نهى عبد الله
بعد خمسة وعشرين عاماً، عاد إلى مخبأ الذكريات. ما زالت كما هي... الأرض، الأشجار الموسمية التي تغفو في هذا الوقت، مجرى النهر الجاف الذي لا يجري إلا وقت ذوبان الثلوج، الشجرة المتضررة... مشى خطوات أكثر... فانبعثت رائحة الأحبّة عبر أثير الزمن. فهنا حيث هدّأ من روعه أمين، وهنا استلقى فؤاد، وهناك جهاد، وعادل فوق التلّة، مازن الذي لم يُعرف له أثر حتى الآن... هنا فاضت أرواح الأحبّة... هنا حيث مربض النار.
مشى خطوات أخرى باتجاه الجسر الحجري، عادت له الذكريات حين تلقّاه البيت القديم، كان طبقة واحدة مهجورة، أما الآن فقد أصبح ذا ثلاث طبقات. تجوّل حوله فهو لن يدخله الآن، فقد عاد أصحابه وسكنوه. اجتاحته رغبة أن يدخل ليخبرهم عن أحمد، الذي بقي فيه ساجداً قرابة شهرين... هكذا وجد جثمانه... ساجداً، ملصقاً صدره بالأرض، تتدلى من رقبته سبحته، وجراحه مختفية في صدره..
لن يعرف قاطنو المنزل أي عمود نور صعد إلى السماء منه، وأيّ أريج جنان عبق في ذلك المنزل، وأيّ جثمان طاهر لم يبالِ بمرور الوقت.
مسح عن عينه دمعة حنين إلى أحبّة الزمن القديم، لكنه لم يعد بعد انقطاع إلّا بهدية لهم، بعد التحرير وتموز... والدفاع المقدس، عاد إليهم على عكازه، والعهد يتجدّد.