تحقيق: زينب البزال
أدرك العالم أنّ كلمة "معلّم" لا تختصر ما يحويه مضمون الكلمة من قيم ومفاهيم، فإذا ما أراد العامّة من النّاس تعظيم شأن امرئ نادوه "المعلّم". ولا يخلو تاريخنا الإسلامي من قرائن تؤكّد على أنّ الأنبياء والرسل والأئمة عليهم السلام، كانوا معلّمين خلّدوا التعاليم السماوية.
ولعل سرّ خلود المعلّم ورِفعة دوره مردّه إلى ما يجب أن يتحلّى به من قيم أخلاقيّة، تسمو به إلى مرتبة الرسل ليستحق حينئذ التبجيل، ولا أخال الشاعر قالها عبثاً: "إنّما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا".
فإلى أي مدى يساهم رصيد المعلم الأخلاقي في تقويم سلوكيّات الطلاب؟ وما الأسس التي تحكُم علاقته بالإدارة والكادر التعليمي في المؤسسة التربوية؟ وكيف يجب أن تتبدّى علاقته مع أولياء الأمور؟.جملة تساؤلات حملناها إلى الأستاذ في عالم التربية والتعليم د. محمد رضا فضل الله فتفضَّل بباقة نصائح وإرشادات للمعلّم ليكون القدوة الحسنة، في أيّ محيط كان فيه.
*المعلّم ليس موظّفاً
دَرج العُرف لدى أغلب المؤسّسات التعليميّة على استقبال من يرغب بالانتساب إليها بصفة مدرّس وفق جملة اعتبارات، ربما كانت الكفاءة التعليميّة آخرها. حيث لاحظ متتبّعو الشأن التربوي في المدارس الخاصّة والرسميّة في لبنان, أنّ دأب إدارات هذه الأخيرة هو ملء الفراغ فقط لتأمين معلّم لكل مادة تعليميّة فأيّ عناء يتكبده معلم لم يستطع الإحاطة بمستلزمات التعليم وأصوله؟! وكيف يكون حال طالب يُفرض عليه أن يخضع وينصت لمعلم لا يفقه من التعليم سوى راتب آخر الشهر؟
سامية كانت تنتظر نتيجة الامتحانات الرسمية لنهائيات المرحلة الثانوية، وكان الدافع الأساسي لاختيارها مهنة التعليم مادياً بحتاً. لذلك، فهي تعتبر أنها صارت معلمة دون عناء، وأنها لم تتكلّف سوى ملء الاستمارة الخاصة بالمدرسة كما لم تخضع أصلاً لدورات تأهيلية.
*المعلّم أساس نجاح العملية التربوية
يعتبر الدكتور فضل الله "أن كفاءة المعلم وغناه بالأساليب الناشطة والوسائل الحديثة والنشاطات المتنوعة عامل أساسي في نجاح العملية التربوية، لأن ذلك مما يثير رغبة التلميذ وحيويته ونشاطه، فيشارك في اكتشاف المعرفة واستنباط المفاهيم، ما يدفعه إلى احترام معلمه، فيثق بقدراته ويرغب بكلّ ما يقدّم ويعرض، كما ينجذب التلميذ إلى معلّمه بعفويّة ليحبّ ما يريده، ويندفع للاقتداء بسلوكه ومواقفه إذا ما أحسّ برساليّة المعلم وتضحيته وجديّته وأخلاقه".
الأم سميرة تعبّر عن امتعاضها ممّا يتداوله المعلمون فيما بينهم عن حال ابنها سامي، وتعتبر أنّ سلوك ابنها غير قويم لكن لا داعي لفضحه في أروقة المدرسة.
فيما تبرّر المعلمة فادية سخطها من أحد الطلاب بالقول: "يكاد قلبي ينفجر منه،... فأنا لم أستطع شرح الدرس كما يجب بسبب مشاغبات سامر، هو غير نظيف، كلّه مقرف... كتبت ذلك على مفكرته حتى تعلَم أمه كيف يكون حاله في المدرسة...".
بحسب الدكتور فضل الله "إن أصول وأدبيات التربية الحديثة، لا تحرّم تداول المعلمين أثناء الفرص وفي ساعات الفراغ، شؤون طلابهم وشجونهم ونقاط ضعفهم ومواطن قوتهم، إذا كان الهدف من ذلك تبادل الخبرات، والبحث عن حلول تعالج المشكلات، أضف إلى ذلك أنّ المعلم بحاجة إلى من يؤكّد له صوابية أساليبه وفعاليّة وسائله.
ولكن تفاصيل حياة التلاميذ ليست ملهاة، يحق للمعلمين تداولها في العلن بحسب ما تملي عليهم أمزجتهم، لأن أسرار الطلاب أمانة في أعناق معلميهم، لذا، أخاطب نفسي والمعلمين بالقول: "الطلّاب أبناؤنا، لهم حرمتهم ومكانتهم واحترامهم، علينا أن نحافظ على سريّة أوضاعهم وخفايا سلوكهم وبالشكل الذي يحفظ كرامتهم ويؤكد عزّتهم وعنفوانهم".
