نسرين إدريس قازان
حيدر محمد أيوب (ساجد)
اسم الأم: نهاد بزي
محل وتاريخ الولادة: بنت جبيل 25/9/1977
الوضع العائلي: متأهل وله 4 أولاد
رقم السجل: 91
تاريخ الاستشهاد: 25/4/2013
"سيدتي يا زينب أريد أن أكون قربك.. الآن كربلاء، وأنا أريد أن أستشهد من أجلك".. كان صوت حيدر يقطعه نشيج الدموع في خلوة ذات ليلة قمرية، وخلف الباب تسمعه زوجته وقد حيرتها تلك الحالة التي عاشها زوجها منذ أن أُعلن نفير الدفاع المقدس؛ وهي أكثر من تعلم أنه ممنوع عليه المشاركة في أي عمل عسكري لخطورة ما يعانيه من مرض في ظهره ورقبته.. ولكن هل حقاً أن من مثل حيدر يركن إلى الوجع؟!
*حيدر كرّارٌ غير فرّار
"حيدر الكرار" هذا الاسم الذي انتقاه له والده، وأصرّ على مناداته به، على الرغم من رفض دائرة النفوس تسجيله به لأنه اسم مركّب، وكأن الوالد كان يرى في ولده شجاعةً وإقداماً وقوةً منذ الطفولة ستؤهله، ليكون ذات يوم، كراراً غير فرار في معارك الحق ضد الباطل..
في عائلة كبيرة نشأ حيدر في بلدته بنت جبيل حيث عاش طفولة ملوّنة بأجمل الذكريات، ذكريات سرعان ما امتدت اليدُ السوداء لترمي بحبرها القاتم عليها، وكان ذلك في فجر ذات نهار حين حاصر جنود من ميليشا العملاء والصهاينة بيتهم واقتادوا والدهم الجندي في الجيش اللبناني إلى التحقيق.
*وتحقّق الحلم
بعد يومين، أفرج عن الوالد بعد وساطات عدة، ولكنّ الخروج كان إلى منفى جديد بعيداً عن بنت جبيل، فاستقرت العائلة في منطقة الشياح في بيروت، وانسلخ حيدر عن كل شيء جميل في حياته. فالحرب من حوله كانت تلتهم كل شيء، فوقع بين براثنها ومخالب الظروف الاقتصادية الصعبة، واضطر للتخلي عن حلمه في إكمال دراسته ليخوض غمار العمل في سبيل مساعدة والده، فاشتغل في عدة مهن قبل أن يتفرّغ في صفوف المقاومة الإسلامية.
*براءة الأطفال
كبر حيدر قبل أوانه، ولكنّ قلبه ظلّ طفلاً ببراءته الجميلة، فطيّب القلب والهادئ جداً منذ أن كان جنيناً، سرعان ما يتحول إلى كتلة من نار إذا ما غضب، فأطلقت عليه أمه اسم "أبو رعد"، إذ كان شديد الغضب إذا ما استفز، وهو الذي لم يدّخر قوته لنفسه، بل تبرّع للدفاع عن البعيد قبل القريب إذا كان الحق معه.
*وداع أحباب ورفاق
كان قلبُ حيدر قِبلة للرزايا، فقد فجع بأخويه في الحرب الأهلية في أحداث متفرقة، ومرضت والدته فلازمها حين مرضها حتى فاضت روحها، فسكنت الغربة نفسه، وكان يقول إنه بعدها كنبتة في الصحراء لا يوجد من يسقي ظمأها.. ومن بعد أمه أبوه. وكأن كل ذلك لم يكفه، فصفحات عمره صارت تخلو رويداً رويداً من وجوه رفاق الدرب في البلدة والجهاد، وصار المسجدُ في بنت جبيل ملاذاً لوحدته بعد أن كان يضجُّ بأصوات الأحبة من خالد بزي، إلى كفاح شرارة، إلى حسن حميد، والعديد من الشهداء الذين شدَّ رحيلهم الخناق عليه.
