مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

الإمام علي عليه السلام سيرة وجهاد


* مقام الإمام علي في النجف العراق
ما بين بيت الله الحرام في مكة المكرمة حيث الولادة، وبيت الله المسجد الجامع في الكوفة حيث الشهادة، شهدت شبه الجزيرة العربية حياة رجل لم يستطع أعداؤه الألداء إخفاء عظيم فضله أو إنكار رفيع منزلته، فقالوا فيه "أن الدهر لعقيم أن ينجب كمثل علي". فمن هو هذا الإمام الهمام؟ وما هي أهم المواقف الكبرى التي اضطلع بها والحوادث المؤلمة التي واجهته أثناء أداء دوره الرسالي؟.
 

* الولادة والنشأة
في يوم من أيام الجمعة المباركة، وفي الثالث عشر من شهر رجب الحرام، أطل عليّ عليه السلام على الدنيا قبل البعثة النبوية الشريفة باثنتي عشرة سنة.
والده عميد قريش وسيدها أبو طالب حامي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وأمه فاطمة بنت أسد التي كفنها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بقميصه. نشأ وترعرع في حضن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بعدما أصاب أبا طالب فقر مدقع، فكان ربيب الرسالة والوحي. وفي ذلك يقول عليه السلام:
"وقد علمتم موضعي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا ولد يضمني إلى صدره ويكنفني في فراشه ويمسّني جسده ويشمني عرفه...، ولقد كنت أتبعه أتباع الفصيل أثر أمه يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً ويأمرني بالاقتداء به".
- كانت حياة الإمام علي عليه السلام مليئة بالجهاد والبذل والتضحية.

* حياته الجهادية
ابتدأت الحياة الجهادية للإمام عليه السلام باكراً جداً، فقد سبق القوم بالتسليم للرسالة الخاتمة والتصديق بها وهو لم يتجاوز الثالثة عشرة من عمره، ثم توالت مواقف قبل الهجرة دفاعاً عن هتك حرمة الرسول صلى الله عليه و آله و سلم في مواجهة غطرسة قريش وطغيانها، وفي السنة الثالثة عشرة للبعثة الشريفة، تآمرت قريش على قتل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بعد وفاة أبي طالب، فانبرى الإمام عليه الصلاة و السلام بشجاعة نادرة ليبيت في فراشه متابعاً دور الحامي والمدافع وراثة عن أبيه.
 

أما بعد الهجرة، فكان دور الإمام طليعياً في كل المعارك التي خاضها وقدم بطولات لم ولن يلحق به فيها أحد، فبدرٌ تشهد حين حمل لواءها وقتل أكثر من نصف قتلى المشركين، وثباته في أحد حين هرب الجازعون مدافعاً عن الرسول صلى الله عليه و آله و سلم لم يُشهَد له مثيل، والأحزاب تنبىء أن "ضربة علي يوم الخندق تعادل عمل الدين إلى يوم القيامة". ولم تقف البطولات عند هذا الحد، فعندما عجز القوم عن اقتحام حصن خيبر الحصين، لم يجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بدأ من القول "لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله".
 

واستمرت حياة الأمير على هذا المنوال، جهاداً وبذلاً وتضحية وقتلاً لأعداء الله، وتبليغاً لرسالات الله دون خوف أو وجل ﴿الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله وكفى بالله حسيباً. (الأحزاب/39) فذهب إلى قريش التي أوغل في دماء رجالها وشبابها، وبلّغ سورة براءة وهي أشبه بإعلان حرب وهو وحيد فريد.
ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوصي باتباعه على الدوام، فهو دائماً "مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار"، حتى قال صلى الله عليه وآله وسلم لعمار بن ياسر: "وإن سلك الناس كلهم وادياً وسلك عليٌّ وادياً، فاسلكْ وادياً سلكه علي وخلِّ الناس طراً" وفي حجة الوداع، السنة العاشرة للهجرة، نصبه خليفة وإماماً من بعده على جميع المسلمين وأرهم بمبايعته، وكان مما قاله صلى الله عليه وآله وسلم : "من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم والِ من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه كيفما دار".
 