*أذية الطالب ضَعف
فحذارِ أيها المعلم، من استعمال أساليب التشهير والإهانة والإذلال والعدوان الجسدي، خاصّة عندما يصدر عن تلاميذك بعض التصرفات الصبيانية، التي قد تربكك وتمنعك من أداء وظائفك الطبيعية داخل الصف.فعليك الحذر من الخروج عن المألوف كي لا تُصبح موضع سخرية في عالم التلاميذ الذين يجدون لذة في إثارة المعلم الخفيف، السريع الغضب.
وتذكر أن هذه الأساليب هي سلاح الضعفاء الذين يفتقرون إلى ابتكار الوسائل الناجعة التي تعالج المشكلة ولا تؤكدها، فالعنف قد يخوّف الولد ويسكته ولكن لا يحل له المشكلة التي تختفي فترة لتعود وتتفاعل وتتفجر. كن حكيماً وتعاطَ مع حالات الشغب والتمرد والعنف بوعي وحكمة وموضوعية. ابحث في ظروفها وأسبابها ومظاهرها وصولاً إلى مواقف علاجية في أجواء علميّة رصينة تعيد التوازن لشخصيّة المتعلم.
*الالتزام الإداري سر نجاح المعلم
تقع الواقعة عادة بين المعلم والمسؤولين الإداريين نتيجة لا مبالاة الأول بالأعباء المفروضة عليه من قبل الأخيرة وتأففه تجاه أي التزام يطلب منه. وقد يكون الجور بادياً في بعض التدابير التي تتخذها الإدارات في المؤسسات التعليمية، لذا من الطبيعي أن تمطره هذه الأخيرة بوابل تحذيرات وتنبيهات ومضايقات كنتيجة مؤكدة لإخلاله بالضوابط الواردة في قانون تنظيم عمله داخل المؤسسة.
الأستاذ محمود دائم الامتعاض من التنبيهات الإدارية التي لا تراعي وضعه فهو لا يريد إهمال التزاماته إلّا لأنه مرتبط بعمل آخر يأخذ كل وقته – على حد تعبيره – لكن الإدارة محقة، إذ إن تنبيهات وإنذارات عديدة وجهت إليه.
يشدد الدكتور فضل الله على لزوم احترام المعلم لما يتوجب عليه من واجبات (دوام، تحضير، التزام بالقوانين...) انطلاقاً من تكليفه الشرعي، المحصّن برقابة الله تعالى، وفي الوقت ذاته عليه أن يطالب ضمن حدود اللياقة والاحترام، بما له من حقوق، وبالأخص إذا شعر ببعض الخلل في بنود العقد المبرم بينه وبين الإدارة ،
وفي حال لم تستجب له هذه الأخيرة، فارضة عليه التزامات غير عادلة، عليه أن يأخذ جانب الحكمة والحذر، ويحاول التفاهم مع الإدارة، أو يحني رأسه للعاصفة، فيصبر لعلّ الله يحدث بعد ذلك أمراً. هذا ويعتبر المعلمون في المؤسسة التربوية جهازاً واحداً تتضافر جهوده في سبيل بناء شخصيّة متكاملة متوازنة بأبعادها النفسيّة والجسديّة والعقليّة والاجتماعيّة والروحيّة،
شخصية قادرة على التكيّف ومواجهة تحديات العصر، لذا يجب أن تسود علائم التواضع والاحترام، لدى كل من يمارس فعل التربية، فلا تمايز ولا تفاضل، فالجميع في خدمة الرسالة والمجتمع، والمعلمون سواسية في خدمة أبنائنا الأعزاء كلٌّ من خلال دوره ومسؤوليته.
*علاقة وديّة مع أولياء الأمور
تتفاوت شخصيّات أولياء الأمور، وتختلف تصرفاتهم، لكنهم بالنتيجة يعانون القلق والتوتر وخاصة عندما يصدر عن فلذات أكبادهم خلل دراسي أو سلوكي. ومن الطبيعي أن تكون ردات فعلهم منسجمة مع مزاجيتهم وأخلاقهم،
إذ إن بعضهم قد لا يتفق مع المعلم فيُهمل زيارة المدرسة خوفاً من شكاوى المعلمين وتذمّرهم. وفي السياق نذكر قصّة بثتها إحدى المحطات التلفزيونية اللبنانية منذ فترة قريبة عن إحدى أولياء الأمور قائلة: "من كثرة ما قالت لي المعلمة ابنك لا يصلح إلّا أن يكون في حاوية النفايات، رميته في الحاوية... بعد ذلك رقّ قلبي لولدي فأعدته الى البيت وأنا حائرة في أمره ألوم نفسي...".
ولتجنب إيصال الأهل إلى حالة اليأس من ولدهم، وفي هذا الصدد، يخاطب الدكتور فضل الله المعلم المربي بالقول: "عليك أن تتعامل مع أولياء الأمور بالأسلوب الحواري القرآني: ﴿بالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾ (النحل: 125) والجدال بالتي هي أحسن، لتحوّل انفعالاتهم إلى تصرفات هادئة ومتوازنة، ثم تعمد إلى دراسة مشكلات أبنائهم وابتكار الحلول التي تنقذ مستقبلهم، آخذاً بعين الاعتبار مكانة الولد عند أهله فهو نتاج تربيتهم وجهدهم فلا تجرح كبرياءهم بتوجيه النقد الذي يُشعر بالإهانة".
في النهاية أيها المعلم ليكن النداء الرباني نصب عينيك ﴿وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ﴾ (آل عمران: 79).