الأبُ المحبّ كان صديقاً صدوقاً مع أولاده، وكل ما تعلمه حيدر من هذه الحياة راح يعلّمه لهم حتى يخفف من قساوة أيامها، وقد تعلّق بأولاده أيّما تعلّق فهم دنياه التي يعيشُ من أجلها. وكان على فقر حاله عزيز النفس ذا أنفة، لا يكادُ يعرفُ أحد أنه في كثير من الأحيان كانت تمرّ عليه أيام لا يملك فيها قوت يومه، ولكن غناهُ عن الدنيا وتوكله على الله واستبشاره بالآخرة ولّد عنده صبراً عجيباً، فكان يقول دوماً: "نحنُ نجوع في حياتنا لنغنى في مماتنا.. هذه الدنيا لا تساوي شيئاً على الإطلاق.. إنها كما لو أن أحداً يوصل الآخر فحسب..".
*حرب فوق التوقّعات
حيدر، الكرار في الحرب، بعد أن قضى معظم أيامه في المحاور، وعاد بعد التحرير لتسكن روحه بنت جبيل، رجع بعد غياب عشرين يوماً إلى منزله فيما كانت المحطات تنقلُ خبر أسر جنديين إسرائيليين في خراج عيتا الشعب، فسلّم على زوجته وأوصاها بالأولاد وطلب إليها أن لا تغادر البيت.. ولكن الحرب كانت تفوق كل ما كان متوقعاً، وحيدر يتنقّل من قرية إلى أخرى، يرمي أحياناً المستعمرات الإسرائيلية بالصواريخ، ويعمل في الدفاع الجوي حيناً، وأحياناً يخوض مواجهة مباشرة مع العدو.
كان ذات يومٍ مع مجموعة من المجاهدين في مكان مشرف على منزله الذي رآه بأم عينه يتحول إلى ركام والطائرة الحربية فوقه، فترقرقت دمعة حامية على وجنته وقد أسلم الأمر لرب العباد، واحتسب عائلته عند الله، فهو لم يستطع ترك مكانه خوفاً من أن يفضح مكان المجموعة. ولكن القصة لم تنته هنا، فقد التقى بزوجته وأولاده بعد أن تم إنقاذهم وهم يكادون يفارقون الحياة جوعاً وعطشاً، وكانوا خارج المنزل حين قصفه، فلم يصدق عينيه حينما رآهم وشكر الله على جزيل نعمته..
*شرف الشهادة
مرارة لا تدانيها مرارة كان بقاؤه على قيد الحياة بعد صولاته وجولاته في حرب تموز، فكانت زوجته تخفف عنه بقولها: "لعل الله ادخرك لشرف أعظم وحرب أخرى..".
وحانت تلك الحرب، لم يعر حيدر اهتماماً لما أوصاه به الأطباء بعدم حمل الأثقال والجهد، وأصرّ في مركز عمله على قبول طلبه في الذهاب إلى الشام للدفاع عن حضرة العقيلة زينب عليها السلام. وحين وصل إلى الشام وقد لملم شتات روحه، وضع راحتيه على قضبان القفص بعد اشتياق، فهنا محطّ رحاله، وقد قَبِلَته صاحبة الحضرة في سرايا العاشقين..
مضت أيام الجهاد سريعة وحيدر ينتظر الرحيل الذي سرعان ما أزف.. كان على مجموعته الدخول إلى منطقة مزروعة بالألغام، فأصرّ حيدر أن يمهّد بدمه الطريق للمجموعة، فمشى بين الألغام حتى انفجر واحد فيه، وكان طوال الطريق في سيارة الإسعاف ممسكاً بيد رفيقه وبسمة ملائكية ترتسم على شفتيه حتى فاضت روحه إلى بارئها، وقد رُصّعت شهادته بوسام العشق الزينبي.