*السقيفة
بعد وفاة الرسول الأعظم انجلى الأمر عن قرار خطير كان يستهدف إقصاء الإمام عليه السلام عن الخلافة، حيث اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة لتنصيب زعيمهم سعد بن عبادة، لكن بعض المهاجرين الذين عرفوا فيما بعد بالحزب القرشي سارعوا إلى المكان وأتموا الأمر لصالحهم بعد محاورات وخلافات يندى لها جبين المسلم الغيور ونصبوا أبا بكر خليفة على المسلمين، وأمروا الناس أن يبايعوه طوعاً أو كرهاً. هذا وعلي عليه السلام وبنو هاشم وكبار الصحابة رضي الله عنه مشغولون بتغسيل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وتكفينه ودفنه.
رفض أمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام الأمر الواقع، ولما لم يجد الانصار آثر الجلوس في بيته ممتنعاً عن البيعة حتى لا يعتبر جلوسه إقراراً بالواقع الجديد، إلا أنه لم يفسح المجال أمام المنافقين وعلى رأسهم أبو سفيان لتوسيع رقة الاختلاف حفاظاً على الإسلام الفتي.

* الخلافة تتشّرف بالأمير عليه الصلاة و السلام
استلم الإمام عليه السلام الخلافة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه و آله و سلم بحوالي خمسة وعشرين عاماً بعد أن ساد الظلم، خصوصاً في عهد عثمان بن عفان الذي قرّب بني أمية وأعاد مروان بن الحكم الذي طرده رسول الله عن المدينة، وقتل بعض الصحابة ونفى بعضهم إلى أن ثار الناس عليه وقتلوه ثم انهالوا على أمير المؤمنين يطالبونه تسلّم الخلافة، يقول الأمير عليه السلام : "فما راعني إلا والناس كعُرف الضيع إليّ ينثالون عليّ من كل جانب، حتى لقد وُطىءَ السحنان وشَقَ عطفاي مجتمعين حولي كربيضة الغنم".
لقد كانت مسيرة الإمام عليه السلام صعبة جداً بعد استشراء الفساد والعصبية والرجوع القهقري إلى الجاهلية والقبلية، حتى غدت عملية الإصلاح جهاداً حقيقياً.

* منهج الإمام في الحكم والإدارة
ألغى الإمام كل مظاهر الفساد السابقة، واعتمد مبدأ المساواة ومنع الامتيازات واستبدل الولاة الفسقة وغير المؤهلين بالأكفاء الأتقياء.
لم يشعر بعض الانتهازيين بالارتياح تجاه هذه الخطوات، وكان على رأسهم معاوية المعزول، وطلحة والزبير اللذان لم يحصلا على المناصب الطامحين إليها، وهكذا برزت بذور الفتنة.

* حروب الأمير عليه السلام
يقول الإمام عليه السلام: "فلما نهضت بالأمر نكثت طائفة ومرقد أخرى وقسط آخرون، كأنهم لم يسمعوا كلام الله حيث يقول ﴿تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين (القصص/ 83)".
أما الناكثون فهم طلحة والزبير ومعهم عائش أم المؤمنين، الذين خرجوا لحرب الأمير عليه السلام مطالبين بدم عثمان، وقد انتهت المعركة بمقتل طلحة والزبير وهزيمتهما.
أما القاسطون فعلى رأسهم معاوية الذي رفض التخلي عن ولاية الشام، فسار إلى صفين لحرب الإمام عليه السلام ، وقبيل انتهاء المعركة لصالح الأمير عليه السلام ، عمد معاوية إلى حيلة رفع المصاحف التي كانت كفيلة بتقسيم الجيش وقبول الإمام للتحكيم مكرهاً.
إثر ذلك، مرقت طائفة من جيش الإمام عرفوا بـ"الخوارج" وعاثوا في الأرض فساداً فاضطر الإمام لقتالهم وتفريقهم بعد أن استفحل أمرهم.

* الشهادة
تخاذل أهل العراق عن قتال معاوية وشعروا بإحباط شديد، وكان الإمام عليه السلام يحثهم فلا يجيبونه، وخطبه الكثيرة تشهد بذلك "إلا وإني قد دعوتكم إلى قتال هؤلاء القوم ليلاً ونهاراً، وسراً وإعلاناً، وقلت لكم أغزوهم قبل أن يغزوكم، فوالله ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا، فتواكلتم وتخاذلتم..".
في هذا الجو، عمل الإمام على تجهيز جيش كبير لقتال معاوية، إلا أن اللعين عبد الرحمان بن ملجم المرادي الخارجي كمن له في فجر التاسع من شهر رمضان، وضربه على أم رأسه وهو قائم يصلي صلاة الصبح في مسجد الكوفة، فنادى عليه السلام بأعلى صوته: "فزت ورب الكعبة" ثم انتقل إلى جوار ربه ليلة الحادي والعشرين من شهر رمضان لعام 40 للهجرة.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع