهموم والآلام تعذبني حتى لا أقول آخ ولا أعتب عليك عتاباً صغيراً ولا أكون قلقاً ولكن بشرط أن لا تأخذ مني ذكرك وجمالك. وأن تبليني في هذه الحالة بالبلايا شرط أن لا أعرف بأن هذا البلاء من محبوبي قد وصلني حتى أحس باللذة وأشتري الآلام والعذاب بالروح والقلب وأثبت بأن العزة والذلة لي شيء واحد واللذات والآلام في الدنيا لا تزحزحني والخسارة والنصر المادي لا يؤثر عليّ.
كنت لا أحب، ولا أحب أن يكون الأصدقاء والعظماء لكونهم أصدقائي وأحبائي يدافعون عني وينجونني من الطوفان وكنت لا أحب أن أستفيد من رحمة ورفق الأصدقاء المخلصين ومن قدراتهم المادية والمعنوية في طريق أهدافي المقدسة.
ولكني كنت دائماً أريد أن أكون شمعة أحترق حتى أنير وأكون نموذجاً في الحق مقابل الظلم.
كنت أريد دائماً أن أكون مشعل الثورة في سبيل الله وأردت أن أمرِّغ في الفقر ولكن لا أمد يد الحاجة إلى أحد.
أردت أن أكون صوتاً أزلزل السماء والأرض بتضحيتي وإيماني. أردت أن أكون ميزاناً للحق والباطل وأن أكشف المكذبين والمنتفعين.