تقدم الكلام في الأعداد السابقة عن الأطعمة والأشربة وأقسامها من حيث الحلية والحرمة وأقسام الأطعمة إلى لحم وغيره، ويبري وبحري، وغيره من الأقسام. أما في هذه الحلقة سوف نتعرض إلى آداب الطعام والشراب وبعض المسائل الملحقة بها كإطعام الطعام في شهر رمضان وغيره.

* إطعام الطعام:
عن أبي عبد اللَّه الصادق عليه السلام قال: من أطعم مسلماً حتى يشبعه لم يدرِ أحدٌ من خلقِ الله ما له من الأجرِ في الآخرة، لا ملك مقرب ولا نبيّ مرسل إلا اللَّه رب العالمين، ثم قال عليه السلام: من موجبات الجنة والمغفرة إطعام الطعام السغبان - أي الجائع - ثم تلا قوله تعالى: ﴿أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ﴾ ﴿يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ﴾ ﴿أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ﴾ ﴿ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ﴾.
من يتابع الأحاديث والروايات الواردة في إطعام الطعام واستحبابه يجدها كثيرة جداً، فقد ورد أكثر من ستين رواية في فضل طعام الطعام، ففي بعض الروايات تجعل مسألة الإطعام من موجبات مغفرة الرب، وفي

بعضها قرنت مع إراقة الدماء ومع إغاثة اللهفان، عن أبي جعفر الباقر عليه الصلاة والسلام قال: "إن اللَّه يحب إراقة الدماء، وإطعام الطعام وإغاثة اللهفان".
من المعلوم أيضاً أن إطعام الطعام يخفف العذاب، عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال: إن أهون أهل النار عذاباً عبد اللَّه بن جدعان - وهومن رؤوس المشركين - فقيل له: ولِمَ يا رسول اللَّه؟ قال صلى الله عليه وآله: إنه كان يطعم الطعام.
 

وتتأكد مسألة الإطعام في شهر رمضان المبارك، عن الإمام أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام قال: "فطرك أخاك الصائم أفضل من صيامك" أي إطعامك إياه يكون أفضل من صيامك ويستحب أن تأتي لأخيك بما عندك وإذا دعوته أن تتكلف له بخدمته.
وخير الطعام ما تكاثرت عليه الأيدي، عن أبي عبد اللَّه الصادق عليه الصلاة والسلام قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: الطعام إذا جمع أربعاً - أي أربعة أشخاص - فقد تم: إذا كان من حلال، وكثرت الأيدي عليه، وسمى اللَّه في أوله، وحُمِدَ في آخره".
 

ويكره الانفراد في الطعام، عن الإمام الكاظم عليه الصلاة والسلام: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله؛ لعن اللَّهُ ثلاثة: أحدُهم الآكل زاده وحده".

* آداب المائدة
آداب المائدة تقسم إلى ثلاثة أقسام:
- قبل الجلوس.

- أثناء الجلوس.
- بعد الانتهاء من الطعام.
 

آداب ما قبل الجلوس:
يستحب الوضوء قبل الطعام فعن أي عبد اللَّه عليه السلام: "من سره أن يكثر خير بيته فليتوضأ عند حضور طعامه".
أيضاً من المستحبات الأكل على الأرض فقد كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يأكل على الأرض ويجلس جلسة العبد، عن أمير المؤمنين عليه السلام: "إذا جلس أحدكم على الطعام فليجلس جلسة العبد، ولا يضمّن أحدكم إحدى رجليه على الأخرى، ويتربع، فإنها جلسة يبغضها اللَّه ويمقت صاحبها". والتربع هوالجلوس على القفا ونصب الساقين والوركين.
يستحب التسمية قبل الطعام لاستحبابها في كل عمل ولورود الروايات في خصوص الطعام، عن الإمام الصادق عليه السلام: "إذا توضأ أحدكم ولم يسمّ كان للشيطان في وضوئه شرك وإن أكل وشرب ولبس وكل شيء صنعه ينبغي له أن يسمي عليه، فإن لم يفعل كان للشيطان فيه شرك".
وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "ضمنت لمن سمّى اللَّه تعالى على طعام أن لا يشتكي منه".

* الآداب أثناء الجلوس:
من الآداب الواردة في الروايات أن يأكل المرء مما بين يديه ولا يتناول من قدّام الآخر شيئاً، عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: "إذا أكل أحدكم فليأكل مما يليه".
خلعُ النعل من المستحبات أيضاً قال صلى الله عليه وآله: "إخلعوا نعالكم عند الطعام فإنه سنة جميلة وأروح للقدمين".
 

يكره الأكل إذا كان الإنسان متكئاً على جنبه، ومنبطحاً على بطنه، فعن سماعة بن مهران قال: "سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن الرجل يأكل متكئاً: قال عليه السلام: لا ولا منبطحاً".
كذلك يكره الأكل حال المشي، عن أبي عبداللَّه عليه السلام: "لا تأكل وأنت ماشي إلا أن تضطر إلى ذلك".
من المستحبات الأكيدة الاقتصاد في الطعام عن أبي الحسن عليه السلام: "لوأنّ الناس قصدوا في الطعام لاستقامت أبدانهم". ويستحب الاجتزاء على ما حضر من الطعام فلا يكثر من ألوانه وأصنافه.
 

يضاً من آداب الطعام لعق الأصابع ولطع القصعة فقد كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله "يلعق أصابعه إذا أكل" وكان يقول صلى الله عليه وآله: "ومن لطع قصعة فكأنما تصدّق بمثلها"، والمقصود باللطع هو مسح الأناء من الأكل وأكل ما يمسح به من خبزة ولعق أصبعه إذا كان المسح باليد.

* آداب ما بعد الانتهاء:
يستحب حمد اللَّه بعد الطعام، أكل أبوجعفر عليه السلام فلما فرغ قال: "الحمد للَّه الذي أطعمنا وسقانا ورزقنا وعافانا، ومنّ علينا بمحمد صلى الله عليه وآله وجعلنا مسلمين".
أيضاً يستحب الوضوء بعد الطعام: "الوضوء قبل الطعام وبعده يذيبان الفقر".
 

ومن الآداب أخذ ما يقع من فتات الخبز، فقد ورد عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: "من وجد كسرة وثمرة ملقاة فأكلها لم تقرّ في عينه حتى يغفر اللَّه له".
في ونهاية الكلام عن الآداب ننقل أروع ما قيل عن آداب المائدة عن الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام: "اثنا عشرة خصلة ينبغي للرجل أن يتعلمها عن الطعام، أربعة منها فريضة وأربعة منها سنة وأربعة منها أدب، فأما الفريضة، فالمعرفة والتسمية والشكر والرضا، وأما السنة فالجلوس على الرجل اليسرى، والأكل بثلاث أصبع، والأكل مما يليه، ومص الأصبع. وأما الآداب فغسل اليدين، وتصغير اللقمة والمضغ الشديد، وقلة النظر في وجوه القوم".